الكون، بأجرامه المختلفة وحجمه وعمره، ما يزال يفاجئنا ببياناتٍ جديدة يوميًا، كان آخرها اكتشاف ثقوب سوداء ذات كتلة تعادل مليارات كتلة نجمنا، منذ البدايات الأولى للكون.

يعتبر هذا الاكتشاف معضلة فلكية، إذ يتعارض مع البيانات السابقة التي تؤكد عدم وجود وقتٍ كافٍ منذ الانفجار الكوني لتزايد كتلة هذه الثقوب بهذا الحجم.

لكن البيانات الحديثة لا يمكن التغاضي عنها، ما يقترح نظريات مغايرة لتفسير وجودها. وتقترح إحدى النظريات أن المسبب لذلك قد تكون المادة المظلمة، أحد أغرب أسرار الكون.

علّق الفيزيائي الفلكي هاي بو يو، من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، قائلًا: «يمكننا النظر إلى مسببين لوجود ثقوب سوداء ذات كتل كبيرة في بدايات الكون.

الأول يقترح أن الثقوب السوداء تتزايد بالحجم بنسبٍ وسرعةٍ أعلى بكثيرٍ من توقعاتنا الحالية. والثاني يقترح أن الثقوب السوداء توجد أصلًا بكتلةٍ كبيرة».

ويتساءل هاي بو يو عن العمليات الفيزيائية في كوننا التي قد تؤدي إلى هذا التزايد المتسارع في حجم الثقب، أو في الحالة الأخرى، عن تلك العمليات التي قد تؤدي إلى وجود الثقوب بأصلها بكتلٍ عالية.

تُعد المادة المظلمة من الأسرار الكونية، فلا يعلم الباحثون ما هي وما طبيعتها. لكن، تمكن الباحثون من التقاط التأثيرات الجاذبية التي تفرضها المادة المظلمة على المادة الباريونية الطبيعية (المادة التي نراها في كل مكانٍ في كوننا).

تبعًا للبيانات التي تؤكد تأثير المادة المظلمة جاذبيًا على المادة الباريونية، تمكن العلماء من مراقبة هذه التأثيرات، كدوران المجرات، وانحناء الضوء في المجالات الجاذبية العالية. باستخدام ذلك، يمكن احتساب المادة المظلمة وتأثيرها على المواد المختلفة.

وباستخدام هذه الحسابات، أكد الباحثون أن 85% من المادة في كوننا، هي مادة مظلمة.

تعتبر المادة المظلمة عنصرًا أساسيًا في تكون المجرات، فتوجد الأخيرة وسط كمياتٍ كبيرة من هذه المادة.

يقترح تصميمٌ معين أن الثقوب السوداء الضخمة تتكون من سحاباتٍ من الغازات الكثيفة. لكن يو وفريقه بحثوا عن نظرياتٍ أخرى قد تفسر وجود هذه الثقوب، ويؤكد يو أن التصميم المُقترح سابقًا لا يفسر وجود الثقوب السوداء الضخمة في بدايات الكون، إلا إذا تعرّضت الأخيرة لتزايدٍ متسارع في الكتلة.

يشرح يو النظرية التي يعرضها فريقه قائلًا: «نقترح تواجد هالة من المادة المظلمة التي تتعرض لقوة جاذبية وحرارة غير مستقرة ما يؤدي إلى انهيار وتحول مركزها إلى ثقبٍ أسود».

تؤكد الأبحاث الحالية قدرة المادة المظلمة على التفاعل مع المادة الباريونية، لكن احتمالًا آخر قد يُرجح فرصة تفاعل المادة المظلمة مع نفسها.

يفسر فريق يو هذه النظرية وفقًا لما يلي:

تتكون المادة المظلمة الموجودة في أولى بدايات كوننا، وتتقارب هذه المادة من بعضها تحت تأثير الجاذبية. سيتعارض هذا التأثير الجاذبي الذي يقارب المادة، مع تأثير الحرارة والضغط الذي يؤثر على تباعد المادة عن بعضها. تتسارع الجسيمات التي لا يمكنها التفاعل مع بعضها عند اقترابها من مركز الهالة بسبب ازدياد الشد الجاذبي، ومن جهةٍ أخرى، تتعرض للارتداد تحت الضغط العالي الذي تتعرض له بسبب عدم قدرتها على التفاعل مع بعضها بعضًا.

من جهةٍ أخرى، ستتمكن الجسيمات التي تتفاعل مع بعضها من نقل الطاقة فيما بينها، ما سيؤدي إلى احتكاك في المادة. وتبعًا لذلك، ستتباطأ هذه الجسيمات، وينخفض الزخم الزاوي Angular momentum وتتقلص في أثناء اقترابها من مركز الهالة، ما سيساهم في انهيارها وتكوّن ثقبٍ أسود.

يتمكن الثقب الأسود ببدايته من التوسع عبر التفاعل مع المادة الباريونية المحيطة به. ومع قدرة المادة المظلمة على تكوين الثقب اعتمادًا على كتلتها وحدها، فإن وجود المادتين، الباريونية والمظلمة، ضروري لتكون وتوسع الثقب.

ويؤكد يو أن النجوم وسحابات الغازات المختلفة تعتبر المادة المسيطرة في العديد من المجرات، لذا يجب العمل على معرفة تأثير هذه المادة على عملية انهيار وتكوين الثقب.

ويستطرد يو قائلًا: «تمكن الفريق من ملاحظة تسارع في عملية انهيار الثقب عند تفاعل المادة المظلمة مع المادة الباريونية. كان هذا الدليل القطعة الناقصة في الأحجية التي ستساهم في تفسير أصل هذه الثقوب وتكونها. ومن جهةٍ أخرى، تساهم تفاعلات المادة مع بعضها في وجود لزوجة في هالة المادة المظلمة، ما يؤدي إلى خفض الزخم الزاوي وتسريع عملية الانهيار».

يأمل الفريق أن الأبحاث المستقبلية التي ستمتاز بدقة أعلى، ستتمكن من رصد أولى المجرات التي تكونت في الكون.

وفقًا لما تقدم، سيساهم هذا الرصد مستقبلًا في حل العديد من الألغاز الفلكية المتعلقة بالمادة المظلمة والثقوب السوداء.

اقرأ أيضًا:

استمرار البحث عن الثقوب السوداء البدائية لحل مشكلة المادة المظلمة

هكذا سيصور التليسكوب إقليدس المادة المظلمة

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: باسل حميدي

المصدر