في سباق تكنولوجيا الأسلحة فائقة السرعة الجديد؛ تتنافس الولايات المتحدة والصين وروسيا على تطوير نوع جديد من الصواريخ بعيدة المدى مع سرعة تفوق سرعة الصوت. وكشف تقرير حديث عن نجاح كوريا الشمالية باختبار صاروخ فائق السرعة في 5 يناير 2022.

تهتم هذه الدول بتكنولوجيا صواريخ هايبر سونيك لقدرتها على شن هجمات بعيدة المدى دون أن تكتشفها أنظمة الدفاع مثل الرادار والدروع الصاروخية، إضافةً إلى إمكانية انتقالها بسرعة تزيد عن 3850 ميل في الساعة. تبدو هذه التكنولوجيا واعدة عند رؤيتها على الورق، لكن هل تحقيق هذه السرعة في الواقع أمر سهل؟

ماذا تعني هايبر سونيك؟

يشير مصطلح هايبر سونيك عامة إلى السرعة الفائقة، أما صواريخ هايبر سونيك فهي الصواريخ التي تستطيع قطع مسافات طويلة بسرعات تعادل 5 أضعاف سرعة الصوت أو أسرع من ماخ 5.

في الحركة الهوائية تُحسب سرعة الأجسام بالعموم بالتناسب مع سرعة الصوت، تُستخدم الاختصارات مثل سب وسوبر وهايبر للتعبير عن نطاقات السرعة المختلفة. تتغير سرعة الصوت وفقًا للوسط الذي ينتقل فيه الصاروخ ودرجة حرارة هذا الوسط، وتتغير درجة الحرارة وفقًا للارتفاع، إذا افترضنا أن الارتفاع عند مستوى سطح البحر والهواء جاف ودرجة الحرارة 20 درجة مئوية (68 درجة فهرنهايت)، فإن سرعة الصوت تبلغ 761 ميل في الساعة تقريبًا. تسمى هذه السرعة المحلية للصوت أو 1 ماخ.

والماخ رقم يعبر عن نسبة سرعة ما إلى سرعة الصوت الثابتة، فإن سرعة 1522 ميلًا في الساعة يعادلها 2 ماخ، وتسمى سرعة ماخ 2.

تُحدَّد أنظمة الطيران بالاعتماد على رقم ماخ، تعادل سرعة سب سونيك رقم ماخ أصغر من 1، وسرعة ترانسونيك تساوي 1 ماخ، وسرعة سوبرسونيك من 1 إلى 3 ماخ، وهايبر سونيك أكبر من 5 ماخ.

ما الذي يجعل صواريخ هايبر سونيك سريعة؟

يوجد نوعان أساسيان من صواريخ هايبر سونيك، صاروخ كروز الذي تشغله المحركات، وصاروخ انزلاقي يُدفع بسرعة عالية بالاعتماد على تدفق الهواء ثم يدخل الغلاف الجوي ويصل لهدفه.

تُشَغّل صواريخ كروز باستخدام محركات نفاثة سريعة سكرامجت قيد التطوير (محرك نفاث ذو احتراق فوق صوتي) التي تعمل بحرق الوقود في تيار هوائي سريع مضغوط. لا تملك محركات سكرامجت أجزاءً متحركةً مثل المحركات التقليدية. تختبر الدول حاليًا محركات سكرامجت، إذ اختبرتها روسيا مع محرك 3M22 zicron، واختبرتها أمريكا بمحرك HAWC، كما اختبرت الهند HSTDV والصين.

تُوضع الطائرات الشراعية فوق صاروخ باليستي أو نظام صاروخي قصير المدى وتُعَزز لسرعات تصل حتى 20 ماخ، ثم تنفصل وتنتقل بسرعات فائقة عبر الغلاف الجوي، وأنواع الطائرات الشراعية الأكثر شيوعًا هي DF-ZF الصينية وأفانجارد الروسية، ويعمل الجيش الأمريكي على C-HGB.

تاريخ موجز للصواريخ فائقة السرعة

ليست الأجسام الصناعية التي تطير بسرعة فائقة بتقنية جديدة، في أواخر الثلاثينيات صمم المهندس النمساوي يوجين سانجر مع الفيزيائية الألمانية إيرين بريدت طائرة شراعية هايبر سونيك تسمى بالطائر الفضي(Silbervogel) لكنها لم تُبنَ.

وصل صاروخ بمبر (Bumper) ذو المرحلتين الذي جمعه الأمريكيون من طائرة ألمانية V-2 والمزود بصاروخ تجارب WAC عام 1949 إلى سرعة هايبر سونيك لفترة قصيرة قبل انفجاره.

وصل يوري غاغارين إلى سرعة هايبر سونيك خلال رحلته المدارية التاريخية عام 1961 لتكون أول مرة يحقق فيها الإنسان هذه السرعة، حقق آلان شيبرد وروبرت وايت سرعة هايبر سونيك خلال عام بعدها، وسافروا بسرعات هايبر سونيك لفترات قصيرة. منحت أمريكا عقد تصميم الطائرة الشرعية داينا-سور التي تطير بسرعة هايبر سونيك لشركة بوينغ عام 1959، ولكنها تخلت عن المشروع لأسباب غير معروفة عام 1963 مع استمرار البحث في ذلك ولكنه صعب تقنيًّا.

علمت البحرية الأمريكية في 20 أغسطس عام 1998 أن الإرهابي أسامة بن لادن (الذي قصف السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا في 7 أغسطس من نفس العام) كان مختبئًا في معسكر القاعدة في أفغانستان. فأطلقت السفن الحربية صواريخ كروز باتجاه معسكر بن لادن من بحر العرب ولكنه نجا مع أن الصواريخ دمرت المعسكر، وكانت أحد الأسباب استغراق الصواريخ ساعتين لتصل للهدف على بعد 1100 ميل.

تسبّب بن لادن في هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة لاحقًا التي هزت العالم بأسره، ما دفع الرئيس الأمريكي جورج بوش للتفكير في تطوير صاروخ هايبر سونيك لكنه رفض فيما بعد. وفي نفس الوقت انسحبت أمريكا من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية وبدأت في تطوير دروع دفاعية ضد الصواريخ الباليستية، وبدأت روسيا والصين أيضًا في تطوير طرق لهزيمة هذه الدروع باستخدام صواريخ هايبر سونيك.

العاملان الأساسيان اللذان أعادا إثارة الاهتمام بصواريخ هايبر سونيك هما السرعة والقدرة على المناورة، يقول بوب سترايدر رئيس هايبر سونيكس في قيادة الدفاع الصاروخي للجيش الأمريكي إن صواريخ هايبر سونيك غايتها استهداف إجراءات منع الوصول التي تطبقها دولة ما.

الصواريخ الباليستية العابرة للقارات قادرة على الطيران بسرعات هايبر سونيك، لكنه من الممكن التنبؤ بمسارها وتعقبه، بعكس صواريخ هايبر سونيك التي تطير بسرعة عالية في الارتفاعات المنخفضة، ما يصعّب تعقبها واعتراضها.

يشير الخط الأحمر إلى مسار صواريخ هايبر سونيك

يشير الخط الأحمر إلى مسار صواريخ هايبر سونيك

برامج تطوير تكنولوجيا هايبر سونيك في الولايات المتحدة

إطلاق تجريبي للطائرة الشراعية C-HGB

إطلاق تجريبي للطائرة الشراعية C-HGB

أطلقت القوات الجوية الأمريكية ووكالة مشاريع البحوث المتقدمة الدفاعية (داربا) مشروع فالكون لتطوير المركبة الجوية المشتركة (CAV)، كان من المفترض أن تعمل CAV بوصفها صاروخًا باليستيًا ومركبة إعادة دخول بسرعة هايبر سونيك، ولكن بعد اختبارين فاشلين في عامي 2010 و2011، عُلّق هذا المشروع.
في عام 2008 بدأت داربا بالعمل على مركبة هايبر سونيك اختبارية (HTV-2)، خلفًا لـ CAV بوصفها جزءًا من برنامج فالكون.

وقد صُنعت HTV-2 بشكل وتدي بعكس CAV الكروي، وفي اختبارين مختلفين في عامي 2010 و 2011 فشلت الطائرة الشراعية نفسها في إكمال رحلتها مع أنها نجحت في الإنطلاق، والانفصال عن الداعم وبدء الرحلة الديناميكية الهوائية، في عام 2018 أعلنت وزارة الدفاع أنها لن تجري أي اختبارات أخرى على HTV-2.

وعملت داربا أيضًا عام 2010 على تصميم جديد في إطار برنامج ArcLight ولكن المشروع أوقِف في 2012. وعملت الولايات المتحدة أيضًا على اختبار صاروخ كروز هايبر سونيك X-51 الذي أطلقته شركة بوينغ ولكنه انتهى في عام 2013 دون نتائج جيدة.

تبيّن بعد تلك السلسلة من النكسات التي واجهتها الولايات المتحدة، نجاح مشروع واحد يتعلق بتكنولوجيا الهايبر سونيك، في عام 2006 بدأ الجيش الأمريكي العمل على طائرة شراعية هايبر سونيك أخرى (AHW) وهي سلاح متقدم بتصميم مخروطي الشكل، وأجرى الجيش الأمريكي اختبارًا ناجحًا في عام 2011. ومع أن AHW فشلت في تلبية التوقعات خلال الاختبار الثاني الذي أجرته وزارة الدفاع الأمريكية عام 2014، فقد نجح الاختبار النهائي الذي أُجري في عام 2017 باستخدام نسخة مصغرة من AHW. وفي عام 2018 أُعيدت تسمية AHW باسم (C-HGB).

لماذا يعد تطوير صواريخ هايبر سونيك تحديًا صعبًا؟

إدارة قوة السحب في الغلاف الجوي في أثناء تطوير سلاح هايبر سونيك أمر مهم جدًا، فعندما يندفع السلاح في الهواء سيواجه مقاومة تتناسب مع سرعته إذ يُبطئ السحب من سرعة السلاح.

يساهم السحب أيضًا في زيادة درجة حرارة الجسم الطائر بشدة وكذلك الهواء المحيط، إذ قد يتسبب في تأيّن الهواء المحيط وتفاعله كيمائيًّا، وقد يؤدي هذا الهواء المتأيّن إلى تدهور سطح السلاح.

إن الجسم الذي يطير بسرعة تفوق سرعة الصوت (هايبر سونيك)، يولّد طبقة متحركة من الهواء الكثيف تُعرف باسم موجة الصدمة، وتشكل هذه الموجة زاوية ضيقة جدًا مع اتجاه حركة السلاح ما يؤدي إلى احتكاك الهواء الساخن غير المستقر كيميائيًا بسطح السلاح.

والسحب العالي والدفع المنخفض قد يعيقان قدرة الجسم على المناورة أيضًا، لأن تغيير اتجاه جسم يطير بسرعة هايبر سونيك يستهلك قدرًا هائلًا من الطاقة الحركية للجسم، ما يؤدي بدوره إلى إبطائه، ويوضح بوب سترايدر: «كل مناورة تستهلك طاقة، لذا يجب الحرص في عدد المناورات التي يمكن إجراؤها لإدارة الطاقة الموجودة في الطائرة، وذلك للتأكد من إمكانية الوصول إلى الهدف المراد».

تعني تحديات صنع صواريخ هايبر سونيك أن الدولة التي تطورها سيكون لها الصدارة في سباق التسلح الجديد لأسلحة هايبر سونيك، حقق جميع المشاركين الرئيسيين في هذا السباق بعض التقدم في تطوير صاروخ دفع انزلاقي بالإضافة إلى اختبار تقنيات سكرامجت. ومع ذلك فإن الصين وكوريا الشمالية وروسيا والولايات المتحدة هي الدول الوحيدة التي اختبرت بنجاح صاروخ كروز هايبر سونيك، ويبقى التساؤل حول كيف ستلحق البلدان الأخرى ذلك، وكيفية التعامل مع منع انتشار صواريخ هايبر سونيك.

اقرأ أيضًا:

بستّة أضعاف سرعة الصوت، وقد تزيد من الضغط على الدفاعات الأمريكيّة.. تعرّف على طائرة الصين الجديدة

علماء صينيون يكشفون الستار عن مشاريع لطائرةٍ غريبةٍ فائقة السرعة مع جناحٍ إضافيّ

ترجمة: تسنيم فندقلي

تدقيق: سماح عبد اللطيف

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر