صرّح باحثون بالولايات المتحدة أنهم صنعوا سائلاً بكتلة سالبة في المختبرات.

إنّه بالفعل كما يبدو أمرًا مُحيرًا.

ماذا يعني بالضبط؟ بخلاف غالبية الأجسام المادية الأخرى المعروفة فحينما تدفع هذا السائل بعجلة تسارع فإنّه يتسارع للخلف بدلًا من التسارع للأمام.

مثل هذه الأمور الغريبة قد تخبر العلماء بالمزيد من التصرفات الشاذّة التي تحدث داخل الثقوب السوداء والنجوم النيترونية.

ولكن دعونا نعود خطوة للخلف للحظة واحدة، كيف يُمكن لشيء أن يمتلك كتلة سالبة؟

من الناحية النظرية، يُمكن للمادة أن تمتلك كتلة سالبة بنفس الطريقة التي تجعل الشحنات الكهربيّة موجبة أو سالبة.

تبقى هذه النظرية ممكنة على الورق فقط، ولكنها مازالت محل نقاش من الناحية العلمية فهل يُمكن أن تتواجد أشياء مادية سالبة الكتلة دون كسر قوانين الفيزياء، ما يزيد من صعوبة الأمر أنّه لا يمكننا نحن البشر أن نستوعبه.

القانون الثاني لنيوتن لحركة يُكتب غالبًا في صيغة (f=ma)، القوة تساوي حاصل ضرب كتلة الجسم في تسارعه.

لو كتبنا هذا القانون بصيغة التسارع يساوي القوة المؤثرة مقسومة على كتلة الجسم (a=f/m) ففي حالة أنّ الكتلة سالبة فإن تسارع الجسم بالضرورة سيكون سالبًا، تخيل أنّ زجاجة تنزلق على طاولة وتدفع يدك المُحركة لها للخلف.

رغم أنّ الأمر يبدو غريبًا فهذا لا يعني استحالة حدوثه.

حتى أنّ الأبحاث النظرية السابقة أظهرت بعض الأدلة المبكرة على وجود الكتلة السالبة في الكون بدون كسر النظرية النسبية العامة.

والأكثر من ذلك أنَّ العديد من الفيزيائيين يعتقدون أنَّ الكتلة السالبة يُمكن أن تكون على صلة ببعض الأشياء الغريبة التي تحدث في كوننا كالطاقة المظلمة والثقوب السوداء والنجوم النيترونية.

ونتيجة لذلك عمِلَ الباحثون بجد ونشاط محاولين خلق كتلة سالبة داخل المعمل حاصلين على بعض النجاحات المبكرة.

ولكن الباحثون الآن من جامعة ولاية واشنطن (Washington) تمكنوا من الحصول على سائل من الذرات فائقة البرودة والتي تتصرف كما لو كانت لديها كتلة سالبة، ويقترحون أن تتم دراستها لمعرفة المزيد عن الظواهر الغريبة التي تحدث في الكون العميق.

يقول (مايكل فوربس – Michael forbes) أحد الباحثين: «البداية هنا كانت قدرتنا الرائعة على التحكم في طبيعة تلك الكتلة السالبة دون أيّ تعقيدات أخرى».

لصنع ذلك السائل العجيب استخدم الفريق البحثي الليزر ليبرد ذرات (عنصر الروبيديوم-rubidium) لدرجة أعلى بأجزاء بسيطة من الصفر المطلق حاصلين على ما يُسمى (مكثفات بوز أينشتاين – Bose Einestien condensate).

في هذه الحالة تتحرك الجزيئات ببطيء شديد وتتبع أيضًا القاعدة الغريبة لميكانيكا الكم، بدلًا من الفيزياء الكلاسيكية مما يعني أنّ تلك الذرات قد بدأت في حاتها تلك بالتصرف كموجات يصعب تحديد مكان كل جزيء بدقة.

تحرك الجزيئات أيضًا بتزامن وانسجام عاليين مكونة ما يُسمى بالسوائل الفائقة وهي سوائل تتدفق بدون خسارة أي طاقة نتيجة الاحتكاك.

استخدم الفريق الليزر ليُبقي السائل الفائق عند درجات الحرارة شديدة الانخفاض وأيضًا ليبقوا هذا السائل داخل وعاء صغير جدًا يبلغ عرضه أقل من 100 ميكرون.

يظل لدى السائل كتلة منتظمة وتظل حالة بوز أينشتاين كما هي مادام السائل محصورًا في المساحة المحددة له. لكن الفريق البحثي أجبر السائل على الهروب من تلك المساحة الضيقة.

دفع الفريق البحثي الذرات ذهابًا وإيابًا باستخدام مجموعة اخرى من الليزر ليغيروا من اتجاه الدوران للسائل مُحطمين الوعاء وتاركين لذرات الربيديوم حرية الخروج بسرعة عالية فتتصرف كما لو كانت لديها كتلة سالبة.

يقول فوربس: «حينما تدفع السائل فإنّه يتسارع للخلف كما لو كان يصطدم بحائط وهمي».

إلى هذا الحد، صرًّح الباحثون أنَّ السائل ذو الكتلة السالبة يؤكد ما شاهده علماء آخرون في أبحاثهم، ولكن من المبكر جدًا إطلاق مثل هذه التصريحات.

حتى الآن لم نتأكد من كون السائل الفائق الهارب من الوعاء موثوق ودقيق لحد كافٍ حتى يُمكنه اختبار بعض الاقتراحات الأكثر غرابة حول الكتلة السالبة في المعمل، وقبل أن تتملكنا الإثارة فإنّ العديد من الفرق البحثية الأخرى ترغب في تكرار نفس النتائج بصورة مستقلة.

ولكن البحث تم نشره الآن في مجلة (physical rview letters/peer-reviewed) حتى يستطيع أي فرد تكرار محاولتهم مرة أخرى.

لذلك نأمل ألّا ننتظر طويلًا قبل أن تتكرر مثل هذه التجربة بنفس النتائج.

شيء إضافي آخر، الفيزياء تصبح أكثر غرابة يومًا بعد يوم، ونحن منتظرين بلهفه ما هو قادم.


ترجمة: محمد خالد عبد الرحمن
تدقيق: خليل حسن
المصدر