اتخذ العلماء خطوةً كبيرةً نحو تحقيق الهدف العالمي الطموح المتمثل في إعادة تعريف الثانية بحلول نهاية هذا العقد. تُفصل دراسة نُشرت هذا الأسبوع كيف قارن باحثون من ست دول مختلفة في آن واحد قياسات من عشر ساعات بصرية، وهو شكل متطور من ضبط الوقت، أدق بما يصل إلى 100 مرة من أفضل ساعات السيزيوم المُستخدمة حاليًا معيارًا عالميًا.

تُمثل هذه القياسات أكبر مقارنة مُنسقة للساعات البصرية حتى الآن، وقد قللت بشكل كبير من عدم اليقين بين القياسات المُبلغ عنها في الدراسات السابقة. هذا يعني أيضًا أن الساعات البصرية أقرب من أي وقت مضى إلى أن تُصبح المعيار الجديد لضبط الوقت، وهو تحول قد يكون له تأثير هائل في كل شيء من الأرصاد الجوية إلى فهمنا للفيزياء الأساسية.

يقول الباحثون إن النتائج تدعم التقدم نحو إعادة تعريف الثانية واستخدام المعايير البصرية لمقاييس الوقت الدولية.

ما الساعات الضوئية؟

الساعات الضوئية هي أدوات دقيقة بشكل لا يصدق تقيس تردد الذرات بعد إثارتها بالليزر. تُبرد الذرات أولًا إلى ما يقرب من الصفر المطلق، ثم يُستخدم الليزر للكشف عن اهتزازاتها، وتُسمى هذه الاهتزازات نسب التردد. يتوافق هذا التردد الدقيق بعد ذلك مع دقات الثانية. يعتقد العلماء أن هذه الطريقة تعطي نتائج أدق بكثير من ساعات السيزيوم الذرية، التي كانت المعيار العالمي على مدى العقود الخمسة الماضية. يقول الباحثون إن الساعة الضوئية لن تكتسب أو تنقص ثانية واحدة لمليارات السنين. تُقدر مجلة New Scientist أنه يمكنك توقع العمر الحالي للكون وستظل الساعة الضوئية متأخرة بأقل من دقيقة، مقارنةً بساعة يد نموذجية، التي قد تنحرف بمدى بضعة أشهر.

الساعات الضوئية دقيقة للغاية، لكنها في الوقت ذاته شديدة التعقيد. لا يوجد منها سوى 100 ساعة حول العالم، ويعود ذلك أساسًا إلى صعوبة تصنيعها وتشغيلها وصيانتها، وهي عرضة للتلف، وتُعد مقارنتها ببعضها أمرًا بالغ الصعوبة. تقيس الساعات المختلفة ترددات أنواع مختلفة من الذرات، لكل منها ترددها الفريد. هذا يعني أن الطريقة الوحيدة لوضع معيار متسق ودقيق للغاية هي مقارنة الساعات ببعضها مباشرةً، ما يبرز أهمية النتائج الحديثة.

تعاون باحثو مشروع ROCIT لمقارنة 10 ساعات مختلفة. أُجريت القياسات على مدار 45 يومًا عام 2022. اعتمدت مقارنات الساعات الضوئية في الماضي على نطاق أصغر على وصلات الأقمار الصناعية لقياس الاختلافات، لكن هذه الدراسة استخدمت كلًا من وصلات الأقمار الصناعية وكابلات الألياف الضوئية. هذا مهم لأنه يسمح بقياسات أدق.

قال توماس ليندفال، كبير العلماء في مركز أبحاث الأرصاد الجوية: إن مقارنة ساعات متعددة في الوقت ذاته، واستخدام أكثر من نوع من تقنية الارتباط، توفر معلومات أكثر بكثير من المقارنات الثنائية التي أجريت في الغالب حتى الآن.

امتدت كابلات الألياف الضوئية آلاف الأميال عبر أوروبا، مما مكن الباحثين من ربط مُخرجات التردد للساعات المختلفة. راعى الباحثون تشويش الإشارة والقيود الأخرى للأجهزة في أثناء العملية. أنتجت المقارنة إجمالًا 38 نسبة تردد مختلفة قيست في آن واحد، أربعة منها لأول مرة. أما النسب المتبقية فقد قيست بدقة أكبر من أي وقت مضى.

توفر هذه القياسات معلومات بالغة الأهمية حول حجم العمل اللازم للساعات الضوئية لتحقيق الدقة والموثوقية اللازمتين للاستخدام في قياس الوقت الدولي. أظهرت التجربة أيضًا كيفية ربط الساعات الضوئية في جميع أنحاء أوروبا بنسب تردد القياس بدقة فائقة.

دقة أكبر تمكننا من استكشاف ألغاز الكون:

رغم الحاجة إلى مزيد من المقارنات قبل أن تصبح الساعات الضوئية رسميًا المعيار العالمي، فإن الباحثين متفائلون بالمستقبل. إن الفوائد تتجاوز مجرد تحسين ضبط الوقت، فالقياسات الأدق تساعد العلماء على اختبار نظرية النسبية بدقة أكبر، وتقديم رؤى جديدة حول مفهوم المادة المظلمة الذي لا يزال غامضًا.

يُحرز العلماء تقدمًا في تطوير ساعات ذرية جديدة كليًا تتراجع معها أهمية الساعات الضوئية. أعلن المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا العام الماضي أنهم على وشك الانتهاء من نموذج أولي لساعة نووية يُركز على الاهتزازات، ليس من ذرة واحدة بل من نواة.

قال جون يي، الفيزيائي في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا ومعهد جيلا، عقب الإعلان عن النموذج الأولي: تخيلوا ساعة يد لا تتأخر ثانية واحدة حتى لو تركتها تعمل لمليارات السنين. مع أننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، فإن هذا البحث يُقربنا من هذا المستوى من الدقة.

اقرأ أيضًا:

هل أفكار الآلة (الذكاء الاصطناعي) حقيقية؟ الجواب أهم اليوم من أي وقت مضى

إذا دفعت عصا أو قضيبًا معدنيًا طويلًا، فكم من الوقت يستغرق طرفه الآخر حتى يتحرك؟

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر