تفسر نظرية النسبية الخاصة للعلم أينشتاين كيفية ارتباط الزمن والمكان بالأشياء التي تتحرك بسرعة ثابتة على خط مستقيم. أبرز جوانب تلك النظرية تتعلق بالأشياء المتحركة بسرعة الضوء. ببساطة، عندما تقترب الأشياء من سرعة الضوء تصبح كتلتها لا نهائية ولا يمكنها تجاوز السرعة التي يرتحل بها الضوء. أضحى ذلك الحد الكوني للسرعة موضوع نقاش في الفيزياء، وحتى في الخيال العلمي عندما يفكر البشر في كيفية السفر عبر مسافات بعيدة جدًا.

طُورت نظرية النسبية الخاصة من قبل آلبرت أينشتاين سنة 1905، وتشكل جزءًا من قواعد الفيزياء الحديثة. بعد إنهاء عمله على النظرية، بقي أينشتاين لمدة عقد من الزمن وهو يحاول فهم ما الذي قد يحصل إذا أضفنا التسارع إلى المعادلة. ثمرة ذلك الجهد تجلت في ظهور أساس نظريته للنسبية العامة المنشورة سنة 1915.

التاريخ

قبل أينشتاين كان علماء الفلك يفسرون ظواهر الكون حسب قوانين الحركة الثلاثة لإسحاق نيوتن المنشورة سنة 1686. وهي كما يلي:

  1.  الأشياء المتحركة -أو الثابتة- تظل متحركة -أو ثابتة- حتى تطبق عليها قوة خارجية لتغيير حالتها الحركية.
  2.  القوة تساوي التغير في الزخم بالنسبة للتغير في الزمن. بالنسبة للكتلة الثابتة، فالقوة تساوي التسارع مضروبًا في الكتلة.
  3.  لكل فعل رد فعل، يساويه في الشدة ويعاكسه في الاتجاه.

لكن كانت هنالك تصدعات في النظرية قبل قرون من دخول أينشتاين إلى المسرح. في سنة 1865 شرح الفيزيائي الاسكتلندي جيمس كليرك ماكسويل أن الضوء عبارة عن موجة مع مكونات كهربائية ومغناطيسية، وحدد سرعة الضوء بـ 186,000 ميل في الثانية. ظن العلماء أن انتقال الضوء يتم عبر وسيط، يطلقون عليه اسم الأثير، ونعلم الآن أن تنقل الضوء لا يحتاج إلى وسيط وأن الضوء يرتحل في الفضاء خلال الفراغ.

بعد عشرين سنة، طرح ذلك التساؤل بقوة بعد ظهور دراسة مثيرة للجدل. قام كل من الفيزيائي ميشيلسون والكيميائي إدوارد مورلي بقياس تأثير حركة الأرض في ذلك الأثير المفترض على قياس سرعة الضوء، ووجدوا أن سرعة الضوء تبقى ثابتة مهما كانت حركة الأرض.

قاد ذلك إلى تأملات ضرورية في سلوك الضوء –وتناقضه الصريح مع الميكانيكا الكلاسيكية– من طرف الفيزيائي النمساوي إرنست ماخ (Ernst Mach) وعالم الرياضيات الفرنسي هنري بوانكار (Henri Poincare).

بدأ أينشتاين بالتفكير في سلوك الضوء مبكرًا، ففي سن السادسة عشر، في سنة 1895 بالتحديد، قام بتجربة ذهنية، فتخيل نفسه راكبًا موجة ضوء وهو ينظر إلى موجة ضوء أخرى تتحرك بشكل متواز معه.

كانت الفيزياء الكلاسيكية تقول أن موجة الضوء التي ينظر إليها أينشتاين قد تكون لها سرعة نسبية للصفر، لكن ذلك يتعارض مع معادلة ماكسويل التي بيَّنت أن سرعة الضوء ثابتة: 186.000 ميل في الثانية. المشكلة الأخرى مع السرعات النسبية، هي أنها تشير إلى أن قوانين الكهرومغناطيسية تتغير حسب موقع مراقبتك، وهذا ما يتعارض مع الفيزياء الكلاسيكية كذلك، والتي تقول أن قوانين الفيزياء هي نفسها للجميع.

قاد ذلك آينشتاين إلى تأملات متقدمة في نظريته للنسبية الخاصة، والتي قام بترجمتها في المثال الذي قد نراه يوميًا في الشخص الذي يقف قرب قطار متحرك، بمقارنة مواقع المراقبة مع شخص آخر داخل القطار. تخيل القطار وكأنه في مسافة متساوية بين شجرتين.

النسبية الخاصة:نظرية أينشتاين حول النسبية الخاصة و سرعة الضوء مقال مبسط لشرح نظرية أينشتاين حول سرعة الضوء الفيزياء الحديثة

إذا ضربت صاعقة من الضوء الشجرتين في نفس الوقت، وبسبب حركة القطار، الشخص الذي على القطار سيرى الصاعقة وهي تضرب شجرة واحدة قبل الأخرى. لكن الشخص الذي يقف قرب السكة سيرى ضربتين متزامنتين.

النتيجة التي خرج بها آينشتاين أن التزامن نسبي، فالأحداث المتزامنة بالنسبة لمراقب معين قد لا تكون كذلك لمراقب آخر، ذلك الذي قاده إلى فكرة منافية للمنطق حسب الفهم التقليدي للفيزياء، وهي أن الزمن يتدفق بشكل مختلف حسب حالة الحركة، والخلاصة أن المسافة نسبية كذلك.

معادلة شهيرة

لقد قاد عمل أينشتاين إلى نتائج مذهلة، والتي قد تبدو حتى يومنا هذا منافية للمنطق عند أول لمحة، رغم أن فيزياء أينشتاين تدرس غالبًا في الثانويات. تلك إحدى أكثر المعادلات شهرة في الرياضيات، وهي آتية من النسبية الخاصة دون شك. المعادلة E = mc2 تعني أن «الطاقة تساوي الكتلة ضرب سرعة الضوء مربع».

وهذا يظهر أن الطاقة (E) والكتلة (m) متعاوضان؛ فهما شكلان مختلفان لنفس الشيء. إذا ما تحولت الكتلة بطريقة ما إلى طاقة بشكل كامل، ذلك يظهر كمية الطاقة الموجودة داخل تلك الكتلة K وهي كبيرة حتمًا. تعتبر هذه المعادلة من الأمور التي تشرح مدى قوة القنبلة الذرية حينما يتم تحويل كتلتها إلى انفجار.

تشير المعادلة إلى ارتفاع الكتلة بالتناسب مع السرعة، وهذا ما يضع حدًا للسرعة التي قد تصل إليها الأشياء في الكون. باختصار، سرعة الضوء (c) هي أقصى سرعة يمكن لشيء ما الوصول إليها ضمن الفراغ. عندما يتحرك شيء ما، ترتفع كتلته كذلك.

عند الاقتراب من سرعة الضوء، ترتفع الكتلة بشكلٍ كبير لتصبح لا نهائية، وقد تتطلب حجمًا غير محدود من الطاقة لتحريكه، وهذا هو مربط الفرس لتحديد سرعة الأشياء في الكون. الشيء الوحيد الذي يسمح للضوء بالوصول إلى تلك السرعة الهائلة هو أن الفوتونات -الجزيئيات الكمومية التي تشكل الضوء- لها كتلة صفرية.

لكن هناك ظاهرة استثنائية تثير الجدل، يطلق عليها اسم «التشابك الكمومي»، والسبب أنها تتضمن تفاعلًا بين جزيئيات كمومية فيما بينها بسرعات تفوق سرعة الضوء. على وجه التحديد، عند القيام بقياس خصائص جزيء واحد يمكنك معرفة خصائص جزيء آخر، مهما كانت المسافة بينهما. كتبت الكثير من الأوراق العلمية حول الظاهرة، لكنها تبقى غير مفهومة حسب فيزياء أينشتاين.

من النتائج الغريبة لعمل آينشتاين كذلك أن الزمن يتحرك بشكل نسبي للمراقب. الأشياء المتحركة تعيش تمددًا للزمن، بمعنى أن الزمن يتحرك بشكل أبطأ عند التحرك مقارنة بالوقوف. ومن ذلك، الشخص المتحرك يكبر بشكل أبطأ من الشخص الذي في حالة راحة. لذلك نعم، عندما قضى رائد الفضاء سكوت كيلي (Scott Kelly) حوالي سنة كاملة في محطة الفضاء الدولية بين 2015 و2016، كبر أخاه مارك كيلي (Mark Kelly) أسرع بقليل مقارنةً به.

ذلك يصبح أكثر وضوحًا عند الاقتراب من سرعة الضوء. تخيل شخصًا في سن الخامسة عشر مسافرًا بسرعة تصل إلى 99,5% من سرعة الضوء لمدة خمس سنوات. عند عودة ذلك الشاب إلى الأرض، سيكون عمره 20 سنة فقط، حسب وكالة ناسا. لكن زميله في الدراسة من جهة أخرى سيكون في سن الخامسة والستين.

قد تبدو فكرة تمدد الزمن نظريةً فحسب، لكنها تملك تطبيقات في الحياة اليومية رغم ذلك. إذا كنت تمتلك جهاز GPS في سيارتك، فاعلم أن الجهاز يحاول الحصول على الإشارات من ثلاثة أقمار على الأقل لتنسيق موقعك. الأقمار الصناعية بدورها ترسل إشارات راديوية موقوتة يستمع إليها جهازك، ويقوم بتثليث مواقعها بالعودة إلى زمن سفر الإشارات.

التحدي يكمن في أن الساعات الذرية على الأقمار الصناعية تتحرك، وبذلك سيمر الزمن بها بشكل أسرع مقارنة بالساعات الذرية على الأرض، وهذا ما يخلق تفاوتًا زمنيًا. لذلك وحسب ريتشارد بوج (Richard Pogge) عالم الفلك من جامعة أوهايو، يتدخل المهندسون لجعل الساعات على الأقمار الصناعية تعمل بشكل أبطأ لتصبح متزامنة مع تلك الموجودة على الأرض.

يمر الزمن على الساعات الفضائية بشكل أسرع، لأن الأقمار الصناعية توجد فوق الأرض وتطبق عليها جاذبية أضعف. لذلك، ورغم تحرك الأقمار الصناعية وتأخرها في الزمن بحوالي 7 ميكرو ثانية يوميًا بسبب حركتها، فإن نتيجة الجاذبية الضعيفة هي أن الساعات عليها تتقدم بحوالي 45 ميكرو ثانية مقارنةً بالساعات الأرضية. بأخذ كل التفاصيل بعين الاعتبار، تعمل الساعات على الأقمار الصناعية بشكل أسرع من تلك الأرضية بحوالي 38 ميكرو ثانية يوميًا.

النسبية الخاصة وميكانيكا الكم

بتقدمنا في فهم الفيزياء، توجه العلماء نحو مواقف أكثر منافاة للمنطق. من بين ذلك هو الجمع بين النسبية العامة –التي تشرح سلوك الأشياء الكبيرة بشكل جيد– مع ميكانيكا الكم، التي تعمل بشكل أفضل لدراسة وشرح الأشياء الصغيرة جدًا مثل اضمحلال ذرة اليورانيوم. رغم تمكن النظريتين بشكل رائع من شرح مجال عملهما، فإنهما لا يتوافقان أبدًا وهو الأمر الذي حير أينشتاين وأجيالًا من العلماء بعده.

في هذا الصدد نقتبس ما ورد في مقال نشر في صحيفة الجارديان في سنة 2015: «تمنح النسبية أجوبة لا معنى لها عندما نطبقها على الظواهر الكمومية بالحديث عن القيم اللا نهائية عند تفسيرها للجاذبية. ونفس الشيء ينطبق على ميكانيكا الكم، التي تدخل في مشاكل كبيرة إذا ما حاولنا تطبيقها على الأبعاد الكونية».

«تحمل المجالات الكمومية كمية معينة من الطاقة، حتى في الفضاء الذي يبدو فارغًا، وتكبر كمية الطاقة مع كبر المجالات. حسب أينشتاين، الطاقة والكتلة متساويتان -هذا هو مغزى E=mc2- لذلك فتراكم الطاقة هو مثل تراكم الكتلة تمامًا. في حالة ما إذا كبرت المجالات الكمومية حسب هذا المنطق، سيرتفع فيها حجم الطاقة كذلك بشكل هائل لدرجة خلق ثقب أسود يتسبب في انهيار الكون على نفسه».

ظهرت العديد من الأفكار لتجاوز تلك العقبة لا يمكن مناقشتها كلها في هذا المقال، لكن كان من بينها تخيل نظرية في الجاذبية الكمومية لها جزيء صفري الكتلة يسمى الجرافيتون يخلق الطاقة.

لكن كما صرح الفيزيائي دايف جولدبرج (Dave Goldberg) في سنة 2013، هناك إشكالية في الفكرة. في المقاييس الصغرى، سيكون للجرافيتون كثافة طاقة لا نهائية، وهذا ما قد يخلق مجالات جاذبية قوية بشكل غير قابل للتصديق. الأمر يتطلب دراسات معمقة للتحقق من إمكانية تواجد ذلك الجزيء من عدمه.

اقرأ أيضًا:

لماذا لا تستطيع السرعات النسبية التراكم لتجاوز سرعة الضوء؟

هل يعد انتقال المعلومات عبر التشابك الكمومي أسرع من الضوء؟

ترجمة: وليد سايس

تدقيق: علي فرغلي

المصدر