الاندماج النووي هو عملية اعتيادية تحدث كل يوم في الطبيعة الكونية , وليست أحلاماً أو أوهاماً.


أنظر إلى السماء في أيّ نهار وسترى أمامك مفاعل اندماجاً نووياً هائلاً إنها الشمس.

الاندماج النووي يعد مصدراً خصباً للطاقة النظيفة، وها نحن نقترب من تحقيق هدفنا.

الطاقة الاندماجية هي الطاقة الناتجة أثناء التفاعل الذي يحدث فيه تحول نويات الذرات (في الأغلب ذرات الهيدروجين) إلى نويات مختلفة عن طريق صدمها معاً بقوة شديدة فتخرج كمية كبيرة من الطاقة. يحدث ذلك في النجوم بسبب الضغط الشديد الناتج من الجاذبية الشديدة. ولكن على الأرض يمكن الوصول لذلك الاندماج باستخدام المجالات المغناطيسية الشديدة لتنتج «بلازما» ساخنة جداً قد تصل درجة حرارتها لملايين الدرجات المئوية.

ولسنوات طويلة قام المجتمع العلمي بمحاولة للوصول لتلك التفاعلات هنا على الأرض، وقد نجحوا في ذلك بالفعل وحصلوا على تفاعلات اندماجية نظيفة.. ولكن لمدة زمنية قصيرة جداً. ففي عام 2013 استطاع «المفاعل الاندماجي التجريبي المتطور (EAST tokmak)» أن ينتج تفاعلات اندماجية مستقرة لمدة 30 ثانية، وهي تعتبر خطوة كبيرة في هذا المجال حيث أن كل التفاعلات السابقة كانت تقاس في حدود الملي ثانية (واحد على 1000 من الثانية).

وفيما يلي كل ما تحتاج معرفته عن الاندماج النووي، مشاكله وأخطاره وكيف يمكن أن يغير عالمنا تماماً.

لماذا يصعب الحصول على الاندماج النووي؟

بما أن درجة الحرارة اللازمة للحصول على تفاعل اندماج نووي مستمر هي عالية جداً، فإن أي مادة تحيط بهذا التفاعل ستتعرض للانصهار. يعتبر المجال المغناطيسي القوي هو الوسيلة الأكثر قبولاً لمنع البلازما الناتجة من التفاعل من ملامسة الجدران الداخلية للمفاعل بمسافة كافية للمحافظة عليه. ولكن هذا المجال يعتبر مشكلة في حد ذاته.

طبقاً لمؤسسة euro-fusion (تجمع لعدد من الجامعات العاملة على الأبحاث المتعلقة بهذا المجال في أوروبا): «عند توليد خطوط من الفيض المغناطيسي بشكل دائري داخل المفاعل فإنها تجذب الأيونات الموجبة (الذرة منزوعة الإلكترونات تصبح أيونات موجبة الشحنة) كما تجذب الإلكترونات السالبة الموجودة في البلازما لتدور معها مبتعدة عن جدران المفاعل، بينما تقوم مجموعة أخرى من المجالات المغناطيسية بتحديد شكل البلازما والمحافظة على استقرارها داخل المفاعل. تلك المجالات المغناطيسية يتم إنتاجها باستخدام ملفات كهربية تحيط بقلب المفاعل.»

ولكن التكنولوجيا المتاحة لنا الآن لتكوين المجال المغناطيسي ليست متقدمة بالدرجة اللازمة لبناء مفاعل مستقر ومستمر، ولكننا اقتربنا جداً من الوصول لتلك الدرجة.

لماذا الاندماج النووي أفضل من الانشطار النووي؟

حسناً باختصار، الاندماج النووي يتسبب في اندماج نواتين لتتكون نواة واحدة جديدة ولكن الانشطار النووي يتسبب في تكسير النواة الكبيرة إلى أجزاء أصغر.

المفاعلات الانشطارية (النوع الوحيد العامل فعلاً بشبكات الطاقة الحالية) تستخدم ذرات اليورانيوم 235 (ذرة اليورانيوم الواحدة تحتوي على 92 بروتون ووزنها الذري 235) يتم قصفها بنيوترونات عالية الطاقة مما يؤدي إلى انقسام ذرات اليورانيوم وإطلاق كمية كبيرة من الطاقة في صورة حرارة. المشكلة في تلك العملية هي نواتج الانشطار، الناتج الأخطر هو أشعة جاما، تلك الأشعة تسبب السرطان عند التعرض لها بكمية صغيرة وقد تكون مميتة بصورة مباشرة في حالة التعرض للجرعات الكبيرة.

إضافة للإشعاعات الضارة الناتجة من التفاعل، المخلفات النووية الناتجة من التفاعل أيضاً تظل مشعة لمدة طويلة جداً. فمثلاً موقع انفجار مفاعل تشيرنوبل لن يكون قابلاً للحياة خلال الـ 20 ألف سنة القادمة، في حين أن المنطقة المحيطة به والتي تم إخلاءها بعد الانفجار ربما يمكن أن تكون قابلة للسكن خلال الـ 200 عام القادمة.

المفاعلات الاندماجية تنتج أيضاً مخلفات مشعة ولكن فترة عمر النصف لها قصيرة جداً (الفترة التي تحتاجها المادة لتفقد نصف عدد ذراتها عن طريق الإشعاع) كما أن تلك المخلفات نفسها هي أقل خطراً من مخلفات التفاعلات الانشطارية بنسبة كبيرة. في الحقيقة أن نواتج التفاعل الاندماجي هي الهيليوم والنيوترونات والحرارة، الهيليوم وهو غاز خامل لا يسجل خطر على البشر، الحرارة سيتم استخدامها لتوليد البخار اللازم لإدارة التوربينات المولدة للكهرباء، أما النيوترونات المنبعثة يمكن استخدام الدروع لإيقافها بسهولة وفي الظروف الطبيعية تكون النواتج أقل من أن تسبب أثر مشع على البيئة المحيطة.

ما نوع الوقود المستخدم في المفاعلات الأندماجية؟

أكثر أنواع الوقود المستخدم قبولاً في التفاعلات الاندماجية هي: الديوتيريوم و التريتيوم (نظائر للهيدروجين لكن لها أوزان ذرية مختلفة)، الهيليوم 3 أو البورون 11. يتم استخدام تلك المواد بكميات قليلة نسبياً، والديوتيريوم يتم استخراجه من ماء البحر.

النجوم الاندماجية والنجوم الغير اندماجية

الشمس هي مركز مجموعتنا الشمسية وهي كبيرة جداً، العناصر الموجودة بداخلها يتم سحقها تحت ضغط شديد (ناتج من قوة الجذب الهائلة للشمس) لدرجة أن ذرات الهيدروجين تندمج معاً مكونة ذرات الهيليوم وتنتج أيضاً الحرارة والضوء وأنواع الإشعاع الأخرى وهو ما يساعد على بقاء الأرض ويسبب لها الضرر في ذات الوقت.

ربما لن يمكننا أبداً خلق تفاعل اندماجي مشابه لما يحدث بداخل الشمس بالضبط حيث أننا لا نستطيع إنشاء حقل جاذبية صناعي بالقوة المطلوبة، ولكن يمكننا أن نضغط بشدة تفاعلات مشابهة ونصطنع تفاعلات مشابهة نسبياً.

النجم النيوتروني هو مثال على نجم كان في السابق نجماً اندماجيا انتهى كل وقوده وانفجر في شكل مستعر أعظم مخلفاً ورائه بقايا المادة المحطمة المتكونة في أغلبها من نيوترونات فقط. بينما يكون حجم ذلك النوع من النجوم صغيراً جداً بالمقارنة بحجمه السابق، إلا أن المادة المحطمة هي كثيفة جداً حتى أن مقدار معلقة شاي واحدة منها تزن تقريباً 5000 طن.

لماذا نهتم بالاندماج النظيف؟

الأثر البيئي للاندماج النووي أو بمعنى أدق عدم وجود أثر بيئي هو سبب أكثر من كافي للاهتمام بالبحث والتطوير ومحاولة إتقان تلك التكنولوجيا. وربما سيُمكننا الاندماج من الحصول على كهرباء رخيصة من حيث تكاليف المواد الخام واليد العاملة والتخلص من المخلفات.

تخيل وجود مفاعل اندماجي صغير يتم نقله على ظهر شاحنة صغيرة إلى المناطق المعزولة وتوصيله إلى شبكة الكهرباء المحلية. هل تعتقد يمكن أن يحدث بسهولة باستخدام مفاعل نووي انشطاري؟ بالطبع لا.

من الناحية التجارية، الطاقة الاندماجية سيكون من الممكن تشغيلها بأمان، مع إشعاعات ومخلفات مشعة أقل، وكفاءة إنتاج الطاقة الاندماجية أفضل من الطرق الحالية حيث تكلفة إنتاج الميجا وات من الطاقة ستكون أقل.

كيف ستؤثر علينا إذاً الطاقة الاندماجية؟

ربما تكون النتيجة الوحيدة التي ربما تؤثر علينا هي تغير في فاتورة كهرباء، ربما تغير للأحسن ولكن مع الوضع في الاعتبار عدم تجهيز المفاعلات الاندماجية بعد فلا يمكننا تخمين التكلفة الكلية بالضبط. ربما لن نرى انخفاضاَ لحظياً في الأسعار ولكن الأكثر احتمالاً أنه ومع مرور الوقت ستكون الزيادة الدورية في أسعار الكهرباء أقل بكثير من الزيادة الحالية.

ونظراً لأن الطاقة الاندماجية لا تعتمد على الوقود الحجري أو سرعة الرياح أو التعرض للشمس مثل الطرق الأخرى المستخدمة حالياً هذا يعني أن المواد التي نحتاجها لتشغيل مفاعل اندماجي أكثر ثباتاً من الرياح والتعرض للشمس ولا تتناقص مثل البترول والغاز. وبالرغم من أن الوضع ذاته ينطبق على المفاعلات الانشطارية إلا أن المفاعلات الانشطارية تكلفتها أعلى وأقل أماناً كما أن التخلص من مخلفاتها هي مشكلة كبيرة.

كيف ستؤثر الطاقة الاندماجية على العالم؟

من الناحية التجارية فإن الشركات الكبيرة ستحتكر بناء المفاعلات الاندماجية. حيث أن تلك الشركات هي من تمول الأبحاث الخاصة بذلك المجال حتى على المستوى الأكاديمي ولكن دخول القطاع الحكومى بالتأكيد في المنافسة سيبقي الأسعار منخفضة.

وفى حال ازدهار الطاقة الاندماجية فقد يكون ذلك بداية النهاية للطاقة المستخرجة من المصادر المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها.

تلك التكنولوجيا الاندماجية ستجعل السفر للفضاء أرخص وأسرع. فالرحلة للمريخ مثلاً ستستغرق شهراً واحداً بدلاً من الستة أشهر اللازمة الآن.

ربما سيكون للأجيال القادمة سبباً حقيقياً لتشكرنا على إنجازه.


  • إعداد: جورج فام
  • تدقيق: شريف منصور

المصدر