هُنا على الأرض، حيثما وجدت المياه، الطاقة، والعناصر الغذائية، وجدت الحياة.

إذًا هل وجود المياه يعني وجود حياة في عوالم أخرى؟

رافقت الاثارة كشف وكالة ناسا عن تفاصيل حول المحيطات التي تقبع أسفل سطح القمر الضئيل لكوكب زُحل (إنسلاديوس – Enceladus) وقمر المُشتري (يوروبا – Europe).

لِم الدهشة؟ حسنًا، هُنا على الأرض، حيثما وجدت المياه، الطاقة، وعناصر غذائية، وجدت الحياة.

إذًا لِم لا تُوجد حياة في عوالم أُخرى؟

بفضل حسابات وقياسات مُقدَّمة من مركبة فضاء (كاسيني – Cassini)، علِمنا بأنّ قمر إنسلاديوس يمتلِك محيطًا مدفونًا على عُمق كبير أسفل سطحِه.

اعتمادًا على البحث الجديد الذي نشر في صحيفة (العلوم – Science)، يرجّح بشكل كبير الآن وجود فجوات حرارية مائيّة في قاع المحيط تُطلق عناصر غذائيّة وطاقة بشكل فعّال في الأعماق المظلمة للمحيط.

تُسبب المواد التي تمّ قذفها تفاعلات كيميائية في عُمق المحيط، مُطلقةً هيدروجين جزيئي يخرج في النهاية من القمر على صورة العيون الحارة الضخمة التي ندرسها.

من المعروف منذ مُدة طويلة امتلاك القمر الجليدي لكوكب المشتري، يوروبا، مُحيطاً أسفل سطحِه يحتوي على مياه سائلة أكثر من الموجودة حالياً على كوكب الأرض بالكامل.

من المُحتمل وجود نشاط حراري للمياه الموجودة في محيط قمر يوروبا كما هو الحال على إنسلاديوس، وبناءً على ذلك، مُحتمل أن يكون المكان صالحًا لوجود وتتطور الحياة.

تربط نتائج هذا الشهر بين القمرين يوروبا وإنسلاديوس معًا بشكل أكبر.

حيث كشفت ملاحظات لقمر يوروبا بواسطة تلسكوب هابل عن حدثين لانفجارات مُشابهة لثوران العيون الحارّة، أظهرت اندفاع مياه على ارتفاع 50 كيلومتر من سطح القمر عام 2014، و100 كيلومتر عام 2016.

مياه، مياه في كل مكان

عندما ننظُر إلى الكواكب الأخرى، لا نرى مُحيطات، بُحيرات، أو أنهار.

اعتدنا في الماضي على تخيُّل الماء مورِدًا نادرًا وثمينًا، لكن كُلما تعلّمنا أكثر عن موقعنا في الكون، نُصبح أكثر إدراكًا لحقيقة وجود الماء في كل مكان.

يُمثل الهيدروجين 75% من جميع الذرات الموجودة في مجرتنا، فهو أكثر العناصر شيوعًا في الكون.

يُعد الأوكسجين ثالث أكثر العناصر شيوعًا في الفضاء، وإن كان يُمثل فقط 1% من إجمالي مجموع الذرات في الكون.

يتكون الماء (H2O) من ذرتين هيدروجين وذرة أوكسجين.

لذلك لا يجب أن يكون وجود الماء في كل مكان شيئًا مثيرًا للدهشة، أو أنّها لعبت دورًا أساسيًا في تشكُّل وتطور نظامنا الشمسيّ.

صنّفني كوكبًا

في حين تكون شمسنا، تكوّنت حولها الكواكب وحطام آخر من قرص من الغبار، الجليد، والغاز.

كانت المواد الأقرب للشمس البدائية ساخنة للغاية لدرجة أنّ فقط أكثر العناصر والمركبات مقاومةً للانصهار (تِلك التي تمتلك أعلى نقاط ذوبان وغليان) كانت صلبة.

على مسافات أكبر، كانت درجة الحرارة أقلّ مما أدى لتجمّد مزيد من المواد، بالإضافة إلى المواد الصلبة التي تطفو فيما يُعرف (قرص الكواكب البدائية – Protoplanetary Disk).

في نهاية الأمر، وعلى مسافات تفوق بُعد الشمس عن الأرض، كانت درجة الحرارة منخفضة كفاية لتتجمّد المياه، وتُسمّى تلك النقطة (خط الجليد – Ice Line) أو خط الثلج.

فيما وراء ذلك، شكّل الجليد الجزء الأكبر من المواد الصلبة.

تشكّلت الكواكب البعيدة أسرع بكثير، بوجود مواد صلبة أكثر، من نظائرها الأرضية.

في قلب كوكب زُحل، أورانوس، نبتون، وعلى الأرجح في لُب المشتري، تقبع العناصر الرئيسية التي تَجَمّع حولها الغلاف الجوي الغازيّ لكل من هذه الكواكب.

يندمِج الغاز والغبار معًا بالتدريج في القرص، ناميةً لتُشكِّل أنويةً أكبر وأكبر.

في نهاية الأمر، مع الوصول للكتلة الحرِجة، وهي النقطة التي تتغذى عليها جاذبية هذه الكواكب الأوّلية خلال تطوُّرها عن طريق الغاز المحيط بها في القرص، مُحوِّلةً إياهم إلى العمالقة التي نراها اليوم.

تظلّ هذه الأنوية المتكونة من كُتل جليدية وصخرية ضخمة بمقدار عشرة مرات كتلة الأرض تسبح في أغلفة جوية شاسعة.

يقود ذلك إلى احتمالية مُشوِّقة.

حيث يبدو أنّه على عُمق كبير أسفل سُحُب أورانوس ونبتون، يسمح كلًا من الحرارة والضغط بوجود اختلاف في المواد المُكوِّنة للأنوية، فتتجمع المواد الثقيلة (المعادن) في المركز، مُحاطة بطبقة من الغازات، الماء والأمونيا بالأساس.

تمامًا مثل طبقة الأرض، المواد ذائبة إلى حدٍّ ما – ليست محيطًا كما نتخيّل – لكنها بالتأكيد ليست صخور صلبة وقاسية.

حطام جليدي في أعماق النظام الشمسي

لم تُبَدَد الكميات الهائلة من الجليد في النظام الشمسي حديث التشكُّل بواسطة الكواكب العملاقة.

كل من هذه الكواكب (المشتري، زحل، أورانوس، ونبتون) مصحوب بعشرات الأقمار الصناعية، بأحجام تتراوح بين عدة أمتار أو كيلومترات في القطر الى ما هو وأكبر من القمر الخاص بنا.

مُعظم هذه الأقمار بها ماء أكثر من أي شيء آخر.

لسنوات عديدة تم افتراض أنّ الأقمار الجليدية مجرد قشور متجمدة، صلبة حتى النواة.

لكن في السنين الحالية استُبدِلت الفكرة تدريجيًا بما هي أحدث منها، مثال أكثر تشويقًا.

الماء في الحالة الصلبة على أسطح هذه الأقمار، صلبة مثل الجرانيت في كثير من الحالات.

لكن على عمق كبير بالأسفل، توجد محيطات مدفونة في تركيبها الداخلي.

كان أول محيط مُماثل تم اكتشافه هو المحيط أسفل جليد قمر كوكب المشتري، يوروبا، عالم يبلغ تقريباً حجم قمرنا.

لكن يوروبا ليس وحيدًا.

حيث وجدت نتائج من مركبة فضاء (غاليليو – Galileo)، التي تجولت بمدار المشتري لثماني سنوات في أواخر التسعينيات (1990) وبداية أوائل (2000)، مؤشرات مثيرة للاهتمام بأنّ قمريّ المشتري الكبيرين، (جانيميد – Ganymede) و (كاليستو – Callisto)، من المُحتمل وجود محيطات مدفونة في اعماقهما.

بعدها جاءت مُهمة كاسيني إلى زُحل.

يمتلك أكبر قمر لزُحل، (تيتان – Titan)، غلافًا جويًا سميكًا، حيث أطلقت كاسيني (مسبار هيجينز – Huygens Lander) فور وصولها للنطاق، لتهبط بالمظلة خلال السُحُب وترى ما يقبع بالأسفل.

الاجابة هي البُحيرات، الأنهار والأمطار.

لكن ليس الماء السائل. الجليد على سطح تيتان المتجمد أصلب من الجرانيت.

عوضًا عن ذلك، يحتوي سطح تيتان على ميثان وإيثان سائلين، وقطرات أمطار كبيرة وبطيئة التساقط من الميثان.

اقترحت قياسات كاسيني حديثًا أنّ محيطات الميثان والإيثان يُحتمل ألاّ تكون هي السوائل الوحيدة هناك.

تمامًا مثل قمر يوروبا، حيث يوجد دليل على وجود محيط من المياه المالحة مدفونًا عميقًا أسفل سطح القمر.

بعيدًا عن الماء السائل التي يندر وجوده على غير الأرض، أصبح واضحًا جدًا أنّ الأمر شائع في النظام الشمسي.

على ما يبدو ليست فقط الأقمار في النظام الشمسي الخارجي التي تستضيف مياه سائلة.

إذ اقترح بحث آخر أنّ (سيريس – Ceres)، الكويكب الأكبر في المجموعة الشمسية، قد يمتلك محيطًا مماثلًا، وكذلك بلوتو تمامًا.

ومازال هناك ملايين الأجسام الجليدية هناك، منتظرةً أن يتم استكشافها.

ماء في النظام الشمسي الداخلي

كل ما يُقرِّبنا من موطننا، من النظام الشمسي الداخلي.

نعلم أنّ الأرض تحتوي على مياه، بالرغم من كونها أكثر جفافًا من الأجسام التي تناقشنا حولها سابقًا.

بالطبع هذه ليست مفاجئة. تشكّلت الأرض في جزء دافئ من قرص الكواكب البدائية، في موقع قريب بشكل مناسب من خط الثلج.

في الواقع، ظلّ أصل الماء على الأرض لغزًا أمام علماء الفلك لكثير من السنين.

على الأرجح، يبدو أنّ المياه على الأرض كانت نتاج وصول رواسب أبرد للنظام الشمسي من خلال التصادمات، على الأغلب من الحطام الخارجي لحزام الكويكبات.

استهدف ذلك القصف كوكبي المريخ والزهرة أيضًا.

هناك دليل متزايدة في الازدهار أنّ المريخ والزهرة امتلكا محيطات مثل التي على الأرض حتى قامت تقلُّبات الزمن بإتلافها.

أصبحت الشمس أكثر سطوعًا بشكل ملحوظ منذ 4.5 مليون سنة وقت تشكُّل النظام الشمسي.

نتيجةً لذلك، أصبح الزهرة حارًا أكثر حتى غلت محيطاته منذ مئات الملايين من السنين.

على العكس تمامًا، تجمّد المريخ تدريجيًا، فاقدًا غلافه الجوي بسبب تأثير كلًا من التآكل لسطح الكوكب، والتعرية الناتجة عن العواصف الشمسية والاشعاع.

مازال الماء موجودً هناك، لكن ليست على هيئة محيطات تغطي الكوكب الآن.

عوالم صالحة للحياة

إذًا، بالعودة إلى القمر يوروبا، تيتان وإنسلاديوس، بمحيطاتهم المغمورة أسفل مئات الكيلومترات من الجليد.

هل يُمكن لهذه العوالم أن تكون صالحةً للحياة؟ بالتأكيد. حيث أنّنا نجمع أدلّة أكثر تؤكد ذلك بمرور كل سنة.

هل يُمكن أن توجد حياة هناك؟ مرةً أخرى، إنه شيء مُحتمل، لكن هنا تكمن الشاكلة.

توجد كل تلك المواقع على أعتاب أبوابنا (أي قريبة)، مع ذلك فإن حياة بها مدفونة على عُمق كبير بالأسفل لدرجة أنّنا لا نستطيع إيجادها.

لنفعل ذلك، سنكون بالتأكيد في حاجة إلى مسابير للحفر خلال الجليد وصولًا إلى المحيطات بالأسفل وهي بالطبع مهمة بالغة الصعوبة.

ماذا تعني الحياة في مكانٍ آخر؟ حسنًا، إن كان يُخبرنا نظامنا الشمسي شيئًا، فهو أنّ كوننا مغمور في الماء، هناك ماء بكل مكان حرفيًا.

ربما، مجرد احتمال، أن يكون ذلك تلميحًا بأننا لسنا الوحيدين كما نعتقد.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: خليل حسن
  • تحرير: يمام اليوسف

المصدر