يوجد ما لا يقل عن مئة كيس من النفايات البشرية على سطح القمر، إذ يضم القمر حاليًا الكثير من المخلفات الفضائية ومن ضمنها أكياس النفايات البشرية، ومع ازدياد عدد الدول التي تهبط على سطحه عامًا بعد عام، ستزداد تلك المخلفات سواء على سطح القمر أو في مدار الأرض.

تحطم المسبار الروسي لونا-25 على سطح القمر في أغسطس 2023، في حين هبط مسبار تشاندرايان-3 الهندي بنجاح في المنطقة القطبية الجنوبية منه في الشهر ذاته، ما جعل الهند رابع دولة تهبط على القمر. ومع هبوط المزيد من المركبات الفضائية لدول عديدة على القمر، يجب على البشر التفكير في كيفية التعامل مع كل مركبات الهبوط والنفايات البشرية والمخلفات الفضائية والحطام المتنوع المتبقي على سطح القمر وفي مداره أيضًا.

الفضاء يزداد ازدحامًا:

يظن الناس أن الفضاء مترامي الأطراف وشاسع وفارغ، لكن ما لا يعلمونه أن الفضاء القريب من الأرض بدأ بالازدحام، إذ زادت كمية المخلفات الفضائية في المدار الأرضي كثيرًا منذ ستينيات القرن العشرين، وتخطط الحكومات والشركات الخاصة مثل سبيس إكس وبلو أوريجين لزهاء مئة مهمة قمرية خلال العقد القادم.

يُعد الفضاء القريب من الأرض «أي مسافة 161 – 804 كيلومتر من سطح الأرض»، أكثر ازدحامًا من المنطقة الفضائية ما بين القمر والأرض «286 ألف كيلومتر». يدور حول الأرض حاليًا 7700 قمر صناعي تقريبًا على بعد بضع مئات الكيلومترات من سطحها، وقد يرتفع هذا الرقم إلى مئات الآلاف بحلول عام 2027، وستُستخدم تلك الأقمار الصناعية لأغراض توصيل الإنترنت، أو لمراقبة الزراعة والمناخ على الأرض. إذ خفضت شركات مثل سبيس إكس كثيرًا من تكاليف الإطلاق، وأدى ذلك إلى تنامي الأنشطة الفضائية.

صرح خبير الإطلاق الفضائي جوناثان ماكدويل: «سيكون التسابق الفضائي مثل مجموعة من الأشخاص يقودون سياراتهم بسرعة هائلة ساعة الذروة على الطريق السريع في أثناء عاصفة ثلجية». يشاركه المخاوف كريس إمبي، أستاذ علم الفلك بجامعة أريزونا، إذ يقول: «أشعر بالقلق مثل كثير من خبراء الفضاء الآخرين إزاء عدم التحكم في المخلفات الفضائية».

مشكلة المخلفات الفضائية:

ترك البشر الكثير من النفايات على القمر، يقارب وزنها 200 طن من مخلفاتهم، تتضمن بقايا تحطم المركبات الفضائية مثل معززات الصواريخ المتخلفة عن أكثر من خمسين عملية هبوط فاشلة، وقرابة مئة كيس من النفايات البشرية، وأغراض أخرى متنوعة. يخلق هذا النشاط الفضائي الكثير من الحطام والمخاطر، ولمّا كان لا أحد يملك القمر، فلا يوجد مسؤول عن الحفاظ عليه نظيفًا ومرتبًا. تشمل المخلفات الفضائية في مدار الأرض المركبات الفضائية منتهية الصلاحية، ومعززات الصواريخ المستهلكة، والأغراض التي يتخلص منها رواد الفضاء، وقطع صغيرة من الحطام مثل رقائق من طلاء المركبات الفضائية.

يقدّر الخبراء وجود نحو 23 ألف جسم أكبر من 10 سم «4 بوصات»، وزهاء مئة مليون قطعة من الحطام أكبر من 1 ملم «0.04 بوصة». لا تبدو هذه القطع الصغيرة مشكلة كبيرة، لكن هذا الحطام يتحرك بسرعة 15 ألف ميل في الساعة «24 ألف كيلومترًا في الساعة تقريبًا»، أي أسرع بعشرة أضعاف من رصاصة منطلقة، وسرعة كهذه تمكن رقاقة من الطلاء –مثلًا- أن تثقب بدلة فضائية أو تدمر قطعة إلكترونية حساسة.

وصف عالم ناسا دونالد كيسلر عام 1978 مشهدًا تخيليًا تتصادم فيه قطع الحطام المدارية فتؤدي إلى خلق المزيد من الحطام، ثم تتزايد كمية الحطام تصاعديًا تبعًا لتلك التصادمات المتوالية، ما قد يمنع استخدام المدار القريب من الأرض بسبب خطورته. يطلق الخبراء على هذه العملية اسم «متلازمة كيسلر».

لا أحد مسؤول!

تنص معاهدة الأمم المتحدة للفضاء الخارجي لعام 1967 على أنه لا يحق لأي دولة أن تمتلك القمر أو أي جزء منه، وأنه يجب أن تُستخدم الأجرام السماوية في الأغراض السلمية فقط. لكن لا تذكر المعاهدة شيئًا عن كيفية استخدام الموارد الفضائية أو ما هو غير مسموح باستغلاله سواءً للشركات أو للأفراد.

وتنص الاتفاقية القمرية للأمم المتحدة لعام 1979 على أن القمر وموارده الطبيعية تراث مشترك للبشرية. لكن لم توقع عليه الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين، ووضع الكونجرس الأمريكي قانونًا عام 2016 أطلق العنان لصناعة الفضاء التجارية الأمريكية مع القليل جدًا من القيود.

تُعد المخلفات الفضائية مثالًا على معضلة يطلق عليها «مشكلة المشاعات»، تتمثل في وصول الكثير من الجهات إلى مورد ما مشترك، ما قد يؤدي إلى استنفاد ذلك المورد بسبب فرط استغلاله، مع عدم وجود جهة تعمل على السيطرة على الأمر، من ثم يصبح الجميع غير قادرين على الاستفادة منه.

يثار النقاش في الأوساط العلمية في محاولة لتجنب مشكلة المشاعات، ويرى العلماء أنه على الأمم المتحدة اعتبار بيئة الفضاء المدارية مشاعات عالمية وتجب حمايتها. قدم بعض الباحثين المدافعين عن المشاعات العالمية مذكرة تدعم قضية تنظرها محكمة الاستئناف الأمريكية لدائرة مقاطعة كولومبيا أواخر عام 2021، قالوا فيها إن اللوائح البيئية الأمريكية يجب أن تنطبق على ترخيص عمليات الإطلاق الفضائية. لكن المحكمة قضت بعدم قبول دعوى الضرر البيئي لانتفاء أهلية مقدمي الشكوى القانونية ومصلحتهم.

ما لم تتحرك الأمم المتحدة، من المرجح أن تكون للمصالح الجيوسياسية والتجارية الوطنية للدول الأولوية على جهود حماية الكواكب والمناطق المحيطة بها. وقد تنبثق معاهدة جديدة من مساعي مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، الذي أصدر في مايو 2023 وثيقة سياسية لمعالجة التنمية المستدامة للأنشطة الفضائية.

الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة تستطيع تنظيم أنشطة الدول الأعضاء فيها فقط، لكن لديها مشروع لمساعدة الدول الأعضاء على صياغة سياسات تعزز أهداف التنمية المستدامة على المستوى الوطني لكل منها.

من ناحية أخرى، وضعت ناسا اتفاقية أرتميس للتعاون السلمي في الفضاء ووقعت عليها، وهي مبادئ عامة لكنها غير ملزمة. وصدقت عليها 28 دولة، وخلت القائمة من الصين وروسيا، والشركات الخاصة ليست طرفًا في الاتفاقية أيضًا، ولا يخفى على أحد أن بعض رواد الأعمال في مجال الفضاء لديهم أموال وفيرة وطموحات كبيرة.

في النهاية، إن الافتقار إلى قواعد منظمة وتصاعد حمى التسابق لاستكشاف الفضاء سيؤدي إلى استمرار تراكم النفايات والمخلفات الفضائية، وبقاء المشكلات والمخاطر الناشئة كما هي.

اقرأ أيضًا:

ما هي المخلفات الفضائية؟

العلماء يدعون لحماية مدار الأرض من المخلفات الفضائية

ترجمة: عمرو أحمد

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر