يهدد الأشخاص ذوو السلوك العدواني علاقاتنا والطريقة التي نرى بها أنفسنا. قد يُظهر الأشخاص السلوك العدواني عمدًا أو دون قصد. وقد يلجأ البعض إلى السلوك العدواني لتجنب الدخول في نقاش قد يضعهم في موقف محرج، أو قد يكون الشخص عدوانيًا بالفطرة ويُشعره إلحاق الأذى بالآخرين بالراحة.

تشرح عالمة النفس كيلي ديراجون كيف نحدد أننا نتعامل مع شخص ذي سلوك عدواني سلبي، وكيف نحمي أنفسنا من الانخراط في هذا النوع من السلوك.

ما السلوك العدواني السلبي؟

السلوك العدواني السلبي هو أسلوب تواصل ينقل به الشخص المشاعر السلبية مثل الغضب والحزن إلى الطرف الآخر عند وقوع مشكلة ما، بدلًا من معالجة الموقف بشفافية وصدق. قد يكون الشخص عدوانيًا سلبيًا لفظيًا، أو قد يعبر عن غضبه بواسطة لغة الجسد أو إيحاءات أخرى. أحيانًا، قد ينخرط الأشخاص في السلوك العدواني السلبي دون قصد. قد يتطور السلوك العدواني ليُصبح خبيثًا، عندما يكون السلوك العدواني تجاه الآخرين غايته التسبب بالضرر والحصول على منافع شخصية.

تقول الدكتورة ديراجون: «يستطيع الشخص معرفة أنه يتعامل مع شخص ذي سلوك عدواني بواسطة الطريقة التي يشعر بها عند تعرضه لهجوم. أحيانًا، يظهر السلوك العدواني بوصفه طريقةً غير مباشرة للتعبير عن المشاعر السلبية. قد ينخرط شخص ما في سلوك عدواني سلبي عندما يقول أو يفعل أشياء لا تتفق مع مشاعره الحقيقية، وقد يظهر هذا السلوك في صورة سخرية أو معاملة صامتة».

المثال الأوضح للسلوك العدواني السلبي هو عندما يسلط شخص ما الضوء على شخص آخر في تجمع كبير ويتلاعب به عاطفيًا أمام الآخرين، أو قد يُعبر الشخص العدواني عن سلوكه بطرق أخرى، حتى مع الأشخاص الذين يحبهم ويهتم لأمرهم ويراهم يوميًا.

أمثلة للسلوك العدواني السلبي:

قد يعبر الشخص عن السلوك العدواني السلبي بطرق لفظية مباشرة، أو بتصرفات مزعجة غير مباشرة، مثل:

  •  عند وقوع مشكلة بين شخصين، لا يتكلم الشخص ذو السلوك العدواني عن تأذي مشاعره ولا يُعبر عنها، بل يتبع أسلوب المعاملة الصامتة. وعند سؤاله عن السبب الذي يزعجه، يتجنب النقاش ويقول «أنا بخير» ويكتم مشاعره.
  •  عند مواجهة مشكلة في العمل، قد يتعمد الشخص العدواني التصرف بطريقة سلبية. مثلًا، عند تغيير موعد الاجتماع إلى وقت آخر لا يناسب جدوله الزمني، فإنه لا يشرح خطوطه الحمراء ويحاول معالجة المشكلة، بل يتعمد التأخر عن الموعد ويؤجله حتى الثانية الأخيرة.
  •  عند مقابلة أشخاص جدد لا يشعر تجاههم بالانجذاب، فإنه لا يصارحهم بمشاعره بل يتهرب منهم.
  •  عندما يُطلب منه عمل ما وهو مشغول للغاية في أعمال أخرى، لا يقول «لا أستطيع» ببساطة، بل يوافق ولا يفعل ما طُلب منه، ما يسبب غضب الآخرين.
  •  استخدام عبارات مثل «في رسالتي الإلكترونية الأخيرة» أو «هل تفهم ما أقوله؟»، ما قد يُشعر الطرف الآخر أنه يستخف بفهمه أو يقلل من شأنه.
  •  يُقدم الشخص العدواني مجاملات مبطنة بقصد السخرية من الآخرين، أو نصائح غير مرغوب بها، مثل: «سيكون من الرائع أن أتناول وجبة غداء كبيرة مثلما فعل بعض الأشخاص»، أي إنه لا يعالج المشكلات والمواقف السلبية بطريقة مباشرة، ما يؤدي إلى مزيد من الصراع وسوء الفهم.

ما سبب السلوك العدواني السلبي؟

بالنسبة إلى الأشخاص ذوي النوايا الخبيثة، فإنهم قد يتصرفون بطريقة عدوانية لأنها تُشعرهم أنهم أفضل من غيرهم، أو أنهم يحققون إنجازًا بإلحاق الأذى بالآخرين.

في أوقات أخرى، قد لا يرغبون في مواجهة الآخرين مباشرةً وقد يكونون خبيثين بشدة، خاصةً في الأماكن العامة. لكن ربما يريدون إعلان أنهم مستاؤون أو غير راضين أو لديهم مشاعر سلبية تجاه الموقف، فيجعلون الآخرين متشككين بشأن استيعابهم لما يحدث.

تقول الدكتورة ديراجون: «السلوك العدواني السلبي قد يُثير المخاوف الشخصية، خاصًة إن كنت تواجهه من مدير أو شخص مسؤول أو شخص تهتم لأمره».

«عند معاملة شخص ما بطريقة عدوانية، قد يسبب ذلك خوفهم من التفاعل مع الآخرين مجددًا، لأنهم لا يريدون أن يعلم الأشخاص الآخرين أنهم تعرضوا للأذى أو أن يسببوا مزيدًا من الصراع، وقد يشعرهم ذلك بالدونية وأحيانًا بالعجز».

قد يُظهر شخص ما سلوكًا عدوانيًا سلبيًا دون قصد. مثلًا، لتجنب خوض صراع أو للتهرب من تفاقم المشكلات. إن كان لدى الشخص مشكلة في قول «لا»، فقد يوافق على فعل شيء ما أو حضور حدث مع أنه لا يريد، ما قد يؤدي إلى سلسلة من الأحداث المزعجة، إذ قد يبدو الشخص غير واثق أو غير مسؤول.

تقول الدكتورة ديراجون: «السلوك العدواني السلبي ليس شيئًا ندرك أننا نتصرف وفقه دائمًا. أحيانًا، يريد الناس أن يكونوا مهذبين ولا يريدون الكشف عن شعورهم الحقيقي، وقد تكون أيضًا آلية دفاع».

قد يحدث السلوك العدواني السلبي في المنزل أو عبر الإنترنت أو في مكان العمل أو حتى مع الغرباء. وغالبًا ما تُفسر تصرفات الأشخاص ذوي الميول العدوانية السلبية بسبب سلوك آبائهم ومقدمي الرعاية والبالغين الآخرين في مرحلة الطفولة.

توضح الدكتورة ديراجون: «قد يكون السلوك العدواني سلوكًا مكتسبًا. إذا نشأ الشخص في منزل يتعامل فيه الأفراد بطريقة عدوانية ويتعرضون للسخرية في معظم الأوقات، تصبح العدوانية جزءًا من أسلوب التواصل الخاص بهم. بالنسبة إلى بعض الأشخاص، قد يؤثر ذلك في علاقاتهم الشخصية».

كيفية تمييز السلوك العدواني السلبي:

يلجأ الشخص ذو السلوك العدواني السلبي إلى فعل أي شيء لتجنب المواجهة المباشرة، ويميل إلى التصرف بطريقة سلبية للتعبير عن الغضب. عند حدوث أمر ما يُزعج الشخص العدواني، فقد يرسل إشارات مختلطة تجعل الطرف الآخر يتساءل عما يحدث بالفعل وكيف يشعر حقًا.

تقول الدكتورة ديراجون: «عند توقف الشخص عن المبادرة وميله إلى الابتعاد، أو عند الشعور أنه يهاجمك شخصيًا مرارًا وتكرارًا، فهذه علامة أنه يُظهر سلوكًا عدوانيًا سلبيًا».

إذا خالفت أقوال الشخص أفعاله، وكان دائمًا ما يسبب تشوش الأشخاص الآخرين حوله بتصرفاته ويجرحهم بأفعاله، فقد تكون هذه علامة أن هذا الشخص يملك سلوكًا عدوانيًا سلبيًا.

كيفية التعامل مع الأشخاص العدوانيين السلبيين:

تقول الدكتورة ديراجون: «الطريقة المُثلى لفهم نوايا شخص ما، أن تطلب منه الوضوح والصراحة في العلاقة. عند الشعور أن تصرفات الشخص الذي تتعامل معه قد تغيرت دون سبب واضح، قد يكون الأمر مزعجًا للغاية».

«يجب عدم بناء التوقعات حول كيفية شعور الآخرين تجاهنا، وإن بدا الأمر واضحًا من خلال الطريقة التي يتحدثون بها أو يتصرفون وفقًا لها. بل تجب مطالبة الشخص بتوضيح ما قاله أو ما يقصده عندما يفعل شيئًا مزعجًا. أيضًا يمكن استغلال هذه الفرصة لشرح كيف تؤثر أفعالهم في الآخرين وتجرح مشاعرهم، وأن نطلب منهم تلبية الاحتياجات التي نريدها».

تقول الدكتورة ديراجون: «إن مواجهة الشخص بأفعاله تجعله مسؤولًا عنها، وقد يجعله ذلك أكثر وعيًا بما يفعله وتأثيره في شعور الآخرين».

عند الشعور بعدم الارتياح أو عدم الأمان لمواجهة الشخص ذي السلوك العدواني السلبي، فيمكنك اعتبار أن تجربة التعامل معه كانت خبرةً للاستعداد ومواجهة ما سيحدث لاحقًا.

تقول الدكتورة ديراجون: «أحيانًا يكون التريث وتأجيل المواجهة خيارًا جيدًا، إذ يتيح بعض الوقت للطرفين للتفكير بهدوء».

أيضًا، قد تساعد تمارين التنفس العميق والتأمل واليوجا في التركيز على نفسك وتحديد قراراتك قبل مواجهة شخص آخر.

تلاحظ الدكتورة ديراجون ميل بعض الأشخاص إلى رد الإساءة عند التعرض لها أو عند الشعور أن شخصًا ما يهاجمهم، ما يسبب تفاقم الموقف. تقول: «عندما يحاول شخص ما إزعاجك، فيجب ألا تجعل الأمور أسوأ بالانحدار إلى مستواه».

وضع الحدود عند التعامل مع الأشخاص، وحل المشكلات قبل أن تزداد سوءًا، أمر بالغ الأهمية في التعامل مع الشخص ذي السلوك العدواني السلبي.

كيف نعلم أن لدينا سلوكًا عدوانيًا سلبيًا؟

إن تعرض الأشخاص الذين نتفاعل معهم للأذى بسبب أفعالنا، وإظهارهم ردود أفعال دفاعية، أو ابتعادهم بسبب الأشياء التي نقولها، قد تكون علامة أننا نتصرف بسلبية وعدوانية تجاه الآخرين.

تقول الدكتور ديراجون: «قد يأتي الشخص متأخرًا في كل مرة يحضر اجتماعًا، أو يتجاهل شخص ما باستمرار، ولا يتواصل بالعين أو يستبعد شخصًا عن قصد من محادثة. أي أنه بطريقة ما يتجنب التفاعل مع الآخرين بسبب المشاعر السلبية تجاههم».

«عندما يكون الشخص محاصرًا بشأن أفعاله ويشكو الآخرون من سلوكه، فقد تكون هذه علامات على أنه سام للآخرين».

كيفية إدارة السلوك العدواني السلبي:

تنصح الدكتورة ديراجون بأن يكون الشخص صادقًا مع نفسه. وتقول: «يجب أن يعلم الشخص ما يريد قوله وكيف يريد التصرف، ويحاول اكتشاف كيفية التعبير عن آرائه، لأنه لن يلبي احتياجاته إذا لم يستطع التعبير عنها بوضوح».

إن وجد الشخص نفسه يقدم إجابات قصيرة أو أصبح غير مبالٍ بإكمال المحادثة، فقد تكون هذه علامة على أنه ليس مهتمًا. عندما يحدث هذا، قد يرغب في التراجع وسؤال نفسه: «ما الذي أحاول قوله» أو «ما الذي أريد تحقيقه بالتواصل مع الآخرين؟».

تقول الدكتورة ديراجون: «إن معرفة الشخص بنقاط ضعفه أمر مهم، وقد يستغرق الأمر سنوات حتى يتخلص من هذا السلوك».

«يبدأ التغيير عندما يدرك الشخص سلوكياته والكلمات التي يستخدمها. إذا أراد الناس التحسن، فعليهم أن يكونوا مستعدين للمحاولة باستمرار. وإذا أخطؤوا مرارًا وتكرارًا فلا بأس، يمكن العمل حتى التخلص من هذه السلوكيات تمامًا».

مع أن السلوك العدواني السلبي ليس حالة طبية بحد ذاته، فإنه قد يرتبط بتشخيصات أخرى للصحة النفسية، مثل اضطراب الشخصية النرجسية، أو اضطراب الشخصية الحدية. لكن حتى إذا لم يُشخص الفرد بحالة مرضية سابقًا، أو كان سلوكه مقلقًا، أو كانت علاقاته متوترة، تمكن استشارة الطبيب حول بدء العلاج لمعرفة السبب الجذري للسلوك العدواني السلبي.

قد تساعد الأنواع المختلفة من العلاج، مثل العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الشخصي، والعلاج بالتحدث مع الآخرين، والتدريب على المهارات الاجتماعية، في تقوية مهارات الاتصال الاجتماعي واتخاذ خيارات أفضل.

تقول الدكتورة ديراجون: «قد يساهم العلاج في التركيز على التنظيم العاطفي ومهارات التعامل مع الآخرين، ويساعد أيضًا على استكشاف الأفكار والمشاعر بشأن التجارب الشخصية الصعبة».

«يجب تَعلُم كيفية التواصل بطريقة فعالة مع الآخرين، إذ إنها إحدى أفضل الأدوات لدينا».

اقرأ أيضًا:

دور هرمون التستوستيرون لا يقتصر على العدوانية فقط بل يعزز السلوك الودي والاجتماعي

هرمون الحب، هل يسبب العدوانية؟

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر