كيف وصلنا إلى هنا؟ وإلى أين نتجه؟ وكم سيستغرق الأمر؟ هذه الأسئلة قديمة قدم البشرية، وإذا كانت كائنات أخرى في الكون سألتها، فإنها ربما تكون أقدم من البشرية بكثير.

إن تلك الأسئلة أسئلة أساسية نحاول إجابتها بدراسة الكون فيما يسمى علم الكونيات. وأحد الألغاز الكونية هو مدى سرعة توسع الكون، وتُقاس برقم يسمى ثابت هابل، ويوجد توتر كبير حول هذا الموضوع.

في ورقتين بحثيتين جديدتين قادهما باتريك كيلي في جامعة مينيسوتا، استُخدمت تقنية جديدة لقياس ثابت هابل، تتضمن ضوءًا من نجم ينفجر ويصل إلى الأرض عبر مسارات ملتوية متعددة عبر الكون المتوسع. وما لم تحل نتائجها هذا التوتر فإنها ستعطي مؤشرًا آخر والمزيد من الأسئلة التي يجب طرحها.

الشموع القياسية والكون المتوسع

لقد عرفنا منذ عشرينيات القرن الماضي أن الكون يتوسع، وفي عام 1908، وجدت عالمة الفلك الأمريكية هنرييتا ليفيت طريقةً لقياس السطوع الجوهري لنوع من النجوم يسمى المتغير السيفيديي، وذلك ليس بالاعتماد على ما يبدو سطوعه من الأرض إذ يعتمد على المسافة وعوامل أخرى، بل كما هو ساطع حقًا.

يتغير السيفيدي بين السطوع المشرق والخفوت بانتظام، وأظهرت ليفيت أن السطوع الجوهري مرتبط بطول دورة هذه النجوم.

يسمى ذلك اليوم بقانون ليفيت، ويسمح للعلماء باستخدام المتغير السيفيدي بوصفها شموعًا قياسية (أجسام يعرف سطوعها الداخلي ما يسمح بحساب المسافة).

كيف يعمل هذا؟ تخيل أنك تقف في الليل، في شارع طويل ومظلم مع بعض أعمدة الإضاءة الموجودة على الطريق، ثم تخيل أن كل عمود إضاءة يحتوي على نفس نوع المصباح بنفس الطاقة. ستلاحظ أن ضوء الأعمدة البعيدة تبدو أضعف من الأعمدة القريبة.

نعلم أن الضوء يتلاشى بنسبة متناسبة مع المسافة بما يسمى قانون التربيع العكسي للضوء. الآن، إذا كنت تستطيع قياس سطوع كل ضوء بالنسبة لك، وإذا كنت تعرف بالفعل إلى أي مدى يجب أن يكون ساطعًا، بوسعك عندها معرفة مدى بعد كل عمود ضوئي.

تمكن عالم فلك أمريكي آخر وهو إدوين هابل عام 1929، من العثور على عدد من نجوم المتغير السيفيدي في مجرات أخرى وقياس المسافة بينها، ومن تلك المسافات والقياسات الأخرى استنتج أن الكون يتوسع.

الطرق المختلفة تعطي نتائج مختلفة

تُعد طريقة الشموع القياسية هذه قوية بما يكفي لقياس الكون الواسع. ودائمًا ما نبحث عن شموع مختلفة نستطيع قياسها قياسًا أفضل ورؤيتها على مسافات أكبر بكثير. وقد سخرت الجهود الحديثة لقياس الكون بعيدًا عن الأرض، مثل مشروع SH0ES الذي يقوده آدم ريس الحائز على جائزة نوبل، وفيه وُضعت نجوم المتغير السيفيدي جنبًا إلى جنب مع نجم متفجر يُسمى المستعر الأعظم (نوع ون-أي) ليُستخدم أيضًا بوصفه شمعةً قياسية.

توجد طرق أخرى لقياس ثابت هابل أيضًا، كاستخدام الخلفية الميكروويفية الكونية، أي بقايا الضوء أو الإشعاع الذي يسافر في الكون بعد فترة قصيرة من الانفجار العظيم.

المشكلة هي أن هذين القياسين أحدهما قريب باستخدام نجوم المتغير السيفيدي والمستعرات الأعظمية، والثاني بعيد جدًا باستخدام الخلفية الميكروويفية، وتختلفان بنسبة 10% تقريبًا، يطلق على هذا الاختلاف بين القياسين (توتر هابل)، وكان الفلكيون يبحثون عن تقنيات قياسية جديدة لحل هذه المشكلة.

طريقة جديدة: عدسة الجاذبية

في عمل جديد، استخدمت بنجاح تقنية جديدة لقياس معدل تمدد الكون، واستندت إلى مستعر أعظم يُسمى (سوبرنوفا رفسدال).

لاحظ الفريق عام 2014 صورًا متعددة للمستعر الأعظم نفسه، وهي المرة الأولى التي يُرصد فيها المستعر الأعظم العدسي بهذه الطريقة، وبدلًا من أن يرى التلسكوب الفضائي هابل مستعرًا أعظم واحدًا رأينا خمسة!

كيف يحدث هذا؟ إن الضوء الخارج من المستعر الأعظم توجه في جميع الاتجاهات، لكنه سافر عبر الفضاء المملوء بحقول الجاذبية الهائلة لمجموعة ضخمة من المجرات، ما جعل بعض مسارات الضوء تنحني بطريقة تجعله يصل إلى الأرض عبر مسارات متعددة. وقد وصل كل مظهر من مظاهره إلينا عبر مسار مختلف في الكون.

تخيل ثلاثة قطارات تغادر نفس المحطة في نفس الوقت، يذهب أحدها مباشرة إلى المحطة التالية، والآخر يمر برحلة طويلة عبر الجبال، والثالث عبر الساحل.

جميعها غادرت ووصلت إلى نفس المحطات، ولكن كلًا منها يأخذ رحلات مختلفة، وعليه ستصل بأوقات مختلفة مع إنها غادرت في نفس الوقت.

لذا، تُظهر الصور العدسية نفس المستعر الذي انفجر في وقت معين، ولكن كل صورة سارت في طريق مختلف. وبالنظر في وصول كل ظهور للمستعر الأعظم إلى الأرض (وأولها عام 2015 بعد رصد النجم المتفجر بالفعل)، نتمكن من قياس وقت سفر كل منها، وبالنتيجة مدى نمو الكون ريثما وصلتنا الصورة.

هل وصلنا؟

أعطانا هذا قياسًا مختلفًا لنمو الكون ولكنه فريد من نوعه. وفي الأبحاث نجد أن هذا القياس أقرب إلى قياس خلفية الكواكب الميكروويفية مقارنةً بقياس المتغير السيفيدي والمستعر الأعظم القريب. ولكن استنادًا إلى موقعه يجب أن يكون أقرب إلى قياس المتغير السيفيدي والمستعر الأعظم القريب.

ومع إن هذا لا يحسم النقاش بتاتًا، فإنه يعطينا أدلةً أخرى للنظر إليها. قد توجد مشكلة في قيمة المستعر الأعظم، أو في فهمنا لمجموعات المجرات والنماذج المطبقة على العدسة، أو في شيء آخر تمامًا، وما زلنا لا نعرف.

اقرأ أيضًا:

دليلك الكامل لمعرفة أنواع النجوم منذ ولادتها في سحابة الغبار وحتى موتها العنيف

معرفة سرعة توسع الكون اعتمادًا على بيانات تصادم الثقوب السوداء

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: باسل حميدي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر