إيلون ماسك عازم على استعمار المريخ

هذه هي الروح التي أسّس بها شركة الصواريخ التي حملت اسم (سبيس إكس – SpaceX) عام 2002.

كان ماسك مُحبطًا لأنّ وكالة ناسا لم تقُم بِما يكفي لإيصال البشر إلى الكوكب الأحمر -المريخ-، ولم تكن مهتمةً بتطوير خطةٍ بديلة للإنسانيّة -إذا ما أصبحت الأرض قاحلةً غير صالحة للسكن- ومنذ ذلك الحين، طوّرت شركة سبيس إكس العديد من الأنظمة الفضائيّة المثيرة للإعجاب ومنها: (فالكون 1 – Falcon 1) -وهو أوّل صاروخٍ مداريّ لسبيس إكس-، (الجندب – Grasshopper) -وهو صاروخٌ صغير لاختبار الهبوط الذاتيّ-، (فالكون 9 – 9 Falcon) -وهي قاذفة مداريّة قابلة لإعادة الاستخدام-، (دراجونا – Dragona) -وهي مركبة فضاءٍ لنقل البضائع والتي ستنقل قريبًا روّاد فضاء ناسا أيضًا-، و(هيفي فالكون – Falcon Heavy) -وهي قاذفة فائقة الرفع-.

لكنّ المريخ عبارة عن صخرةٍ باردة ذات طبيعةٍ قاسية، وتكاد تكون خاليةً من الهواء، وتقع على بعد 225 مليون كيلومتر من الشمس، لذلك تتطلّب عمليّة هبوط مركبةٍ صغيرةٍ هناك إبداعًا كبيرًا، فما بالك بمركبةٍ فضائيّةٍ ضخمة مليئةٍ بالناس والبضائع في المستقبل.

لهذا السبب، تأخذ سبيس إكس بالدروس التي تعلمتها الشركة على مدار ستة عشر عامًا، كما تقوم بِزيادة المال والموظفين، وتستخدمهم لبناء مركبةٍ فضائيّة تُسمى (صاروخ فالكون الكبير – Big Falcon Rocket) أو (BFR).

يتكون النظام القابل لإعادة الاستخدام -والبالغ طوله 117 مترًا- من مرحلتين عملاقتين:
مركبة فالكون الكبيرة التي يبلغ طولها 18 طابقًا تقريبًا، بالإضافة إلى معزّز فالكون الكبير، إذ يقوم الأخير بإطلاق المركبة وإيصالها إلى الفضاء، ثمّ يُعاود الهبوط ليُعاد استخدامه.

لا يمكن الاعتماد على الجداول الزمنيّة عندما يتعلّق الأمر بالرحلات الفضائيّة البشريّة، لكنّ تقديرات ماسك الطموحه عن وصول مركبة الفضاء إلى المريخ تُبيّن مدى حماسه لتحقيق هذا الهدف.

إلى أين وصلت خُطط سبيس إكس المُتعلّقة بالكوكب الأحمر اليوم؟

يقول ماسك إنّ مركبة الفضاء “BFR” هي “الجزء الأصعب” من تحقيق النظام، وهذا ما تصبُّ فيه سبيس إكس معظم طاقتها حاليًا.

فهي تقوم ببناء مصنع “BFR” في ميناء لوس أنجلوس على بعد حوالي 24 كيلومترًا جنوب مقر الشركة.

وبينما يتمّ بناء الأخير، يعمل المهندسون تحت خيمةٍ قريبةٍ تبلغ مساحتها 1860 مترًا مربعًا لبناء نموذجٍ أوليّ لمركبةٍ فضائيّة من مواد ألياف الكربون المتقدّمة.

كما تقابل سبيس إكس ناسا وغيرها من الأطراف من أجل تنظيم خططها الخاصة بمهمة المريخ، رغم أنّه ما يزال أمامها الكثير من العمل لضمان سلامة المسافرين وحمايتهم من الإشعاعات والجوع.

2018: إنشاء محطةٍ للإطلاق في (بوكا تشيكا – Boca Chica)، وهي مدينة بالقرب من (براونسفيل – Brownsville) في ولاية تكساس

تحتاج سبيس إكس إلى مكانٍ لتجربة إطلاق نموذجها الأوليّ من مركبة الفضاء، بينما يمنح الطرف الجنوبيّ من تكساس الشركة بعض الفوائد:
أولًا، يمكن لسبيس إكس نقل أجزاء الصواريخ الكبيرة عبر المياه بواسطة زورقٍ من لوس أنجلوس، عبر قناة بنما، ومن ثم إلى بوكا تشيكا -والتي من المفترض أنّها رخيصة-.

