إن أول نجاح حققه استخدام الذكاء الاصطناعي المتطور في تشكيل بلازما الهيدروجين شديدة التسخين بداخل مفاعل الاندماج جعل من ثورة الطاقة النظيفة أمرًا قريب المنال.

وتشير هذه التجربة الناجحة إلى أننا يمكننا البحث عن مولدات طاقة كهربائية طويلة الأمد باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأيضًا استبدال الوقود الأحفوري والاندماج النووي بشبكات من طاقة حديثة، ولكنها لا تزال غامضة.

يقول الفيزيائي فيديريكو فيليسي فيزيائي في المعهد السويسري للعلوم والتكنولوجيا في لوزان (EPFL)، وأحد قادة مشروع «علم الحياة»: «أظن أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور مستقبلي كبير في سيطرة توكاماك وعلوم الاندماج بالمجمل على المجالات كافة».

وأضاف فيليسي: «هنالك مقدرة هائلة لإطلاق العنان للذكاء الاصطناعي للحصول على سيطرة أفضل ولمعرفة كيفية صناعة أجهزة كهذه بنحوٍ أكثر فعالية».

يقول فيليسي المؤلف الرئيسي للدراسة الحديثة التي تصف المشروع، والمنشورة في مجلة «نيتشر»: «إن التجارب المستقبلية في توكاماك في لوزان ستبحث عن طرائق أخرى دمج الذكاء الاصطناعي بالتحكم في مفاعلات الاندماج».

وأردف قوله: «ما فعلناه كان حقًا نوعًا من إثبات هذه النظرية، وأننا سعيدون جدًا بالخطوة الأولى».

اشتركَ فيليسي و زملائه في مركز البلازما السويسري (SPC) التابع للمعهد السويسري للعلوم والتكنولوجيا في لوزان مع علماء ومهندسين من الشركة البريطانية (DeepMind)، وهي فرع من سلسلة شركات جوجل، في تجربة نظام الذكاء الاصطناعي في توكاماك.

إن أكثر النماذج الواعدة بسيطرة الاندماج النووي هي مفاعل الاندماج النووي الحلقي، إضافةً إلى نموذج توكاماك المستخدم في مشروعITER العالمي، ومركزه في فرنسا. ويعتقد بعض أنصار هذا المشروع أنهم سيستخدمون جهاز توكاماك في العمليات التجارية بحلول عام 2030.

الذكاء الاصطناعي:

أوضح فيليسي أن 19 لفيفة مغناطيسية تتحكم بالتوكاماك بنحو أساسي، ويمكن استخدامها لتشكيل وتموضع بلازما الهيدروجين داخل حجرة الاندماج، في أثناء توجيه تيار كهربائي خلالها.

وأضافَ أنّه عادةً ما تُحكم هذه اللفائف بمجموعة مستقلة من وحدات التحكم المحوسبة المبرمجة تبعًا لحسابات معقدة في هندسة التحكم -لفافة لكل سمة من سمات البلازما في كل تجربة- وتعتمد على طرائق محددة للاختيار، ولكن نظام الذكاء الإصطناعي الجديد قادر على معالجة البلازما بمتحكم واحد.

دُرب نظام الذكاء الاصطناعي وهو نظام التعليم المعزز العميق (RL) المُطور من قبل شركة DeepMind أول مرة على محاكاة توكاماك، وهو بديل أرخص وأكثر امانًا منه.

كانت عمليات المحاكاة الحاسوبية بطيئة، وتستغرق عدة ساعات لمحاكاة بضع ثوانٍ فقط من عملية توكاماك في الوقت الفعلي. إضافةً إلى أنه يمكن أن تتغير حالة TCV التجريبية من يوم إلى آخر، وبالتالي يحتاج مطورو الذكاء الاصطناعي أخذ هذه التغييرات بالحسبان في أثناء عمليات المحاكاة. وفي النهاية، عند اكتمال عملية المحاكاة يُربط الذكاء الاصطناعي بالتوكاماك الفعلي.

يستطيع توكاماك الحفاظ على بلازما الهيدروجين شديدة التسخين عند أكثر من 120 مليون درجة مئوية، و بعدها تحتاج إلى 15 دقيقة لتبرد ويعاد ضبطها. وزعم فيليسي أنه عادةً ما يُجرّب نحو 35-30 تجربة يوميًا.

تقام نحو 100 تجربة في توكاماك بواسطة الذكاء الاصطناعي على مدار عدة أيام، وأضاف: «أردنا الحصول على أنواع مختلفة من البلازما بأشكال مختلفة وتجربتها ضمن ظروف مختلفة».

رغم أن توكاماك لم يكن يستخدم بلازما الهيدروجين النيورتروني الثقيل الذي ينتج مستويات عالية من الاندماج النووي، فقد أدت تجارب الذكاء الاصطناعي إلى طرائق جديدة لتشكيل البلازما داخل توكاماك، ويمكن أن تؤدي إلى تحكم أكبر في عميلة الاندماج بأكملها.

تشكيل البلازما:

قال فيليسي: «أثبت الذكاء الاصطناعي فعاليته في وضع وتشكيل البلازما داخل حجرة الاندماج في توكاماك في أكثر المظاهر شيوعًا، متضمنًا ما يسمى بشكل ندفة الثلج الذي يُعتقد بأنّه المظهر الأكثر كفاءة للاندماج».

وأضافَ أيضًا أن الذكاء الاصطناعي كان قادرًا على تحويل البلازما إلى قطرات (حلقات علوية وسفلية منفصلة داخل الحجرة)، ولكنها لم تُجرب من قبل على الرغم من إمكانية نجاحها باستخدام تقنيات هندسة التحكم القياسية.

وأوضح فيليسي أنّه كان من السهل جدًا إنشاء شكل القطرة بوساطة التعلم الآلي، فيمكننا فقط الطلب من المتحكم أن يصنع البلازما بهذا الشكل، فيتمكن للذكاء الإصطناعي بمعرفة كيفية القيام بهذه العملية.

وحسب قوله، رأى الباحثون أن الذكاء الاصطناعي يستخدم اللفافات المغناطيسية ليتحكم بالبلازما داخل الحجرة بطرائق مختلفة عمّا كان سينتج من نظام التحكم القياسي. وأنه بإمكاننا اليوم تطبيق المفاهيم ذاتها على مشكلات أكثر تعقيدًا وكفاءةً بما أننا نحصل على نماذج أفضل لسلوك توكاماك.

ستدعم تجارب البلازما في توكاماك مشروع ITER ، وهو توكاماك ضخم متوقع أن يُحدث اندماجًا كبيرًا بحلول عام 2035. ويأمل مؤيدو ITER أن يكون مشروعًا رائدًا في ابتكار طرائق جديدة لاستخدام الاندماج النووي لتوليد الكهرباء دون انبعاثات كربونية وبمستويات منخفضة من النشاط الإشعاعي.

ستعمل تجارب توكاماك على تزويد تصاميم لمفاعلات الاندماجDEMO التي تعد خليفة ITER، وستوفر الكهرباء لشبكات الطاقة وهو أمر لم يصممITER للقيام به.

تعمل العديد من الدول على تصاميم لمفاعلات DEMO، ومن المتوقع أن تبدأ أحد مفاعلات EUROfusion الأوربية المتقدمة بالعمل بحلول عام 2051.

اقرأ أيضًا:

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

ترجمة: ريما صليبي

تدقيق: دوري شديد

مراجعة: حسين جرود

المصدر