توصلت دراسة إلى أن الفعل البسيط المتمثل بمضغ العلكة قد يرفع معدل الاستقلاب الغذائي في الجسم بنسبة تصل إلى 15%، وبالعودة إلى ما قبل ظهور الطهي، ربما قضى أسلافنا الأوائل الكثير من الوقت في المضغ. وفقًا لدراسة جديدة نُشرت أغسطس 2022 في مجلة Science Advances، فمن المحتمل أن أسلافنا قد استهلكوا كميات كبيرة من الطاقة للقيام بذلك. في الواقع، يقول العلماء إن الكثير من الطاقة ربما تكون قد شكلت تطور الجهاز العضلي الهيكلي البشري المبكر.

لا تنقب الدراسة في سجل الحفريات، وبدلًا من ذلك قاس الباحثون بعناية مقدار الطاقة التي يستهلكها البشر في المضغ، ووجدوا أن مضغ علكة عديمة الطعم والرائحة يرفع معدل الاستقلاب الغذائي في الجسم بنسبة تصل إلى 10-15% فوق خط الأساس.

يقول عالم الأنثروبولوجيا في جامعة جورج واشنطن بيتر لوكاس، الذي لم يشارك في الدراسة لكنه قدم ملاحظات إلى المؤلفين على مسودة سابقة للمخطوطة: «على حد علمي، هذه هي الدراسة الأولى على الإطلاق التي بحثت في طاقة المضغ، لهذا السبب فهي تستحق المديح».

يقول لوكاس إن البشر بدأوا الطهي في فترة تتراوح بين 500 ألف إلى مليوني سنة مضت، وبفضل ذلك (الحرارة واستخدام الأدوات) تمكنّا من استخلاص السعرات الحرارية الزائدة من اللحوم والمأكولات النشوية، ما غيّر معالم الطاقة عند الإنسان الحديث، وبوسعنا القول أن ذلك سمح بتكوين دماغ كبير جدًا. وفي هذا السياق، ما تزال عمليات الاستقلاب الغذائي للمضغ واحدة من الأسئلة الأساسية للتطور، لأنها قد تخبرنا كيف مثّل الطهي نقطة تحول في المسار التطوري للبشرية.

مضغ الأشياء

بدأت الدراسة بمحادثة على الغداء حين شاهد المؤلف المشارك آدم فان كاستارين عالم الأنثروبولوجيا بجامعة مانشستر في المملكة المتحدة زميله في العمل وهو يمضغ ويستمر في مضغ السلطة، وبدأ يتساءل: «ما مقدار الطاقة التي ستُستثمر في تناول سلطة مقارنة بتناول وجبة مطبوخة؟». ولذلك صمم مع زملائه تجربة لاختبار ذلك بالضبط.

وضع الباحثون مجموعة من المتطوعين (6 رجال و15 امرأة) في نظام غطاء تهوية مصمم لقياس الاستقلاب الغذائي. تقيس الآلات (التي تشبه خوذة رائد الفضاء) امتصاص الأكسجين ومخرجات ثاني أكسيد الكربون، ثم يستخدم المؤلفون القياسات لحساب إنفاق الطاقة لكل مشارك.

تقول أماندا هنري: «يُستخدم نظام غطاء التهوية في جامعة ماستريخت لقياس الأكسجين المستهلك وثاني أكسيد الكربون الناتج في أثناء أنشطة مثل المضغ».

أولاً، طُلب من المتطوعين الجلوس ساكنين داخل الغرفة مدة 45 دقيقة، ما زوّد الباحثين بقياس أساسي لمقدار الطاقة التي يستهلكونها في أثناء الراحة. ثمّ طلبوا بعد ذلك من المتطوعين مضغ علكة عديمة الطعم والرائحة في أثناء وجودهم داخل الغرفة مدة 15 دقيقة، إذ اختبر الباحثون مستويين من تصلب اللثة مع كل متطوع.

لم يستخدم المؤلفون الأطعمة التي تُبتلَع دون مضغ؛ لأن ذلك يزيد من عمليات الاستقلاب الغذائي في الجهاز الهضمي ما يزيد من إنفاق الطاقة، وكانوا يهدفون إلى عزل تكلفة المضغ.

وجدوا أن العلكة اللينة زادت من كمية الطاقة التي استهلكها المتطوعون بنسبة تصل إلى 10% عن خط الأساس الأولي، بينما زادت العلكة الصلبة استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 15%. يقول فان كاستارين إنه فوجئ تمامًا برؤية هذه القفزة بين العلكتين، وتساءل بصوت عالٍ: «ما الفرق إذا أعطيناهم طعامًا قاسيًا أو ليفيًا أو شيئًا من هذا القبيل؟».

لاحظ المؤلفون أن العلكة الأكثر صلابة كانت أنعم بكثير من معظم الأطعمة المشتقة من النباتات، وقد يعني هذا أن تكلفة الاستقلاب الغذائي المقاسة للمضغ أقل من قيمتها الحقيقية. عندما استخدم الباحثون مخطط كهربية العضلات (EMG) لتسجيل النشاط الكهربائي لإحدى عضلات الفك الماضغة استجابةً لمضغ العلكة الصلبة أو اللينة، وجدوا أن الشخص الخاضع للتجربة يمضغ العلكة اللينة بتكرار أكثر، لكنه ينتج قوة أكبر لمضغ العلكة الصلبة، في إشارة إلى أن مقدار القوة المطلوبة عامل رئيسي في تحديد كمية الطاقة التي يستهلكها المضغ.

أمور تستحق التفكير

يقول لوكاس إنه تفاجأ من استخدام المؤلفين للعلكة فقط دون المواد التي تتحلل في أثناء مضغها؛ لأن الأخيرة قد تُقارن مباشرةً بالأطعمة الحقيقية. وبالطبع سيحتاج الأشخاص الخاضعين للتجربة إلى تجنب ابتلاع أي شيء كما يقول، ما يستلزم أن يحسب الباحثون أيضًا التكلفة النشيطة للبصق ليقيسوا بدقة استهلاك الطاقة من المضغ وحده. قد يكون هذا صعبًا، لكنه مع ذلك يود أن يرى الدراسات المستقبلية تحاول فعلها لزيادة أهمية العمل، والمساعدة في توضيح الأهمية التطورية المحتملة للمضغ.

يقول فان كاستارين: «البشر الحديثون غريبون جدًا، نحن لا نمضغ كثيرًا لأننا نطبخ ونعالج كل طعامنا قبل أن نأكل، لكن أسلافنا كانوا يقضون الكثير من الوقت في المضغ».

استنادًا إلى الحسابات التقريبية المبدئية لمقدار الوقت الذي يقضيه الشمبانزي في المضغ، ربما كان أسلافنا الأوائل من البشر يمضغون مدة خمس أو ست ساعات يوميًا، وربما كلفهم ذلك ما يصل إلى 5% من الطاقة التي استهلكوها.

يلاحظ فان كاستارين أنه من المحتمل أن يكون هذا هو الدافع وراء تطور شكل عضلات الفك أو بنيتها، أو تغييرات في شكل السن. ويقول: «إنه منظور جديد لتفسير التغييرات في سجل الحفريات».

اقرأ أيضًا:

ابن عم لوسي: اكتشاف أحفورة جديدة في إثيوبيا لأحد أشباه البشر

كيف استأنس البشر نفسهم؟ أخيرًا وجدنا الدليل!

ترجمة: سميرة طارق غزولين

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر