شهدت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تطورًا هائلًا على مدى العقود الماضية، لكن يُتوقع أن يكون العام الحالي نقطة تحول ملحوظة في هذا المجال. يتمثل التغيير خصوصًا في إطلاق شات جي بي تي بواسطة أوبن إيه آي، وهو تطور جعل الذكاء الاصطناعي أسهل وأكثر عملية للاستخدام العام. مع أن مسيرة الذكاء الاصطناعي كانت محفوفة بالتحديات وشهدت العديد من التجارب الفاشلة، فإن الوضع الحالي يُظهر تقدمًا مذهلًا.

غالبًا، تَعِد التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي بالكثير من الفوائد، خاصةً في تحسين التشخيصات الطبية والابتكارات العلمية. مثلًا، استطاع أحد نماذج الذكاء الاصطناعي تحديد مخاطر الإصابة بسرطان الرئة، بتحليل صور الأشعة السينية. خلال أزمة كوفيد-19، طُورت خوارزمية قادرة على تشخيص الفيروس، بالتقاط الاختلافات الدقيقة في أصوات السعال. أيضًا، أدى الذكاء الاصطناعي دورًا في تصميم تجارب فيزياء الكم التي تجاوزت قدرات البشر.

1- الذكاء الاصطناعي العام:

لكن ليس كل ما يتعلق الذكاء الاصطناعي إيجابيًا. توجد جوانب قد تثير القلق، مثل الطائرات دون طيار القاتلة والأنظمة الأخرى التي قد تهدد مستقبل البشر. عام 2024، نحن على أعتاب اكتشافات قد تغير وجه الذكاء الاصطناعي. تحيط حالة من الغموض بإقالة سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي، ثم إعادة تعيينه. وتدور الشائعات حول تقنية متقدمة قد تشكل تهديدًا كبيرًا لمستقبل البشرية. التقنية المعروفة باسم كيوستار، قد تمثل إنجازًا هائلًا في مجال الذكاء العام الاصطناعي، مع أن التفاصيل حول كيوستار ما زالت غامضة، فإن الإمكانيات التي قد توفرها هذه التكنولوجيا ربما ترفع قدرات الذكاء الاصطناعي إلى مستويات غير مسبوقة.

يُعد الذكاء العام الاصطناعي نقطة تحول نظرية، تُعرف أيضًا بـ «التفرد»، إذ يصبح الذكاء الاصطناعي أذكى من البشر. الأجيال الحالية من الذكاء الاصطناعي لا تزال متأخرة في مجالات يتفوق فيها البشر، مثل التفكير المبني على السياق والإبداع الحقيقي. معظم المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي، إن لم يكن كله، يعيد بطريقة ما تقديم البيانات المستخدمة في تدريبه.

لكن الذكاء العام الاصطناعي قد يؤدي أفضل من معظم الناس في وظائف معينة، ويمكن تسليحه واستخدامه، مثلًا، لإنشاء مسببات الأمراض، أو شن هجمات سيبرانية ضخمة، أو تنظيم التلاعب الجماعي.

ظلت فكرة الذكاء العام الاصطناعي محصورة في أدب الخيال العلمي، ويعتقد العديد من العلماء أننا لن نصل إلى هذه النقطة أبدًا. لكن لو وصلت أوبن إيه آي إلى هذه النقطة بالفعل، فسيكون ذلك بالتأكيد صادمًا، لكنه يظل محتملًا. نعلم مثلًا أن سام ألتمان كان يضع الأسس للذكاء العام الاصطناعي في فبراير 2023، فحدد نهج أوبن إيه آي نحو الذكاء العام الاصطناعي في منشور. نعلم أيضًا أن الخبراء بدأوا التنبؤ باختراق وشيك، ومنهم الرئيس التنفيذي لشركة نفيديا، جنسن هوانغ، الذي قال في نوفمبر إن الذكاء العام الاصطناعي سيصبح في المتناول في غضون 5 سنوات. هل تكون 2024 سنة ظهور الذكاء الاصطناعي العام؟ ستجيبنا الأيام عن ذلك.

2- تزييف الانتخابات:

أحد أخطر التهديدات السيبرانية هو تقنية التزييف العميق «ديبفيك»، وهي صور أو مقاطع فيديو مزيفة تمامًا لأشخاص، قد تمثلهم تمثيلًا خاطئ، أو تجرمهم، أو تتنمر عليهم. حتى الآن، تقنية ديبفيك للذكاء الاصطناعي ليست جيدة بما يكفي لتمثل تهديدًا حقيقيًا، لكن ذلك قد يتغير.

يمكن للذكاء الاصطناعي الآن إنشاء ديبفيك في الوقت الفعلي -أي تغذيات فيديو مباشرة- وأصبح الآن جيدًا جدًا في إنشاء وجوه بشرية، فلم يعد الناس قادرين على التمييز بين الحقيقي والزائف. كشفت دراسة عن ظاهرة الواقعية الفائقة، إذ قد يُعد المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي حقيقيًا أكثر من المحتوى الحقيقي بالفعل.

هذا من شأنه أن يجعل من المستحيل عمليًا على الناس التمييز بين الحقيقة والخيال بالعين المجردة. مع أن بعض الأدوات قد تساعد الناس على اكتشاف الديبفيك، فإنها لم تصبح متاحة بعد. مثلًا، طورت شركة إنتل كاشف ديبفيك في الوقت الفعلي يعمل باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل تدفق الدم. لكن نتائجه ما زالت متضاربة.

مع نضج الذكاء الاصطناعي التوليدي، فمن الاحتمالات المخيفة أن ينشر الناس الديبفيك لمحاولة التأثير في الانتخابات. مثلًا، ذكرت الصحف أن الانتخابات القادمة في بنغلاديش قد تتأثر بديبفيك. أيضًا تستعد الولايات المتحدة لانتخابات رئاسية في نوفمبر 2024، ويُحتمل أن يؤثر الذكاء الاصطناعي وديبفيك في نتيجة التصويت. تراقب جامعة كاليفورنيا بيركلي استخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية، إذ تفتقر العديد من الولايات إلى القوانين أو الأدوات للتعامل مع التضليل المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي.

3- دمج الذكاء الاصطناعي في سباق التسلح:

تتجه الحكومات حول العالم نحو دمج الذكاء الاصطناعي في أدوات الحرب. أعلنت الحكومة الأمريكية في 22 نوفمبر أن 47 دولة أيدت إعلانًا حول الاستخدام العسكري المسؤول للذكاء الاصطناعي. كان هذا الإعلان مهمًا لأن الاستخدام غير المسؤول هو احتمال مرعب، إذ شهدنا مثلًا طائرات دون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعي تلاحق جنودًا دون تدخل بشري.

يمكن للذكاء الاصطناعي التعرف على الأنماط، والتعلم الذاتي، وإجراء التنبؤات أو توليد التوصيات في السياقات العسكرية، وسباق التسلح بالذكاء الاصطناعي جارٍ بالفعل. عام 2024، من المحتمل أن نشهد ليس فقط استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمة الأسلحة، بل أيضًا في النظم اللوجستية وأنظمة دعم القرار، فضلًا عن البحث والتطوير. عام 2022، أنتج الذكاء الاصطناعي 40,000 سلاح كيميائي جديد نظريًا. وأطلق الجيش الأمريكي طائرات دون طيار يمكنها التعرف على الأهداف وتتبع المعارك أفضل من البشر. أحد أكثر المجالات تطورًا أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، أو الروبوتات القاتلة. حذر العديد من العلماء والتقنيين البارزين من الروبوتات القاتلة، لكن التكنولوجيا لم تتحقق بعد على نطاق واسع.

مع ذلك، تشير بعض التطورات المقلقة إلى أن هذا العام قد يكون عام الانطلاق للروبوتات القاتلة. مثلًا، أعلنت روسيا عن استخدام طائرة دون طيار يمكنها التعرف على الأهداف ومهاجمتها دون تدخل بشري، وطورت أستراليا نظام الغواصات الآلي، الذي من المقرر أن يُنتج على نطاق واسع وفقًا لمراجعة أسترالية.

يشير المبلغ الذي تنفقه دول العالم على الذكاء الاصطناعي إلى صحة هذه الاحتمالات، إذ رفعت الصين الإنفاق على الذكاء الاصطناعي من 11.6 مليون دولار عام 2010 إلى 141 مليون عام 2019، وأضاف التقرير أن الصين تستبق مع الولايات المتحدة لنشر قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في التسلح. تشير هذه التطورات إلى أننا نسلك طريقًا جديدًا للحرب باستخدام الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يلتهم نفسه! فما السبب؟

هل امتلك الذكاء الاصطناعي وعيًا؟ وكيف نلاحظ ذلك؟

ترجمة: محمد حسام

تدقيق: زين حيدر

المصدر