وجد علماء الفيزياء الفلكية بعد رسمهم خريطة تشمل الوحدات الأساسية لبناء الحياة عبر الفضاء، جزيئات أولية مندسة في سحب الغبار الحاضنة لأنظمة شمسية. يشير هذا إلى أن الأرض قد لا تكون حالة فريدة من نوعها، فقد يكون للعديد من العوالم الأخرى اللبنات ذاتها المكونة للحياة التي لدينا.

تقول كاثرين والش عالمة الكيمياء الفلكية في جامعة ليدز، وهي مشاركة في البحث: «تُظهر النتيجة الرئيسية لهذا العمل أن المكونات اللازمة لبذر الحياة على كوكبنا توجد أيضًا حول النجوم الأخرى». وتُضيف: «من الممكن أن تكون الجزيئات اللازمة لنشأة الحياة متوفرة بسهولة في جميع البيئات المكوّنة للكواكب».

(M.Weiss/Center for Astrophysics/Harvard & Smithsonian)

(M.Weiss/Center for Astrophysics/Harvard & Smithsonian)

على الرغم من تنوعها الرائع، فإن كل أشكال الحياة على الأرض بُنيت من الوصفة المختلطة ذاتها، من الجزيئات العضوية والمعادن في المياه الدافئة.

كيف تشكل هذا الحساء الكيميائي القائم على الكربون من حفنة صغيرة من العناصر، مضمنةً الهيدروجين والنيتروجين؟ هذا اللغز شغل الباحثين أكثر من نصف قرن.

تشير الاكتشافات الحديثة إلى أن الكيمياء الحيوية البدائية للأرض، قد تكون بدأت نتيجة تفاعلات بين النجوم، وربما أبعد من ذلك، ما يجعل وجود الحياة في جميع أنحاء المجرة بحثًا مغريًا للغاية.

يقول جون إيلي، عالم الفيزياء الفلكية من جامعة ليدز في المملكة المتحدة، الذي ترأس البحث: «ومع ذلك، فإن العديد من البيئات التي نجد فيها هذه الجزيئات العضوية المعقدة، بعيدة جدًا عن المكان والوقت الذي نعتقد بأن الكواكب تتشكل فيه»، ويضيف: « أردنا معرفة المزيد حول أماكن ومقدار وجود هذه الجزيئات في المواقع التي تشهد ولادة الكواكب، في أقراص الكواكب الأولية».

قاد إيلي فريقًا من علماء الفيزياء الفلكية من جميع أنحاء العالم لرسم خرائط لموقع حفنة من السلائف الأولية للكيمياء الحيوية داخل سحب بعيدة من الغبار والصخور، التي ستستقر في النهاية في أنظمة شمسية جديدة تمامًا.

قد تبدو هذه المهمة سهلة، لكنها ليست كذلك، إذ يتطلب الأمر العثور على أقراص كوكبية أولية ليست فقط قريبة بما يكفي لتحليلها، ولكن بزاوية معينة تسمح برؤية شاملة للأقراص وموادها الملتفة حولها.

نجح إيلي وفريقه، اعتمادًا على مصفوفة مرصد أتاكاما الكبيرة المليمترية/تحت المليمترية (ALMA)، في جمع الضوء من عدد من أقراص الكواكب الأولية بحثًا عن الإشارات الطيفية للجزيئات العضوية المختلفة.

هذا وعاين باحثون في دراسات سابقة نسبة مركبين عضويين مهمين: السيانيد وسيانيد الهيدروجين.

رغم أن سيانيد الهيدروجين مادة سامة، فإنها تعد المصدر الأساسي للكربون والنيتروجين في الكيمياء المولدة للحياة، وبإمكان العلماء -عبر قياس تركيزات هذه المادة في سديم المواد المحيطة بالنجم الوليد- الحصول على فكرة أفضل عن التفاعلات بين إشعاع النجم وانتشار هذا العنصر.

رسم العلماء أيضًا مخططًا يبيّن توزيعات ثلاثة جزيئات أكبر داخل خمسة أقراص كوكبية أولية، وقد سبق العثور على هذه المركبات الكيميائية في نظامنا الشمسي، وأيضًا في الكواكب البعيدة ذات الأقراص:

  •  cyanoacetylene (HC3N).
  •  acetonitrile (CH ₃CN).
  •  cyclopropenylidene (c-C3H2).

تشير هذه الرسومات إلى أن مستودعات المواد العضوية في سدم الأنظمة الشمسية الناشئة تشبه إلى حد ما تلك الموجودة في نظامنا.

تظهر الصور وجود كل جزيء في أقراص الكواكب الأولية

تظهر الصور وجود كل جزيء في أقراص الكواكب الأولية

تشير البصمات الطيفية لهذه الجزيئات السليفة -أعلاه- إلى أنها تميل إلى التمركز في المناطق الداخلية للأقراص المكونة للكوكب. إضافة إلى ذلك، فإن وفرتها أعلى 100 مرة مما تتنبأ به النماذج الحالية.

بعبارة أخرى، هذا المزيج من الغبار العضوي الذي خلق الحياة، فقط باندفاعه، من الماء إلى الأرض، ليس متفردًا في الكون.

لا ريب أن الأمر يتطلب أكثر من التربة الخصبة كي تزدهر الحياة، تساعد بعض الأنواع من المذيبات السائلة كالماء على حدوث العملية، إضافةً إلى الفاصل الزمني بين الإشعاعات الصادرة من نجم مستعر قريب.

لكن نظرًا إلى الكم الهائل من النجوم الموجودة في مجرتنا وحدها، التي بإمكانها إيواء كواكب ذات ظروف معتدلة ضرورية لتعزيز الكيمياء المتطورة، فمن الجيد معرفة أن تربتها قد تحتوي على كل اللبنات الأساسية لنشأة الحياة.

اقرأ أيضًا:

بحث جديد يفترض أن الحياة شائعة في جميع أنحاء الكون ، فقط ليس بالقرب منا

العلماء يحددون جانبًا آخر من قابلية الكواكب لاستضافة الحياة

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: حسين جرود

مراجعة: نغم رابي

المصدر