خلاف ذلك، سوف تضطر الشركة إلى نقل تلك الأجزاء في شاحنةٍ فوق الأرض.

غير أنّ عددًا قليلًا جدًا من الناس يعيشون في بوكا تشيكا، الأمر الجيّد لشركةٍ تقوم بتعبئة مركبةٍ فضائيّةٍ عملاقة تجريبيّة بالسوائل المتفجرة.

كما يمكن إطلاق الصواريخ فوق خليج المكسيك، ما يشكّل خطرًا أقلّ على الأشخاص والأرض.

قد لا تكون منصة الإطلاق على الأرض، حيث صرح ماسك في سبتمبر: «في الواقع قد يكون الإطلاق من منصّة عائمة».

أخيرًا، بوكا تشيكا هي واحدة من أكثر البلدات الجنوبيّة في الولايات المتّحدة اقترابًا من خطّ الاستواء ما يساعد في توفير الوقود، حيث أنّ دوران الأرض يزيد من سرعة الإطلاق كثيرًا.

2019: الظهور الأول لمركبة فالكون

قال الرئيس والمسؤول التنفيذيّ الأول في شركة سبيس إكس (جوين شوتويل – Gwynne Shotwell) إنّ الشركة تطمح لاختبار إطلاق نموذجٍ أوليّ قصير المدى -لا يصل إلى المدار- من جنوب تكساس في أواخر عام 2019، بهدف جمع البيانات اللّازمة لتحسين النسخة القادمة.

وكما هو الحال مع العديد من تجارب الإطلاق السابقة، فإنّ احتماليّة حدوث تفكيكٍ سريعٍ غير متوقع عالية جدًا، الحالة التي يفضّل ماسك تسميتها بتفجير الصواريخ.

2021-2020: محاولة إطلاق كاملة لـ” BFR”، وإيصال المركبة للمدار

خلال مؤتمر الأقمار الصناعيّة في مارس 2018، قال شوتويل: «يجب أن يكون “BFR” في المدار في عام 2020»، ما يعني أنّه سيتمّ بناء كلّ من الداعم -المعزز- والمركبة الفضائيّة، وستشحن إلى تكساس، بحيث تُدمَج ويتمّ إطلاقها بحلول ذلك الوقت.

مع ذلك، قال ماسك في سبتمبر أنّ أيّ قرار لم يُتّخَذ بشأن تاريخ الإطلاق.

وأضاف أنّه يريد تنفيذ العديد من التجارب والاختبارات المداريّة قبل وضع أيّ شخص على متن المركبة.

2022: إطلاق بعثتين إلى المريخ مليئتين بالشُّحن واللوازم (من دون أشخاص)

وكما ذكر ماسك في جدوله الزمنيّ، سيكون عام 2022 موعدًا لبدء إطلاق أوّل رحلاتٍ فضائيّة كبيرة إلى كوكب المريخ.

في البداية، كلّ مركبة سوف تطير في مدارٍ حول الأرض، حيث ستستهلك معظم وقودها ومن ثمّ ستنطلق عدّة مركبات فضاءٍ أخرى لتزويدها بوقودٍ يكفي للوصول إلى المريخ.

لم يكن هناك تأكيد على عدد الرحلات أو المدّة التي سيستغرقها ذلك.

يقترب المريخ والأرض من بعضهما البعض مرة كلّ سنتين، ما يخلق نوافذ من الزمن ويفضي إلى تقليل الزمن اللازم للوصول إلى الكوكب.

لذلك إنّ أفضل الشهور للإطلاق ستكون في صيف عام 2022.

اعتمادًا على مدى كفاءة المركبة في تغيير سرعتها -Delta-v- قد يستغرق الأمر من بضعة أشهرٍ إلى ما يقارب العام للوصول إلى المريخ.

لذلك، من المرجّح أن يكون الهبوط في أواخر عام 2022 أو أوائل عام 2023.

2022-2023: هبوط أول مركبةٍ فضائيّة على سطح المريخ

يريد ماسك أن تكون المركبات الأولى مليئةً بالبضائع والمعدّات التي ستحتاجها البعثات المستقبليّة لبناء مرافق بإمكانها توليد الطاقة وجمع المياه، وتحويل الموارد الخام إلى وقود الميثان والأوكسجين الضروريين للعودة إلى الأرض.

