من المهم الحديث عن إمكانية العثور على آثار الحياة على المريخ. لكن هذا يتضمن جهدًا كبيرًا جدًا، وقد يساعدنا الذكاء الاصطناعي على إنجاز هذه المهام.

الوصول إلى المريخ صعب ويجب أن نعرف أين نبحث بالضبط، ونريد التأكد من استخدام الفرص المتاحة بأفضل طريقة ممكنة لكي لا نضيّع الرحلة. فالمساحة التي يجب تغطيتها مهولة، والمريخ يمتلك مساحة سطحية جافة تقريبًا مثل الأرض، والفارق الرئيسي أن الحياة منتشرة على الأرض في كل بقعة تقريبًا، بينما ما يزال تاريخ الحياة على المريخ سؤالًا كبيرًا.

بوسع الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي جعل البحث عن الحياة على المريخ أسهل بكثير. فقد أظهر فريق دولي من الباحثين بقيادة عالم الحياة الفلكي كيمبرلي وارين-رودز من معهد سيتي أن هذه الأدوات تستطيع تحديد الأنماط المخفية في البيانات الجغرافية التي قد تشير إلى وجود علامات على الحياة.

يوجد على الأرض مكان واحد يشبه إلى حد كبير سهول المريخ الجافة، وهو صحراء أتاكاما في تشيلي، فهي واحدة من أكثر الأماكن جفافًا على كوكب الأرض، حيث لا تشهد هطول الأمطار عقودًا من الزمن. وحتى في هذا المكان غير الملائم للعيش، نستطيع العثور على حياة مختبئة تحت الأرض.

ركز وارين-رودز وزملاؤه على منطقة في حدود صحراء أتاكاما وسهل ألتيبلانو الواقعة في سالار دي باخوناليس. إن هذا الحوض هو نهر قديم ويُعد من أفضل المناطق البيئية التي تشبه المريخ على الأرض. و بوصوله إلى ارتفاع 3541 مترًا فهو يتعرض للأشعة فوق البنفسجية بكميات كبيرة ، وهو منخفض في نسبة الأكسجين، وجاف، وشديد الملوحة، ومع ذلك، يمكن العثور على الحياة هناك تنشأ في تكوينات معدنية.

على مساحة 2.78 كيلومتر مربع التقط الباحثون 7,765 صورة و1,154 عينة بعناية بحثًا عن الدلائل الحيوية التي تكشف وجود الكائنات الحية الدقيقة التي تستخدم الضوء في عملية التمثيل الضوئي. وتشمل هذه الدلائل الصباغات الكاروتينية والكلوروفيلية التي تلون الصخور باللون الوردي أو الأخضر.

استخدمت طائرات بدون طيار أيضًا لالتقاط صور جوية لمحاكاة الصور التي تحصل عليها الأقمار الصناعية التي تدور حول المريخ، وأضيفت خرائط تضاريس ثلاثية الأبعاد. ولُقمت كل هذه المعلومات إلى الشبكات العصبية التلافيفية (CNNs) لتدريب الذكاء الاصطناعي على التعرف على البُنى في الحوض الأكثر احتمالًا لأن يكون بها حياة.

ومن اللافت للنظر قدرة الذكاء الاصطناعي (المتمثل بالشبكات العصبية التلافيفية المُدربة) على تحديد أنماط في توزيع الحياة المجهرية في الحوض، مع إن التركيب المعدني متجانس تقريبًا للمنطقة.

كانت قباب المعدن الناعم الجبسية مأهولة بنسبة 40%، وكانت الأرض المنمطة المشرحة بشرائط من الجبس مأهولة بنسبة 50%. وعند النظر بعناية إلى أجزاء هذه الميزات المأهولة، وجد الباحثون موائل (مَواطن بيئية) صغيرة للعيش. كانت الكائنات الحية الدقيقة منجذبة بشدة إلى أجزاء من الألباستر، وهو شكل ناعم ومسامي من الجبس يحتفظ بالماء.

وجد الفريق أن هذه المناطق من الألباستر كانت مأهولة عمومًا، وتمثلت في أكثر متنبئات البصمات الحيوية الموثوق بها، ما يشير إلى أن محتوى الماء هو العامل الأهم لتوزيع الموائل الصغيرة.

وفي سياق البحث عن الحياة على المريخ، سمح الذكاء الاصطناعي للباحثين بتحديد البصمات الحيوية تحديدًا صحيحًا بنسبة 87.5%، بينما هي 10% للبحث العشوائي. ومن المذهل أن هذا سيقلل هذا المساحة التي كانت بحاجة إلى تغطيتها بنسبة 85-97%.

يقول عالم الحاسوب فريدي كاليتزيس من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة: «بالنسبة لكل من الصور الجوية والبيانات على مقياس السنتيمتر على الأرض، أظهر النموذج قدرة تنبؤية عالية لوجود المواد الجيولوجية التي من المرجح بشدة أن تحتوي على بصمات حيوية قوية.»

وأضاف: «تتطابق النتائج مع البيانات الأساسية على الأرض تطابقًا جيدًا، إذ ترتبط بشدة بتوزيع البصمات الحيوية بالمعالم الهيدرولوجية».

يبدو أن النهج المتبع لديه فوائد متعددة، فقد علّمنا هذا العمل شيئًا عن الحياة في البيئات القاسية هنا على الأرض، ويظهر وعودًا لتحديد الحياة على المريخ، وقد يساعدنا على تحديد بصمات حيوية أخرى هنا على الأرض.

يخطط الفريق لمحاولة تدريب الشبكات العصبية التلافيفية الخاصة بهم على بصمات حيوية أخرى، مثل الستروماتوليت، وهي طبقات متحجرة من الأغشية الحيوية التي قد يصل تاريخها لمليارات السنين، ومجتمعات الهالوفيلات، وهي كائنات تزدهر في البيئات شديدة الملوحة.

يقول وارين-رودز: «يسمح إطار عملنا لنا بدمج قوة الإحصاء الإيكولوجي مع التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، وذلك لاكتشاف الأنماط والتنبؤ بها إلى جانب القواعد التي تنتشر وفقها الحياة في أصعب المناطق على الأرض … نأمل أن تعتمد فرق الحياة الفلكية الأخرى نهجنا لرسم خرائط بيئات وبصمات حيوية أخرى. بفضل هذه النماذج، نستطيع إتاحة خرائط طريق وخوارزميات مصممة خصوصًا لتوجيه مركبة الروفر إلى الأماكن التي قد تكون غالبًا مستوطنة بالحياة الماضية أو الحاضرة، بغض النظر عن مدى ندرتها».

اقرأ أيضًا:

هل سيساعدنا الذكاء الاصطناعي في البحث عن آثار للحياة عل سطح المريخ؟

تطوير نظام بالتعلم الآلي لرصد أي إشارات تدل على وجود حياة من أنظمة نجمية أخرى

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: هزار التركاوي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر