يوجد شيء غريب بشأن بقايا النجوم الميتة الموجودة في مركز مجرة درب التبانة. ويبدو أن مجموعة من السُدم الكوكبية من نوعٍ معين تصطف بنفس الطريقة، بشكل موازٍ تقريبًا لمستوى المجرة.

لُوحظ هذا الأمر الغريب للمرة الأولى بواسطة عالم الفضاء براين ريس من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة.

يظن برايس ريس وفريقه بقيادة شويو تان من جامعة هونغ كونغ أنهم اقتربوا من معرفة السبب؛ المُتمثل بالمجال المغناطيسي المحيط في هذه المنطقة من المجرة حيث يحدث هذا الاصطفاف.

يقول عالم الفيزياء الفلكية ألبرت خيلغسترا: «إن هذا الاكتشاف يقرّبنا من فهم هذه الحالة من الاصطفاف العجيب».

السُدم الكوكبية ظاهرة أثيرية خاصة قصيرة العمر نسبيًا، إذ إنها بقايا متناثرة لنجوم مثل الشمس، فعند وصول هذه النجوم إلى نهاية حياتها، تقذف مادتها الخارجية بعيدًا، قبل أن ينهار اللبّ الداخلي على نفسه متحولًا إلى قزم أبيض.

نظرًا لأنها تُنثر من دون انفجار مستعر أعظم، فإنه غالبًا ما تبقى هذه السُدم سليمة، تطفو كفقاعة متوهجة كالشبح في الفضاء، ولهذا سميت بهذا الاسم فبعضها مستديرة تشبه الكواكب.

عند مشاركة القزم الأبيض لنظامه مع نجم آخر، الأمر الذي يحدث كثيرًا، فإن السديم الكوكبي سيبدو مختلفًا تمامًا. يعتقد العلماء أن الحركة المدارية بين نجمين في نظام ثنائي تقطّع السديم إلى فصوص، بشكل مماثل للساعة الرملية.

النظام الثنائي: هو ببساطة نظام يدور فيه نجمان حول مركز كتلة مشترك، أي أنهما مرتبطان ببعضهما بواسطة الجاذبية.

لاحظ ريس في 2011 أن هذه السُدم الكوكبية التي تشبه شكل الفراشة، غالبًا ما تكون مصطفة بشكل غريب بطريقة يكون محورها الطويل متوازيًا أو قريبًا من التوازي مع المستوى المجري.

بحثت شويو تان وزملاؤها في 136 سديمًا كوكبيًا في الانتفاخ المجري في مجرة درب اللبانة.

الانتفاخ المجري: منطقة مكتظّة بالنجوم موجودة في مراكز معظم المجرات الحلزونية، ولاحظوا أن السُدم التي يظهر بها الاصطفاف الفريد يكون النظام الثنائي فيها ذا مدار صغير وضيق جدًا. يقولون بأن هذا دليل يمكن أن يساعد في كشف تاريخ تشكل مجرتنا.

يشرح زيجلسترا: «السديم الكوكبي يقدم لنا نافذة إلى قلب مجرتنا، وهذا الإدراك يعمق فهمنا لديناميكية تطور منطقة الانتفاخ المجري في درب التبانة».

تشكُل النجوم في منطقة الانتفاخ المجري في مجرتنا يعد عملية مُعقدة، تتأثر بعوامل مختلفة مثل الجاذبية والاضطراب والحقول المغناطيسية. حتى الآن، كان هناكَ نقصٌ في الأدلة المتعلقة بأيّ من هذه الآليات التي يمكن أن تسبب حدوث هذه العملية وتوليد هذا الاصطفاف المحدد.

يعتقد الباحثون أن السبب الوحيد المعقول لهذا الترتيب الدقيق والغريب لهذه المجموعة الفرعية المحددة من السُدم الكوكبية هو الحقول المغناطيسية. على الرغم من أن هذه الحقول المغناطيسية في منطقة الانتفاخ المجري ليست قوية بما يكفي حاليًا لشرح هذا الترتيب المنتظم، لكن من الممكن أن قوتها كانت كافية في الماضي، ما جعل أنظمة النجوم الثنائية تتصف بترابط قبل زمن تشكل السُدم الكوكبية.

يشير ذلك إلى أن أنظمة النجوم الثنائية الأصغر سنًا ذات الفصل المداري الأوسع قد لا تكون بالضرورة عرضةً للتأثير نفسه، وهذا يتوافق مع ملاحظات الفريق.

مع ذلك، سنحتاج إلى مزيد من الملاحظات والتحليل للتأكد من أن هذا هو العامل الذي يؤثر في حركة السُدم الكوكبية في المركز المجري، ما يشير إلى أن أنظمة النجوم الثنائية الأصغر سنًا وتلك ذات الفصل المداري الأوسع ليست بالضرورة عرضةً للتأثير نفسه – وهذا متوافق مع ملاحظات الفريق. وسنحتاج إلى التأكد من أن هذا هو ما يميل السُدم الكوكبية في المركز المجري.

يقول زيجلسترا: «تكمن أهمية هذا البحث في حقيقة أننا نعلم الآن أن هذا الاصطفاف يلاحظ في هذا المجموعة المحددة جدًا من السُدم الكوكبية».

اقرأ أيضًا:

على بعد 13 مليار سنة ضوئية، تقبع أقدم النجوم في تاريخ الكون

حقائق عن القزم الأبيض

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: غفران التميمي

المصدر