المياه عنصر أساسي للحياة، وتُعد أصولها على الأرض، أو الكواكب الأخرى، لغزًا طويل الأمد.

فهل دُمجت مع الأرض في مراحلها المبكرة عندما كانت تتشكل من المواد التي تدور حول الشمس في حقبتها الفتية؟

أم أنها وصلت الى الأرض بواسطة المذنبات والكويكبات؟

ومن أين أتت تلك المياه في الأصل؟

نُشرت دراسة جديدة في 7 مارس في مجلة نيتشر دليلًا جديدًا لدعم نظرية أصول المياه.

تقول الدراسة إن المياه موجودة على الأرض قبل تشكل الشمس والنظام الشمسي، وأن أصلها يعود إلى تشكلها البطيء وطويل الأمد في سحب ضخمة من الغاز والغبار في الفضاء بين النجمي.

يقول جون توبين، عالم الفلك الذي يدرس تكوين النجوم في المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية: «يوجد الآن ارتباط واضح في تشكل المياه، يبدو أنه موروث دون تغيير من مرحلة الوسط بين النجمي البارد قبل أن يتشكل أي نجم حيث دُمجت من قرص الكواكب الأولية، وهي طبقة كثيفة ومستديرة من الغبار والغاز تتشكل في مدار حول النجوم حديثة الولادة التي تظهر منها لاحقًا الكواكب والأجسام الفضائية الصغيرة مثل المذنبات، وإن المياه تنجذب إلى المذنبات دون تغيير أيضًا».

اقترح علماء الفلك قصة أصول مختلفة للمياه في الأنظمة الشمسية، فيعود توبين أيضًا ويقول: «في نظرية السديم الساخن، فإن الحرارة في قرص كوكبي أولي حول نجم مولود ستحلل المياه والجزيئات الأخرى، التي تتشكل من جديد عندما تنخفض الحرارة».

يضيف توبين إن مشكلة هذه النظرية، أنه عندما تظهر المياه في درجات حرارة دافئة نسبيًا في قرص كوكبي أولي، فلن تبدو مثل المياه الموجودة على المذنبات والكويكبات، فنحن نعلم كيف تبدو هذه الجزيئات. تعمل الصخور الفضائية مثل الكويكبات والمذنبات ككبسولات زمنية، فتحافظ على حالة المادة في النظام الشمسي المبكر. وعلى وجه الخصوص، فلن تحتوي المياه الموجودة في القرص على ما يكفي من الديوتيريوم (نظير الهيدروجين) الذي يحتوي على نيوترون وبروتون في نواته بدلاً من بروتون واحد كما هو الحال في نواة الهيدروجين.

أما البديل لنظرية السديم الساخن هو أن المياه تتشكل في درجات حرارة باردة على سطح حبيبات الغبار في السحب الشاسعة في الوسط بين النجمي.
تغيّر هذه البرودة ديناميكيات تكوين المياه، إذ تُستبدل ذرة الهيدروجين بالديوتيريوم، ولأن المياه العادية والثقيلة تتشكلان في ظروف مختلفة، تستخدم نسبتهما لتتبع متى وأين تتشكل المياه وثبت أن النسبة في المذنبات مماثلة لتلك الموجودة على الأرض.

وأضاف توبين: «سطح حبيبات الغبار المكان الوحيد الذي تتكون فيه كميات كبيرة من المياه مع الديوتيريوم بداخله، أما الطرق الأخرى لتكوين المياه بالديوتيريوم والغاز فقط فهي غير فعالة».

هذا التفسير مُحقق نظريًا، لكن العلماء أكدوا في دراسة بحثية جديدة ولأول مرة على أن المياه من الوسط بين النجمي يمكن أن تنجو من الحرارة الشديدة في أثناء تكوين قرص كوكبي أولي.

استخدم الباحثون مصفوفة ألما (ALMA) التابعة للمرصد الأوروبي الجنوبي، وهي تلسكوب لاسلكي، لمراقبة قرص الكواكب الأولية حول النجم الشاب V883 Orionis ، الواقع على بعد 1300 سنة ضوئية من الأرض في كوكبة الجبار.

يمكن أن تكشف التلسكوبات الراديوية عن إشارة جزيئات المياه في الطور الغازي، لكن الغبار الكثيف الموجود في أقراص الكواكب الأولية القريبة جدًا من النجوم الفتية غالبًا ما يحوّل المياه إلى جليد يلتصق بالحبيبات فلا تستطيع التلسكوبات رصدها.

لحسن الحظ فإن V883 Orionis ليس نجمًا فتيًا عاديًا، فهو أكثر تألقًا وحرارة بسبب سقوط مادة من قرص الكواكب الأولية في النجم. فأدت الكثافة المتزايدة إلى تسخين الجليد على حبيبات الغبار وتحويله إلى الطور الغازي، ما سمح لتوبين وزملائه باكتشاف إشارة المياه المخصب بالديوتيريوم في القرص.

شرح بوتين : «تحمل المياه المُكتشفة في V883 Orionis توقيعًا كيميائيًا يشرح رحلة المياه عبر السحب الغازية المكونة للنجوم، ومراقبة هذا النظام والحصول على تأكيد مباشر لتكوين المياه مهم جدًا، يمنحنا هذا التوقيع سلاحًا قويًا ويشير إلى أن محيطات وأنهار الأرض، على المستوى الجزيئي، أقدم من الشمس نفسها».

وختم توبين بقوله: «سنجري المزيد من رصد الأنظمة للتأكد من أن هذا لم يكن مجرد صدفة، فمن الممكن لاحقًا أن تتغير كيمياء المياه بطريقة ما في أثناء تطور الكواكب والمذنبات والكويكبات فهناك العديد من الترشيحات الجيدة للدراسة موجودة في منطقة تشكل النجم أوريون وما علينا سوى العثور على جسم حول قرص».

اقرأ أيضًا:

كويكب عمره يقارب 4.6 مليار سنة قد يكشف سر تواجد مياه على سطح كوكبنا

اكتشاف مخزون مياه ثلاثة أضعاف محيطات الأرض قرب لب الكوكب

ترجمة: روان علي

تدقيق: فادي الخطيب

المصدر