قدّم (بول ووستر – Paul Wooster) -مدير المهندسين في شركة سبيس إكس- بعض التفاصيل الجديدة حول هذا الأمر في أغسطس، إذ قال ووستر أنّ أول بعثتين للبضائع ستؤكّدان وجود الموارد المائيّة في المواقع المقصودة، ومن ثمّ ستحدد المخاطر التي قد تواجه هبوط البعثات المستقبليّة، ثمّ ستبدأ في تأسيس بعض البنى التحتيّة التي ستحتاجها، مثل منصّات الهبوط لوصولٍ أكثر أماناَ لطواقمها.

2023: إطلاق أوّل مركبةٍ فضائيّة مأهولة وإرسالها حول القمر

في سبتمبر، قدّم ماسك إلى العالم أول سائحٍ إلى الفضاء في سبيس إكس، وهو الملياردير اليابانيّ (يوساكو مايزاوا – Yusaku Maezawa) الذي يدفع للشركة مبلغًا غير معروف -يُرجّح أن يكون مئات الملايين من الدولارات- ليكون أوّل راكبٍ على متن مركبة (BFR).

فقد قام مايزاوا بشراء جميع المقاعد على متن مركبة الفضاء، ويخطط لاختيار ستّة إلى ثمانية فنانين من مجموعات متنوّعة من التخصصات للقيام بالرحلة التي ستستغرق أسبوعًا حول القمر تقريبًا في عام 2023.

هذه المهمة ستكون الدليل النهائيّ على أنّ صاروخ فالكون الكبير (BFR) فعّال ويعمل بشكلٍ مثاليّ.

وقال ماسك أيضًا إنّ مايزاوا يدفع أموالًا طائلةً من شأنها أن تساعد المركبة ومعزّزها، كما أنّه في نهاية المطاف يدفع للمواطن العاديّ -المتوسّط- للسفر إلى كواكب أخرى.

بافتراض أنّ أولى عمليّات الشحن والإمداد والمهام الكشفيّة ستسير على ما يرام، فإنّ سبيس إكس سترسل طاقمّا واحدًا أو اثنين إلى المريخ.

«مازلنا نطمح لعام 2024»، هذا ما قاله ماسك عن هذه المهمة خلال مقابلته مع الصحفية كارا سويشر خلال البرنامج الصوتي “Recode Decode”.

وذلك في 31 أكتوبر

أمّا عن خطط المهمة الحاليّة قال ووستر، أنّ كلّ مركبة ستحمل “على الأقل” 100 طنّ من الإمدادات الأمر الذي سيساعد بدوره على نقل كميّاتٍ أكثر بكثير ممّا يحتاجه أيّ طاقم على مدى سنوات، إلى جانب المعدّات الضخمة.

وبهذا قد تتغلب سبيس إكس على الحاجة إلى تكنولوجيا متقدّمة، ومتطوّرة -غير متواجدة حتّى الآن- ومطلوبة، للبقاء على سطح المريخ.

2025: إيصال البشر إلى المريخ

كما هو الحال مع البعثات الأولى -غير المأهولة- إلى المريخ، قد يستغرق الأمر ما بين ستّة إلى تسعة أشهر حتّى تصل المركبات إلى الكوكب الأحمر -المريخ-.

إنّ هذه المركبات الفضائيّة ستكون على الأرجح بمثابة منازل لروّاد الفضاء، لن يكون هذا الوضع الأكثر راحة لكنّه قد يقلّل من تعقيد المهمة وذلك من خلال القضاء على الحاجة الفوريّة لبناء منازل ومستوطنات على المريخ.

2028: إنهاء بناء محطة “ألفا” على المريخ

عندما سُئِل ماسك على (تويتر – Twitter) كم من الوقت سيستغرق بناء أوّل قاعدةٍ على المريخ -ما أشار إليه باسم “قاعدة ألفا”- قال ماسك: «ربما 2028».

ومنذ ذلك الحين، صرّح ماسك بأنّ عمليّة إنشاء مستعمرةٍ على المريخ ستبدأ بتشييد أبسط البُنى التحتيّة فقط، مجرد قاعدةٍ لإنتاج بعض الوقود ومحطاتٍ لتوليد الطاقة الكهربائيّة والقبب الخاصّة بزراعة المحاصيل، وكلّ الأساسيات التي لا يمكن البقاء على قيد الحياة دونها، ومن ثمّ سيكون هناك بالفعل تطلّع وتخطيط لتنظيم المشاريع الكبيرة.

2030: بناء أوّل مدينة على المريخ

لقد كان هذا المخطط الزمنيّ توقعيًا منذ البداية، ولكن في هذه المرحلة تبدأ الأمور بالاقتراب من حدود الخيال.

