سجل اليورو أدنى مستوياته منذ ما يقارب 20 عامًا، مهددًا بإلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الأوروبي الذي ما يزال يعاني أعباء التضخم الحاصل، دون وجود أي ملامح للتحسن في المدى المنظور.

انخفض اليورو إلى ما دون 0.99 دولارًا في سابقة لم تحدث منذ أعوام، وذلك بعد إعلان روسيا وقف إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب الرئيسي إلى أوروبا، ما صعّد المخاوف من تفاقم أزمة الطاقة في المنطقة.

ارتبطت قيمة اليورو في الأشهر الأخيرة بأسعار الغاز الطبيعي في علاقة عكسية، إذ إن ارتفاع أسعار مصادر الطاقة يؤثر مباشرة في اليورو فتنخفض قيمته.

تسعى الدول الأوروبية جاهدة للاستغناء عن إمدادات الطاقة الروسية والاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يكفيها لمواجهة الشتاء البارد، إلا أن المستثمرين غير متفائلين ويتنبؤون بضربة موجعة ستصيب الاقتصاد الأوروبي.

الجدير بالذكر أن اليورو الواحد كان يساوي 1.15 دولارًا قبل أشهر قليلة، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى انخفاض قيمته بوتيرة متسارعة.

ما أسباب انخفاض قيمة اليورو؟

يعود انخفاض قيمة اليورو إلى اجتماع عدة أسباب، أبرزها التدهور الاقتصادي العام لمنطقة اليورو، مصحوبًا بارتفاع أسعار الغاز والمخاوف من قطع روسيا إمداداتها من الغاز الطبيعي الذي يشكل الاعتماد الأكبر لدى اقتصادات بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا، كل ذلك أدى إلى إثارة القلق بين المستثمرين والاقتصاديين الذين توقعوا ركودًا أشد عنفًا وأكثر ضررًا لمنطقة اليورو مقارنة بالولايات المتحدة.

إضافة إلى ذلك، يُعد اختلاف أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة ودول اليورو عاملًا مهمًا من عوامل انخفاض قيمة اليورو، فكان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أكثر جرأة في رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، إذ رفع أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 225 نقطة أساس منذ مارس وحتى الآن، بالمقابل رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس فقط.

نوه كارستن برزيسكي كبير الاقتصاديين في ألمانيا والنمسا إلى أهمية تغير أسعار الفائدة بقوله: «ستحتفظ الناس بأموالها في البنوك التي تمنحها عائدات أعلى».

لطالما كان الدولار الأمريكي ملاذًا آمنًا وسط كل الأجواء السلبية المحيطة بالاقتصاد العالمي، إذ ما يزال المستثمرون يشعرون بالراحة تجاه الأمان النسبي الذي يقدمه الدولار، كونه أقل عرضة للمخاطر العالمية الكبيرة التي تزعزع استقرار العملات الأخرى حاليًا.

ما المقصود بتكافؤ اليورو مع الدولار؟

التكافؤ يعني أن الدولار الواحد يساوي يورو واحد، ولا يُعد أكثر من كونه عتبة نفسية للمشاركين في السوق والمعروفين بولعهم بالأرقام والإحصائيات. يصف برزيسكي الحالة بقوله: «إن الأسواق المالية دائمًا ما تتمسك بالمعاني الرمزية».

غالبًا ما يكون التكافؤ نقطة حرجة تترنح عندها قيمة عملة اليورو هبوطًا أو صعودًا حسب عمليات المضاربة التي تحدد اتجاه سير العملة، مثلما حصل في شهر أغسطس الماضي حين انخفض اليورو ليقترب من تكافؤ قيمته مع الدولار لمدة وجيزة قبل أن يعاود الصعود مجددًا.

كيف يؤثر ضعف اليورو في المستهلكين؟

من المؤكد أن انخفاض قيمة اليورو سيزيد من الأعباء الواقعة على عاتق الشركات والمواطنين الأوروبيين الذين يعانون آثار ارتفاع معدلات التضخم أيضًا. بطبيعة الحال، إن ضعف العملة سيزيد من كلفة استيراد المواد الخام والسلع الوسيطة التي غالبًا ما تُسدد بالدولار، فتؤدي إلى زيادة الأسعار المحلية في نهاية المطاف.

عادةً، تُعد العملة الضعيفة محفزًا للاقتصادات القائمة على التصدير مثل ألمانيا، لأنها تعزز الصادرات بجعلها أرخص بالدولار، لكن الأمر مختلف في أيامنا هذه بسبب أزمات سلاسل التوريد حول العالم وتبعات الحرب في أوكرانيا، هذا ما أكده برزيسكي بقوله: «أظن أن لضعف العملة مساوئ تفوق فوائدها، لاسيما مع التوترات الجيوسياسية الحالية».

لحسن حظ الأمريكيين المسافرين إلى أوروبا، فإن ضعف اليورو يعد نعمة بالنسبة إليهم، إذ سيصبحون قادرين على استبدال 1000 دولار مقابل 1000 يورو بدلًا من قيمتها السابقة البالغة 900 يورو في شهر فبراير الماضي. بمعنى آخر، أصبحت دولاراتهم ذات قيمة أعلى. فيما يخص الشركات الأمريكية التي تستورد البضائع الأوروبية، أصبحت وارداتهم أرخص بالدولار أيضًا.

إلى أي حد ستنخفض قيمة اليورو؟

تزداد الرهانات على استمرار انخفاض اليورو مع تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، إذ توقع المحللون الإستراتيجيون في مجموعة نومورا العالمية انخفاض قيمة اليورو لتساوي 0.95 دولارًا، في حين توقع بنك الاستثمار الأمريكي مورجان ستانلي انخفاض قيمة العملة إلى 0.97 دولارًا في هذا الربع من السنة.

يسعى الاتحاد الأوروبي جاهدًا إلى الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين وإيجاد البدائل لهما، وسط مخاوف من انقطاع التيار الكهربائي وتقنين الطاقة التي ترتفع تكاليفها باتساق في الآونة الأخيرة.

كتب جورج سارافيلوس مدير أبحاث صرف العملات في بنك دويتشه رؤيته للوضع الراهن في مذكرة موجهة للعملاء، قال: «تضر الفاتورة المرتفعة التي تُدفع لاستيراد الطاقة بقيمة اليورو ونتوقع تقارب قيمة اليورو مع الدولار على المدى المنظور حتى شهر سبتمبر».

يضيف سارافيلوس: «ما يزال التأثير قريب المدى لأزمة الطاقة سلبيًا تجاه زوج العملات اليورو والدولار، بيد أنه بإمكاننا القول إن المخاطر متوسطة المدى لما بعد الصيف قد بدأت بالانحسار». مشيرًا بذلك إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال في الوقت الذي تنخفض فيه الحاجة إليه، نظرًا إلى اعتماد الصناعات على أنواع أخرى من الوقود في عملياتها.

ماذا يعني ضعف اليورو بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي؟

يضع ضعف اليورو وارتفاع الأسعار في الدول الأوروبية مزيدًا من الضغط على البنك المركزي الأوروبي، لا سيما بعد تأخره في رفع أسعار الفائدة، الأمر الذي عرضه لانتقادات لاذعة بصفته المفوض الرسمي لكبح التضخم الحاصل. الجدير بالذكر أن اليورو لم يضعف مقابل الدولار فحسب، بل أيضًا مقابل عملات أخرى منها الفرنك السويسري والين الياباني.

أعرب فيراج باتيل المحلل الاستراتيجي للعملات الأجنبية في فاندا ريسيرش عن قلقه حيال الأمر بقوله: «يبدو أن انخفاض قيمة اليورو يمتد ليصبح أزمة واسعة النطاق شيئًا فشيء، ما يؤكد لنا بأن التضخم ليس المشكلة الوحيدة التي يتعين على البنك المركزي الأوروبي مواجهتها».

يُذكر بأن البنك المركزي الأوروبي قد رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في يوليو الماضي إثر الانخفاض المستمر لقيمة اليورو، وهي ضعف الزيادة التي أقرها في يونيو الذي يسبقه.

اقرأ أيضًا:

لماذا يعد الفرنك السويسري عملة قوية؟

مؤشر الدولار الأمريكي

ترجمة: ذوالفقار مقديد

تدقيق: أسعد الأسعد

مراجعة: عبد المنعم الحسين

المصدر