لم يتوقع جيش الولايات المتحدة أن يخوض حربًا في صحراء الكويت عام 1991، فعلى مدى عقود، صنعت أمريكا أسلحةً ودربت جنودًا لمواجهة قد تؤول إليها الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي ورفاقه في حلف وارسو، وبغرض الانتصار في تلك الحرب، تهيأت أمريكا وحلفاؤها في الناتو للتغلب على قوة نووية عظمى، بمزيج من أنظمة الدفاع الصاروخي الموجهة بالرادار والهيمنة الجوية، وبدبابات من الجيل الجديد.

لكن استُجدت حرب مختلفة تمامًا، حين زحف جيش الرئيس العراقي صدام حسين نحو الكويت في أغسطس 1990، وبدلًا من القتال في الغابات والسهول الأوروبية، كانت ساحة المعركة صحراء شاسعة.

مع ذلك، كان للدبابات المدرعة العملاقة، المصممة لأعداء الحرب الباردة الدور الرئيس في حرب الخليج الثانية، وساعدت في تحرير الكويت بعد 100 ساعة من القتال العنيف.

دبابة أبرامز (M1A1)، المعروفة باسم «الموت الهامس»

نشرت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة نماذج مختلفة من الدبابات في حرب الخليج، كان النموذج المهمين -من حيث العدد والفعالية القتالية أيضًا- الدبابة المقاتلة M1A1 أبرامز.

«كانت M1A1 أبرامز أفضل برنامج أسلحة ثقيلة أسسه الجيش الأمريكي فيما يخص المركبات المدرعة».

وفقًا لروب كوغان، أمين مجموعة دروع وفرسان الجيش الأمريكي في فورت بينينغ، جورجيا: «على مدار عقود، عكفنا على تصميم دبابة أكثر تقدمًا تقنيًا مقارنةً بالسوفييت، ولم يكن ذلك بالأمر الهين. لكن مع أبرامز، اتخذنا خطوة إلى الوراء وقلنا بعدم الحاجة إلى دبابة مستقبلية مستوحاة من الخيال العلمي، جل ما نحتاج إليه أفضل دبابة تقليدية في العالم».

يبلغ طول دبابة أبرامز 9.7 مترًا بوزن 68 طنًا، وصُممت لتلقي وتفادي الضربات المباشرة من أقوى الدبابات. ثُبت مدفعها الرئيس الذي يبلغ قطره 120 ملم مستقرًا لتحقيق تصويب دقيق في أثناء التذخير، مع السير بسرعة 72.4 كيلومتر/ساعة فوق التضاريس الوعرة، ويرمي مدفع أبرامز رشقًا مخترقًا للدروع يقطع مسافة 1.6 كيلومتر/ثانية مدمرًا دبابات العدو بطلقة واحدة، بدلًا من إطلاق قذائف المدفعية التقليدية.

كانت دبابات M1A1 أبرامز سريعة وهادئة بشكل مدهش، نظرًا إلى حجمها وقوتها المدفعية، ترجع السرعة لمحرك توربيني نفاث بقوة 1500 حصان يعمل بوقود الطائرات لا الديزل، ما أدى إلى كتم صوت المحرك. يقول كوغان: «كنت ضابط قوات مدرعة مدة 10 سنوات. بحلول الوقت الذي تسمع فيه دبابة أبرامز، تكون قد مُت بالفعل».

أطلق الحلفاء المعجبون بأبرامز لقب «الموت الهامس» في أثناء تدريبات الناتو في أوروبا قبل حرب الخليج.

دبابات أخرى في حرب الخليج:

نشر الجيش الأمريكي نحو 1900 دبابة M1A1 أبرامز في حرب الخليج، لكنها لم تكن الإمدادات المدرعة الوحيدة في ساحة المعركة، إذ كانت دبابات (M551) شيريدانز الأمريكية -التي صُنعت من أجل حرب فيتنام- أولى المدرعات التي وصلت إلى القواعد العسكرية في المملكة العربية السعودية. يُعزى الوصول المبكر لدبابات M551 شيريدانز المكسوة بالألمنيوم إلى خفتها، ما سمح بنقلها بواسطة الطائرات وإنزالها جوًا في المعركة. أدت M551 شيريدانز دورًا مُساندًا فقط، لأنه في أثناء القتال الفعلي، كان درع الألمنيوم أضعف أمام نيران دبابات العدو.

أدار سلاح مشاة البحرية الأمريكية دباباته القتالية في الكويت، وكان معظمها من طراز (M60A1) باتون، وهي أقدم من دبابات أبرامز، لكن مدفعها الرئيس عيار 105 ملم ظل هائلًا في ساحة الحرب. وتماشيًا مع مهمتهم، قاد مشاة البحرية أيضًا مركبة القتال البرمائية (AAV7)، وهي ناقلة مجنزرة تنتقل من السفينة إلى الشاطئ، بوسعها نقل 25 من مشاة البحرية من مياه الخليج العربي إلى ساحة المعركة الصحراوية.

كذلك جاء حلفاء أمريكا بمقاتلاتهم الخاصة، أهمها تشالنجر 1، الدبابة المفضلة للفرقة المدرعة الأولى في المملكة المتحدة، وهي دبابة قتال تزن 62 طنًا، تعمل بمحرك ديزل من نوع رولز رويس كوندور بقوة 1200 حصان، ومزودة بمدفع رئيس عيار 120 ملم. دمرت مقاتلات تشالنجر 1 أكثر من 400 دبابة عراقية دون أي خسائر خلال حرب الخليج.

قاتلت القوات المدرعة الفرنسية والقطرية بدبابات (AMX-30) فرنسية الصنع، التي كانت مسلحة بمدفع قتال رئيس، وتزن نصف وزن دبابات M1A1 أبرامز وM60A1 باتون.

يقول كوجان: «صُممت AMX-30 من أجل السرعة والحركة الدفاعية، ورغم درعها الخفيف للغاية، كان مدفعها عيار 105 ملم هائلًا».

على الجانب العراقي، كانت دبابات القتال الرئيسية هي (T-72) سوفيتية الصنع، بقيادة نخبة الحرس الجمهوري العراقي. تميز أسطول دبابات صدام حسين من طراز T-72s الملقب بـ «أسود بابل» بمدفع رئيس ذي 125 ملم ومحرك ديزل بقوة 840 حصانًا. نشر العراقيون الآلاف من دبابات T-72s، وخشيت قوات التحالف في البداية من كون T-72s على قدم المساواة مع أبرامز، ومن إمكانية تسببها بخسائر جسيمة، لكن «لم يكن الأمر كذلك في نهاية المطاف»، وفقًا لكوغان.

معركة الدبابات الأعنف:

يسود الظن أن الحرب العالمية الثانية كانت حرب الدبابات العظمى، لكن في الحقيقة، واحدة من أضخم معارك الدبابات في القرن العشرين كانت عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية، إذ تعرض الدفاع الجوي العراقي لهجوم ضخم من القوات الجوية الأمريكية، في 17 يناير 1991، وبعد أشهر من الاستعداد، بدأت الحرب على الأرض، بقيادة ماهرة من الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف، إذ جمعت قوات الولايات المتحدة سربًا من المقاتلات الجوية في حرب الخليج، لدفع صدام حسين لتصديق أن الهجوم سيستهدف أساسًا مدينة الكويت، لكن في 24 فبراير 1991، تسللت قوات التحالف من الصحراء غربًا بأكثر من 3000 دبابة وناقلة مدرعة.

أول معركة دبابات كبرى في حرب الخليج حدثت في 26 فبراير عام 1991، عندما تلقى الكابتن إتش آر ماكماستر من فوج الفرسان المدرع الثاني معلومات استخباراتية تفيد أن لواء كامل من الدبابات العراقية كان متوقفًا فوق مرتفع قريب. وللاستفادة من عنصر المفاجأة، قرر ماكماستر تنفيذ المهمة التي حملت الاسم الرمزي «إيستنج 73»، بـ 14 دبابة فقط في فرقة استطلاعه.

يذكر كوغان: «بالنظر إلى عدم انتشار العراقيين، اقترب ماكماستر لتنفيذ المداهمة وهاجم من مسافة قريبة. هاجمت 14 دبابة أمريكية أكثر من 50 دبابة عراقية مع عدم وجود خسائر تقريبًا من الجانب الأمريكي، فقط خسائر طفيفة في المهمة إيستنج 73». دكّت دبابات M1A1 أبرامز دبابات T-72s العراقية بقذائف خارقة للدروع حتى قبل أن يدرك العراقيون ما يحدث.

انتشرت النتيجة غير المتكافئة للمهمة في وسائل الإعلام، لكن هذا كان مجرد مقدمة لما جاء لاحقًا، إذ نُفذ في الليلة ذاتها اجتياح وسط عاصفة مطيرة حولت الرمال إلى طين موحل، وكان الهواء كثيفًا بالدخان الرطب من حقول النفط الكويتية التي أشعل فيها الجيش العراقي المنسحب النيران، وظهرت ومضات من الضوء وسُمع زئير مدافع الدبابات وسط الظلام الحالك.

رسميًا، سُميت هذه المعركة «معركة نورفولك»، أما في أوساط المحاربين القدامى في حرب الخليج فقد عُرفت باسم «ليلة الرعب».

«كانت نورفولك معركة جنونية لوقوعها ليلًا. إذا لم تنظر من خلال نظارات الرؤية الليلية، فكل ما تراه هو النيران المتلاحقة وانفجار الدبابات واشتعالها. لا يمكنك تحديد ما هو أمامك بالعين المجردة».

بفضل تقنية التصوير الحراري الجديدة المزودة بها M1A1 أبرامز، حظيت قوات التحالف بانتصار غير متكافئ آخر في نورفولك، إذ فقدت عدد من الدبابات بينما دمرت قرابة 600 دبابة عراقية. خلال تلك المعركة، سجلت الدبابة البريطانية تشالنجر 1 أبعد تدمير مؤكد لدبابة في التاريخ العسكري، من بُعد أكثر من 5000 متر. معظم ضحايا التحالف في نورفولك -ستة قتلى و32 جريحًا- أُصيبوا بفعل نيران صديقة خلال معركة الليل الفوضوية.

حررت قوات التحالف الكويت بعد أقل من 100 ساعة من القتال، في 28 فبراير 1991، يعود الفضل في ذلك ليس فقط لتكنولوجيا الدبابات المتفوقة، لكن أيضًا للتدريب المتفوق لجنود المدرعات الأمريكية وحلفائهم. دُمرت قرابة 3300 دبابة عراقية خلال حرب الخليج مقارنةً بـ 31 دبابة فقط من دبابات التحالف.

وفقًا لكوغان: «إنه لمن الرائع امتلاك أفضل دبابة في ساحة المعركة، لكن امتلاك قوات مدرعات جيدة التدريب بإمكانها محاربة أي عدو في أي مكان، وهي ميزة أكبر بكثير».

اقرأ أيضًا:

كيف يعمل صاروخ توماهوك؟

تعرف على أشهر الحروب في التاريخ

ترجمة: صفا روضان

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر