الهيمالايا: تصادمُ قارّتين. من بين أكثر التشكّلات الناتجة عن قوى الصفائح التكتونية وضوحًا ودراماتيكيًة، نجد جبال الهيمالايا الشامخة، والتي تمتدُّ على مسافة 2900 كم على طول الحدود بين الهند والتبت.

بدأت سلسلة الجبال الهائلة هذه بالتشكُّل قبل حوالي (50-40) مليونَ عامٍ مضت، حينها، تصادمتْ كتلتان أرضيّتان ضخمتان (الهند وأوراسيا)، مدفوعتين بحركة الصفائح. ولأنّ كلا الكُتلتين تمتلكان كثافة الصخور ذاتها، لا يمكن لإحدى الصفيحتين أن تنزل أسفلَ الأخرى، ولا يمكن تحرير الضغط الناتج عن الصفائح المتصادمة إلّا عن طريق الاندفاع نحو السماء، وثَنْي منطقة الاصطدام، وتشكيل قمم جبال الهيمالايا الوعرة.

قبل حوالي 225 مليون عام، كانت الهند جزيرةً كبيرةً، متموضعة قُبالة الشواطئ الأُسترالية، ويفصل محيطٌ شاسعٌ – دُعي باسم بحر تيثس (Tethys) – الهندَ عن القارّة الآسيويّة.

عندما تجزّأت بانغيا (Pangea) -كانت بانغيا قارّة هائلة، جمعت كل المساحات اليابسة الموجودة على سطح الكرة الأرضية- قبل حوالي 200 مليون عام، بدأت الهند بالتحرُّك شمالًا. وعن طريق دراسةِ تاريخِ – وتحديدًا انغلاق – بحر تيثس، أعاد العلماءُ بناءَ مسارِ رحلة الهند نحو الشمال. وقبل حوالي 80 مليون عام، كانت الهند على بُعد 6400 كم جنوبي القارّة الآسيوية، متحركًة شمالًا بمعدل 9 أمتار كلّ قرن.

عندما اصطدمت الهند بآسيا قبل حوالي (50-40) مليون عام، تباطَأ تحرُّكها نحو الشمال إلى نصف السرعة تقريبًا. كان الاصطدام وانخفاض تواتر حركة الصفائح علامةً على بدء ارتفاع جبال الهيمالايا المتسارع.

وجهةُ نظر أحد الفنانين حول رحلة أكثر من 6000 كم للصفيحة الهندية قبل اصطدامها بآسيا (الصفيحة الأوراسية). تبيّن الخطوط الداكنة القارات في الحاضر في منطقة المحيط الهندي، لكن لا توجد بيانات جيولوجيّة لتحديد الحجم والشكل الدقيقَين للصفائح التكتونية قبل أن تصبح على صورتها في يومنا هذا. تُعطى الخطوط المتقطّعة الخارجية للكتلة الهندية من أجل المرجع البصري فقط، من أجل إظهار المواقع الوسطية المخمَّنة لأجزائها الداخلية في الماضي الجيولوجي. كانت كتلة «الهند» في أحد الأيام متموضعةً جنوبًا، بعيدًا عن خط الإستواء، ولكن حدودها الشمالية بدأت بالتصادم مع الصفيحة الأوراسية المتجهة جنوبًا قبل حوالي الأربعين إلى خمسين مليون سنة.

وجهةُ نظر أحد الفنانين حول رحلة أكثر من 6000 كم للصفيحة الهندية قبل اصطدامها بآسيا (الصفيحة الأوراسية). تبيّن الخطوط الداكنة القارات في الحاضر في منطقة المحيط الهندي، لكن لا توجد بيانات جيولوجيّة لتحديد الحجم والشكل الدقيقَين للصفائح التكتونية قبل أن تصبح على صورتها في يومنا هذا. تُعطى الخطوط المتقطّعة الخارجية للكتلة الهندية من أجل المرجع البصري فقط، من أجل إظهار المواقع الوسطية المخمَّنة لأجزائها الداخلية في الماضي الجيولوجي. كانت كتلة «الهند» في أحد الأيام متموضعةً جنوبًا، بعيدًا عن خط الإستواء، ولكن حدودها الشمالية بدأت بالتصادم مع الصفيحة الأوراسية المتجهة جنوبًا قبل حوالي الأربعين إلى خمسين مليون سنة.

ارتفعت جبال الهيمالايا وهضبة التبت شمالاً بسرعة كبيرة. وفي 50 مليون عام فقط، ارتفعت قمم (كجبل إفرست) إلى ما يقارب تسعة كيلومترات.
إن تصادم الكتلتين لم ينتهِ بعد، وما زالت جبال الهيمالايا ترتفع أكثر من 1 سم في السنة (أي بمعدل نمو 10 كم في المليون عام!).
إذا كان الأمر كذلك، فلمَ لا تكون جبال الهيمالايا أعلى من هذا الارتفاع؟ يعتقد العلماء أن الصفيحة الأوراسية لربما تتمددّ الآن بدلًا من أن ترتفع نحو الأعلى، وتمددٌّ كهذا قد يؤدي إلى بعض الهبوط نتيجة للجاذبية.

وجد الباحثون طبقات من الحجر الرمليّ الورديّ شمال عاصمة التبت لهسا (Lhasa) بحوالي 50 كم، والذي احتوى على حباتٍ من معدنٍ مغناطيسيّ (الماغنيتيت)، والذي بدوره سجّل نمط الحقل المغناطيسيّ المتقلّب للأرض. واحتوى الحجر أيضًا على أحافيرَ نباتيّة وحيوانيّة، والتي ترسّبت عندما كان بحر تيثس يفيض على المنطقة بشكل دوري.

إنّ دراسة هذه الأحافير لم تُظهر عمرها الجيولوجي فحسب، بل أظهرت أيضاً نوعيّة البيئة والمناخ اللذان تشكلَت خلالهما. مثلًا، تشير دراسات كهذه إلى أنّ تلك الأحافير عاشت ضمن بيئة معتدلة ورطبة نسبيًا قبل حوالي 105 مليون عام، عندما كانت هضبة التبت أقرب إلى خط الإستواء.

اليوم، مناخ التبت أكثر جفافًا، عاكسًا ارتفاع المنطقة وتحرُّكها نحو الشمال لحوالي 2000 كم. تقدِّم الأحافير التي وُجدت في طبقات الحجر الرملي دليلًا ملحوظًا على تغيُّر مناخ منطقة التبت تبعًا لتحرّك الصفيحة خلال المئة مليون عام الماضية.

في الحاضر، حركة الهند تستمرّ في تشكيل ضغط هائل على القارة الآسيويّة، والتبت بدورها تضغط على الكتلة الأرضية التي تحيط بها، محرّكة إياها نحو الشمال. إن التأثير النهائي للقوى التكتونية التي تؤدي دورها في هذه المنطقة المعقدة جيولوجيًا هو ضغطُ أجزاءٍ من آسيا خارجًا نحو الشرق باتجاه المحيط الهادي.

هناك نتيجة خطيرة وحيدة لهذه العمليات، وهي تأثيرُ «دومينو» قاتل: تتراكم ضغوط هائلة في القشرة الأرضية، الأمر الذي يخفَّف دوريًا عن طريق الزلازل على طول الصدوع الكثيرة التي تشوّه مظهر اليابسة. تتعلق بعض أكثر زلازل العالم تدميرًا في التاريخ بالتحولات التكتونية المستمرّة، والتي بدأت قبل حوالي 50 مليون عام عندما تقابلت القاراتين، الهندية والأوراسية للمرّة الأولى. هذه هي قصة جبال الهيمالايا.

اقرأ أيضًا

كيف تكونت الجبال ؟
لماذا توجد الجبال وتحدث الزلازل والبراكين والتسونامي ؟

ترجمة مصطفى عيد – تدقيق عبدالرحمن عبد

المصدر