فقد شكّك العديد من الخبراء في أنّ التقنيات الضروريّة للهبوط على سطح المريخ ستكون جاهزة في عام 2020، ناهيك عن بناء مدينةٍ كاملةٍ بعد ذلك بوقتٍ قصير، ولكنّ هذا هو بالضبط ما يهدف إليه ماسك، وهو تأمين بيئةٍ احتياطيّة للإنسانيّة على الكوكب الأحمر.

قال ماسك في عام 2017: «آمل أن يبدأ الناس في أخذ الأمر على أنّه هدف حقيقيّ يجب أن نطمح إليه، أي إنشاء حضارةٍ على المريخ.

هذا الأمر لا يتعلّق بالإنسانيّة فقط بل بكلّ جوانب الحياة التي نهتم بها».

حيث كان يرنو لإرسال حوالي مليون شخصٍ إلى المريخ، بسعر 200,000 دولار لتذكرة الذهاب فقط.

وبما أنّ هذا النظام قابل لإعادة الاستخدام فهو يفترض أنّ السعر المُقترَح سيكون مناسبًا.

لا يعتقد ماسك أنّ الحياة على المريخ يجب أن تكون بسيطةً أيضًا، حيث سيحتاج المريخ لكلّ شيء، من مسابك الحديد إلى وجبات البيتزا، وأضاف: «أظنّ أنّه على المريخ امتلاك حانات كبيرة أيضًا: حانة المريخ».

2100 فصاعدًا: استصلاح المريخ لتحويله إلى كوكب يشبه الأرض

تقول سبيس إكس إنّها تسعى في كلّ وظيفة من وظائفها إلى تحقيق الهدف الأسمى المُتمثّل في جعل الحياة البشريّة على كوكب المريخ ممكنة.

ولهذه الغاية، يعرض موقعها الإلكترونيّ صورة لكوكب أحمرٍ صدئ، يتحوّل إلى عالمٍ شبيه بالأرض.

يُعتَبَر إشارة إلى عمليّة افتراضيّة توقعيّة تُسمى (استصلاح – terraforming)، والتي تُعتَبَر نوعًا من التغيير المناخيّ، لكنّه متعمّد وسريعٌ أكثر من العمليّة التي تحدث على الأرض حاليًا.

والفكرة أنّه بإمكان المريخ أن يتحوّل إلى عالمٍ دافئٍ ورطبٍ، وأكثر ملائمةً للاستعمار البشريّ الدائم، وذلك إذا استطعنا أن نذيب الأغطية الجليديّة الغنيّة بثاني أكسيد الكربون.

يحتوي المريخ حاليًا على أقلّ من 1% من كثافة الغلاف الجويّ مقارنةً بالأرض -فالمريخ كان قد نفث معظم هوائه في الفضاء منذ مليارات السنين-.

هذا يجعله قابلًا للمقارنة بما يعرف بغرفة التفريغ أو العزل.

في ظلّ هذه الظروف، من غير الممكن حجب الإشعاعات الفضائيّة الضارة، بالإضافة إلى عدم القدرة على التنفس خارج بدلة الفضاء أو المُستعمرة المغلقة.

من غير المعروف ما إذا كان يمكن القيام بالاستصلاح بشكلٍ دائمٍ ومستمر على سطح المريخ، إذ تشكّ ناسا في إمكانيّة حدوثه على الإطلاق، يعود هذا لاحتماليّة عدم وجود غازات كافية في القطبين لتأمين غلافٍ جويّ مريحٍ للكوكب.

بالإضافة إلى ذلك قد تحتاج العمليّة نوعًا من الأقمار الصناعيّة القويّة، التي تستطيع توليد دِرعٍ مغناطيسيّ للحماية من الإشعاع الشمسيّ الذي قد يؤدي إلى تفتيت أيّ غلافٍ جويّ من صنع الإنسان.

من ناحيةٍ أخرى، لم يأخذ الباحثون بعين الاعتبار سيناريوهات أنّ الماء أو (الميثان – methane) قد يكونا حبيسا الأرض المريخيّة.

كما أنّهم لا يبحثون في إمكانيّة إعادة توجيه أيّ مذنّبات أو كويكبات غزيرةٍ بالمواد الكيميائيّة لضرب المريخ.

على الرغم من تنويه ماسك إلى أنّ ضرب المريخ بتلك المذنّبات قد يفيد.

قد يكون تجريب عمليّة الاستصلاح هو الطريقة الوحيدة للتحديد إذا ما كان استعمار المريخ مُمكنًا.

ربّما يكون ماسك، أو أفكاره والإرث الذي سيتركه، هم الدافع الذي يجعل هذا الأمر مُمكنًا في المستقبل البعيد.


  • ترجمة: طارق الشوفي
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: محمد سفنجة
  • المصدر