يظن البعض أن الحصول على علاقة صحية ليس بالأمر العسير، لكن يرى آخرون أن هذا ليس صحيحًا تمامًا، وأن أفضل العلاقات طويلة الأمد تتطلب الكثير من الجهد والعزيمة والتفاني.

لعلنا ندرك جميعًا أن لكل علاقة صعوباتها الفريدة، وأنه لا توجد علاقة مثالية، إلا أن العلاقة الصحية قد تجمع كل ذلك مع الحب والاحترام والدعم بين الشريكين.

لكن كيف يمكننا التحقق من هذا الأمر في الواقع؟ متى يمكننا التخلي عن حذرنا والوثوق بأن علاقتنا صحية وستصبح طويلة الأمد فعلًا؟

تعرض المعالجة النفسية ناتاشا دوك بعض الإشارات المميزة التي تدل على ديمومة العلاقة، إلى جانب بعض الضوابط والموازين التي يمكننا تطبيقها حتى نضمن صحة علاقتنا وملاءمتها لنا.

ما سمات العلاقة الصحية؟

يتعلق جوهر العلاقة الصحية بـ :

  •  التعاطف واللطف.
  •  الأمانة والالتزام.
  •  احترام الحدود الشخصية.
  •  القدرة على التعاون.
  •  تشابه القيم والأهداف.

يُعد تشابه القيم والأهداف النقطة الفارقة في معظم العلاقات، ويعزى هذا إلى كونه الحافز الأساسي وراء جميع الأمور التي نفعلها تقريبًا.

تتغير حاجاتنا باستمرار وفقًا لتجاربنا الشخصية، إذ قد يهتم بعض الأشخاص مثلًا بانخراط شركائهم في الأعمال التطوعية، في حين لا يُعد هذا ذا أهمية في علاقات أخرى، وقد يأتي بعض الأشخاص من عائلات متماسكة ويولون اهتمامًا كبيرًا للاجتماعات العائلية في العطلات، ما يصعب عليهم الارتباط بشخص لا يبالي بأهمية الأسرة.

تقول دوك: «لا تخلو العلاقة الصحية من هذه المسائل التي قد يكون بعضها ذا أهمية شخصية لنا، لكن المهم وجود قدر كافٍ من الأمانة بيننا والشعور بأننا سنظل أولوية لدى شريكنا، وحرصه على الوفاء بوعوده دائمًا».

لكن لسوء الحظ لا يمكننا أحيانًا التحقق من أننا في علاقة صحية، لا سيما حال كانت لدينا علاقات غير مستقرة في الماضي ولم نتمكن من ملاحظة العلامات التحذيرية بسهولة.

تقول دوك: «قد تبدو العلاقة أحيانًا مألوفة أو نشعر فيها بالراحة أو نظن أنها أفضل من علاقاتنا السابقة، إلا أن ذلك لا يعني أنها علاقة صحية».

«عندما يكون لدينا تاريخ من العلاقات غير المستقرة، أو عندما لا نحظى بنمط ارتباط آمن في طفولتنا، نصبح أكثر ميلًا إلى الانجذاب إلى المألوف وإن لم يكن صحيًا، لذا ينبغي توخي الحذر».

يتطلب ذلك قدرًا معينًا من التأمل الذاتي قبل بدء علاقة جديدة، لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع ممارسة التأمل الذاتي في أثناء العلاقة، إذ تفسح العلاقات الصحية مجالًا لذلك، إضافةً إلى أنها تمنحنا فرصة التعلم من أخطائنا السابقة، وتتيح للطرفين مواجهة الخلاف معًا على نحو آمن ومثمر ونافع.

«لا مفر من الأوقات الصعبة في كل العلاقات، لكن المهم في الأمر هو طريقة تعاملنا مع هذه الأوقات. يريح الطرفين في العلاقة الصحية بعضهما، وينبغي أن يكون لديهما احترام متبادل واستعداد للعمل والازدهار معًا».

العلامات الدالة على العلاقة الصحية:

من السهل الشعور بالافتتان تجاه كل التقلبات التي ترافق بدايات العلاقة الجديدة، لكن بعد بنائنا أساسًا متينًا، قد تساعدنا النقاط التالية على ترسيخ علاقة صحية طويلة الأمد:

1. الاحترام وإدراك ما يعنيه ذلك للآخر:

لا يقتصر وضع الحدود الشخصية على الأوقات التي تسوء فيها الأمور، إذ يستحسن وضع حدود صحية عند معرفة أن اجتيازها يخترق قيم أحد الطرفين أو يؤثر سلبًا في صحته النفسية والعاطفية والجسدية، إلى جانب أنها تساعدهما على تأسيس قدر من الاحترام لبعضهما وفهم الأمور التي يعدها الآخر مهمة.

تقول دوك: «يفسح الشريكان في العلاقة الصحية مساحةً لمشاعر الآخر وصقل النواحي الأخرى من حياته الشخصية، لكن ينبغي أيضًا أن يدرك كل منهما حدوده الشخصية».

مثلًا، قد لا يحبذ أحد الطرفين صديقًا من أصدقاء الشريك، لكنه لا يتدخل في صداقتهما أو يمنعه من التحدث إليه أو يعزله عن مجموعة أصدقائه.

تتضمن الحدود الشخصية العلاقة الحميمة أيضًا، إذ لا ينبغي شعور أحد بالضغط أو الحرج عند ممارسة الجنس مع شريكه.

2. الثقة المتبادلة واستحقاقها:

تقول دوك: «عند تعاملنا مع الأعباء العاطفية الناجمة عن علاقاتنا السابقة ونعالج جوانبنا المظلمة، فإننا عادةً نصبح أكثر تصالحًا واستعدادًا للوثوق بشخص آخر عند بدء علاقة جديدة، فتزداد ثقتنا بهذا الشخص بمرور الوقت أو نقرر عدم الوثوق به».

تبدأ الثقة من الأمور التي قد تبدو بسيطة جدًا، مثل ائتمان الشخص الآخر على مشاعرنا والسماح لأنفسنا بإظهار ضعفنا أمامه، إضافةً إلى الوثوق به عند اتخاذ القرارات الحياتية الكبيرة التي يحسن أن تفيد مصلحة الطرفين وتراعيهما.

من علامات العلاقة الصحية شعورنا بإمكانية الاعتماد على الشريك دون التشكيك في ثقتنا به، بيد أن الثقة تتطلب دائمًا بعض الوقت.

3. إيجاد طريقة للتواصل عندما تصعب الأمور:

تقول دوك: «من السهل البقاء في العلاقة في أثناء اللحظات السعيدة، لكن ما يرسخ الرابط بين الشريكين فعلًا هو خوض اللحظات الصعبة معًا».

يعني ذلك أن الشريكين يجدان طرق للتعبير عن مشاعرهما في العلاقة الصحية، والإنصات لبعضهما بانتباه والتعاون على إيجاد الحلول حتى عند الخلاف.

«قد لا يتفق الشريكان دائمًا، لكنهما مع ذلك يستطيعان التعامل مع بعضهما بلطف وتفهم، وهذا ما يميز العلاقة الصحية عن العلاقات غير الدائمة».

4. تقبل الاختلاف:

عادةً ما نشعر عند الخلاف بالرغبة في أن يستمع الشخص الآخر لنا ويفهمنا، ونود التوصل إلى حل يرضي الطرفين كي لا يستمر الشعور بالاستياء، بيد أن الاختلاف جيد أحيانًا لأنه قد يساعدنا على ترسيخ الثقة.

تقول دوك: «تُبنى الثقة عندما يمر الشريكان بالمصاعب معًا، ومع ترسخ الثقة بينهما، تصبح العلاقة أقوى».

يعني ذلك أن الاختلاف حول مشكلة معينة أو أي مسألة روتينية أخرى ليس سيئًا، والمهم هو إيجاد حلول ترضي الطرفين.

5. المسامحة:

تقول دوك: «عندما لا يحظى الأشخاص بارتباط آمن أو إيجابي في أثناء طفولتهم، يصبحون أكثر ميلًا إلى حمل الضغائن ومواجهة صعوبة في مسامحة غيرهم، لكن لا وجود لعلاقة مثالية، وتُعد المسامحة غالبًا علامةً على الحب».

العلاج المعرفي السلوكي قد يفيد الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في المسامحة ويساعدهم على تحديد المحفزات التي ترسخ هذا السلوك، إلى جانب تعليمهم بعض آليات المواجهة التي قد يستخدمونها في الخلافات المستقبلية.

6. الالتزام والتمسك بالعلاقة:

يُعد بذل أحد الطرفين جهدًا أكبر من الآخر من أكثر الشكاوي شيوعًا في العلاقات، إذ لا يحبذ أحد العلاقة غير المتكافئة، لكن كيف نجد طريقة لموازنة كل شيء بالتعادل أو الرضا عن عطاء الطرفين في العلاقة؟

تقول دوك: «يمكننا دائمًا اختبار إدراكنا الواقع والتساؤل: هل هذا حقيقي؟ هل هذا صحيح؟ هل أحمل عبئًا أكبر من الشخص الآخر فعلًا؟».

«بإمكاننا أيضًا مواجهة شريكنا والتحدث عن مخاوفنا، لنرى إن كان سيحاول بذل مقدار الجهد الذي نطلبه أم أن لا شيء يتغير».

تتغير وتيرة العلاقة الصحية باستمرار، إذ يعمل أحد الطرفين على سد الفراغ حين يعجز شريكه عن ذلك.

7. اللطف:

قد يبدو اللطف أمرًا بديهيًا، بيد أننا على الأرجح لا نعطيه الأهمية الكافية، لكن كيف يبدو اللطف في العلاقة الصحية؟

تقول دوك: «قد يتمثل اللطف في شعورنا بالأمان والدعم، وشعورنا بتمثيلنا الأولوية للشخص الآخر، ويتمثل كذلك في الاعتذار عند الخطأ والإنصات للشريك بانتباه».

يشير ذلك إلى وجوب مراجعة أنفسنا واحتواء غضبنا أو تقليلنا لتوقعاتنا، كي نفسح مجالًا للطف المتجذر في الاحترام المتبادل بين الشريكين، لن يكون هذا حلًا مثاليًا دائمًا، لكن الهدف هو بقائنا لطفاء قدر المستطاع، إذ يمثل ذلك أساسًا متينًا لبناء علاقة صحية.

«قد يصعب علينا أن نكون لطفاء تمامًا طوال الوقت مع الأشخاص الذين نعرفهم منذ مدة طويلة، لكن المهم وجود قدر معين من الاحترام المتبادل والتعاطف حتى عند المصاعب بين الشريكين».

8. الصحبة الممتعة بين الشريكين ودعم أهداف بعضهما:

تتوافق اهتمامات الشريكين غالبًا في العلاقة الصحية، لكن هذا لا يمنع أحدهما من دعم الآخ حال قرر فعل أمر مختلف قد يتطلب تخصيص وقت إضافي، إلى جانب محاولته أن يكون موجودًا وقت الحاجة.

من المهم أيضًا أن يجري الشريكان بعض الأنشطة معًا، ودعمهما تطورهما الشخصي وإفساح المجال في العلاقة الصحية، إذ يحقق ذلك فائدة مزدوجة، وهي مشاركة الأشياء التي يحبها الشريكان، وإتاحة الفرصة لدعم الآخر عندما لا تتوافق اهتماماتهما الشخصية تمامًا.

تقول دوك: «بعض الأمور تهم بعض الأشخاص أكثر من غيرهم، إذ قد يهم بعض الناس مثلًا تضمين شريكهم في مجموعة أصدقائهم، في حين لا يهتم غيرهم بهذا الأمر، لذا من المهم أن نجد طرق للتسوية دون أن نشعر بالمعاناة أو التضحية في سبيل ذلك».

9. القدرة على اتخاذ القرارات معًا:

قد يتمثل ذلك في عدم قدرتنا على شراء الأغراض المنزلية الكبيرة قبل استشارة شريكنا وإعطائه الوقت الكافي لإبداء رأيه، من المؤكد أننا قد نعجز عن فعل ذلك في بعض الأوقات، لكن ينبغي علينا النظر إلى شريكنا بصفته زميلًا يمكننا الاتصال به بشأن أي أمر جيد أو سيئ.

10. عدم التهرب من الصعوبات:

لا يتجنب الشريكان في العلاقة الصحية المحادثات الصعبة، إذ يحبذان مواجهة المشكلات مباشرةً ويجدان طرق للتعبير عن مشاعرهما حتى عند معرفتهما أن التحدث عن الصعوبات قد يزيد الضغط ويصعب حدة الموقف.

«أنصح بالتأمل الذاتي والتصرف بمسؤولية في أثناء الخلافات دائمًا، فنحن لسنا مضطرين إلى تجنب الدخول في علاقة حتى نجد حلًا لجميع مشكلاتنا ونصبح مستعدين، ذلك ليس عقلانيًا وستظل لدينا بعض المشكلات حتمًا، لكن ينبغي وجود قدر معين من الوعي الذاتي لدينا حتى نتمكن من بناء علاقات صحية».

من الضروري التعبير عن المسائل التي تمثل مشكلة لنا على نحو بنّاء حتى نضمن تأسيس حدود الطرفين واحترامها، وقد يساعدنا إيجاد طرق لحل الخلافات على المدى البعيد.

11. الشعور بالرضا والاستقلالية:

تقول دوك: «من المهم تأمل علاقاتنا وصداقاتنا السابقة والتفكر في الأمور التي كانت تغضبنا أو تؤذي مشاعرنا أو تسبب الخلافات».

«تمكن الاستفادة من معرفة هذه الأمور في علاقتنا المستقبلية عند حدوث المشكلات، إذ يساعدنا ذلك على معرفة النقاط التي تزعجنا وسببها وكيفية التعامل مع الموقف».

لا ينطبق هذا على التعامل مع الخلافات فقط، إذ من المهم فهم كل شخص لذاته وأن يعمل على تحقيق أهدافه، وهذا لا يقل أهمية عن مهارة التعامل مع المشكلات، نظرًا إلى تعزيز حب الذات، ومن ثم تعزيز قوة العلاقة.

12. الشعور بالراحة معًا طوال الوقت:

لا يحتاج الشريكان في العلاقة الصحية إلى التصرف بمثالية، ويعزى ذلك غالبًا إلى كونهما لطيفين تجاه بعضهما.

يتضمن اللطف أيضًا إفساح المجال للتخلي عن المسؤولية أحيانًا في سبيل تطوير الذات، إذ عندما يتصرف الشريكان في العلاقة الصحية بعفوية تامة معًا، يكتشفان تقديم علاقتهما لقدر كبير من التفهم والحميمة.

تقول دوك: «ينبغي أن يستعد الشريكان لإظهار ضعفهما لبعضهما لإنشاء علاقة صحية، ما قد يشمل مشاركتهما الجوانب التي يشعران تجاهها بانعدام الثقة، ويتيح لهما معرفة إن كانت علاقتهما ستصبح أمرًا مميزًا».

نصائح للشعور بالطمأنينة تجاه العلاقة:

يمثل عدم الثقة بالنفس تحديًا قويًا، لكن ثمة بعض الاستراتيجيات التي يمكننا تطبيقها كي نضمن استقرار العلاقة وتحديد النقاط التي تتطلب تحسينًا.

تقول دوك: «تتضمن المسائل التي نتأمل فيها مع أنفسنا مدى ثقتنا بالشخص الآخر ومعرفة إن كانت تزداد بمرور الوقت أم لا. بإمكاننا أيضًا التفكر في احتمالية وجود أي تقصير من شريكنا في تلبية حاجاتنا، أو تقصير منا في تلبية حاجاته».

بإمكان الشريكين إجراء نقاشات عفوية وعادية عما يشعران به في العلاقة، إذ يتيح لهما ذلك التحقق من أنهما على اتفاق ومتجهان نحو الأهداف ذاتها، ما يسهل المضي قدمًا في العلاقة حتى في أثناء مراحلها الأولى.

«ينبغي ألا نتردد في التحدث مع الشريك عن الأمور التي تجول في ذهننا. معظم الأشخاص لا يتحدثون بما يكفي، لكن من النادر أن نعد التحدث عن مشاعرنا ثرثرة».

«يجب التحقق من أنفسنا وشريكنا باستمرار كي نضمن أن أهدافنا وقيمنا ما زالت متوافقة، دون إغفال لأهمية الأمور الأخرى».

اقرأ أيضًا:

 علامات العلاقة غير الصحية

 كيف كان تطور التعاطف سبب نهوض البشرية؟

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: بشير حمّادة

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر