في 25 ديسمبر 1991، رُفع العلم السوفيتي فوق الكرملين في موسكو للمرة الأخيرة. أعلن ممثلو الجمهوريات السوفييتية -أوكرانيا وجورجيا وبيلاروسيا وأرمينيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان ومولدوفا وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان- أنهم ما عادوا جزءًا من الاتحاد السوفييتي بعد اليوم. وأعلنوا إقامة رابطة الدول المستقلة. وأعلنت جمهوريات البلطيق الثلاث -لاتفيا وليتوانيا وإستونيا- استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، بقيت واحدة فقط من جمهورياته الخمس عشرة هي كازاخستان. سقط الاتحاد السوفييتي الذي كان قويًا يومًا ما، ويرجع ذلك إلى عدد كبير من الإصلاحات الجذرية التي نفذها الرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف خلال سنوات رئاسته الست. أصيب جورباتشوف بخيبة أمل بسبب تفكك الاتحاد السوفييتي واستقال من منصبه في 25 ديسمبر. كانت تلك نهاية سلمية لحقبة طويلة ومرعبة، وأحيانًا دموية في تاريخ العالم.

أصول الدولة السوفييتية وتطورها

أطاح البلاشفة الثوريون خلال الثورة الروسية عام 1917 بالقيصر الروسي وأُنشئت أربع جمهوريات اشتراكية. سنة 1922، انضمت روسيا إلى الجمهوريات المجاورة ليتشكل اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية. كان الثوري الماركسي فلاديمير لينين الرئيس الأول للدولة الجديدة.

كان من المفترض أن يكون الاتحاد السوفييتي «مجتمعًا ديمقراطيًا حقيقيًا»، لكنه من نواح كثيرة لم يكن أقل قمعًا من الاستبداد القيصري الذي سبقه. كان يحكمه حزب واحد هو الحزب الشيوعي، الذي طالب بولاء كل مواطن في روسيا. بعد عام 1924، عندما تولى الديكتاتور جوزيف ستالين السلطة، مارست الدولة سيطرةً شمولية على الاقتصاد، وأدارت جميع الأنشطة الصناعية وأنشأت المزارع الجماعية. وسيطرت على كل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية. أُلقي القبض على الأشخاص الذين عارضوا سياسات ستالين وأُرسلوا إلى معسكرات العمل الجماعي أو أُعدموا.

بعد وفاة ستالين سنة 1953، شجب القادة السوفييت سياساته الوحشية لكنهم أبقوا على سلطة الحزب الشيوعي. ركزوا خصوصًا على الحرب الباردة مع القوى الغربية، والانخراط في «سباق تسلح» مكلف ومدمر مع الولايات المتحدة، وتدريب القوات العسكرية لقمع المعادين للشيوعية ولبسط هيمنتهم على أوروبا الشرقية.

«جورباتشوف»: غلاسنوست والبريسترويكا

في مارس 1985، تولى ميخائيل جورباتشوف -سياسي قديم في الحزب الشيوعي- قيادة الاتحاد السوفييتي. ورث اقتصادًا كاسدًا وهيكلًا سياسيًا جعل الإصلاح شبه مستحيل.

قدم جورباتشوف مجموعتين من السياسات التي كان يأمل أن تساعد الاتحاد السوفييتي على أن يصبح أمة أكثر ازدهارًا وإنتاجية. عُرفت الأولى باسم «غلاسنوست»، أو الانفتاح السياسي أو الشفافية. أزالت الغلاسنوست آثار القمع الستاليني، مثل حظر الكتب والشرطة السرية المنتشرة في كل مكان، وأعطى حريات جديدة للمواطنين السوفييت. أُطلق سراح السجناء السياسيين. أصبح بإمكان الصحف أن تنشر انتقادات للحكومة. للمرة الأولى، تمكنت أحزاب أخرى سوى الحزب الشيوعي من المشاركة في الانتخابات.

عُرفت المجموعة الثانية من الإصلاحات باسم «البريسترويكا»، أو إعادة الهيكلة الاقتصادية. ظن جورباتشوف أن أفضل طريقة لإنعاش الاقتصاد السوفييتي هي تخفيف سيطرة الحكومة عليه. وافترض أن المبادرات الخاصة ستقود إلى الابتكار، لذلك سُمح للأفراد والجمعيات التعاونية بامتلاك أعمال تجارية للمرة الأولى منذ العشرينيات. مُنح العمال حق الإضراب من أجل تحسين أجورهم وظروف عملهم. وشجع جورباتشوف الاستثمارات الأجنبية في الشركات السوفييتية.

أصول الدولة السوفييتية وتطورها - انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه - ثورات 1989 وسقوط الاتحاد السوفييتي - «جورباتشوف»: غلاسنوست والبريسترويكا

مع ذلك، فإن هذه الإصلاحات المتأخرة لم تؤت ثمارها. قضت البريسترويكا على «الاقتصاد الموجه» الذي حافظ على الدولة السوفييتية في العقود السابقة، وبالمقابل فإن اقتصاد السوق استغرق وقتًا حتى ينضج. لخص غورباتشوف المشكلة في خطابه الأخير قائلًا: «انهار النظام القديم قبل أن يصبح النظام الجديد جاهزًا للعمل». بدا أن التقنين والشح والطوابير التي لا تنتهي على المواد النادرة هي النتائج الوحيدة لسياسات غورباتشوف، فتزايد إحباط الشعب.

ثورات 1989 وسقوط الاتحاد السوفييتي

اعتقد جورباتشوف أنه من الأفضل للاقتصاد السوفييتي أن يُنشئ علاقات مع سائر العالم، خاصةً الولايات المتحدة. حتى عندما أطلق الرئيس رونالد ريغان على الاتحاد السوفييتي لقب «إمبراطورية الشر» وأطلق حشدًا عسكريًا هائلًا، تعهد جورباتشوف بالانسحاب من سباق التسلح. وأعلن أنه سيسحب القوات السوفييتية من أفغانستان حيث كانوا يخوضون حربًا منذ 1979، وقلل الوجود العسكري السوفييتي في دول حلف وارسو في أوروبا الشرقية.

كان لسياسة عدم التدخل عواقب وخيمة على الاتحاد السوفييتي إذ سببت أولًا تفكك تحالفات أوروبا الشرقية التي وُصفت بأنها «تنهار مثل بسكويتة مملحة جافة في غضون بضعة أشهر فقط».

اندلعت الثورة الأولى عام 1989 في بولندا، حيث ساوم النقابيون غير الشيوعيين الحكومة لإجراء انتخابات حرة وحققوا فيها نجاحًا كبيرًا. أدى هذا إلى اندلاع ثورات سلمية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. وسقط جدار برلين في نوفمبر، وفي الشهر ذاته أطاحت الثورة في تشيكوسلوفاكيا بالحكومة الشيوعية. لكن تلك الأحداث لم تخلُ من عنف إذ أُعدم الديكتاتور الروماني نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته في ديسمبر.

انهيار الاتحاد السوفييتي

سرعان ما ساد جو التخلخل الاتحاد السوفييتي نفسه. اقترن الإحباط من سوء الاقتصاد مع نهج عدم التدخل الذي اتبعه جورباتشوف تجاه الجمهوريات السوفييتية، ما ألهم حركات الاستقلال في الجمهوريات الواقعة على أطراف الاتحاد السوفييتي. وأعلنت جمهوريات البلطيق الواحدة تلو الأخرى استقلالها عن موسكو.

في 18 أغسطس 1991 وضع أعضاء من الحزب الشيوعي والجيش والحكومة غورباتشوف قيد الإقامة الجبرية. كان السبب الرسمي للتحفظ عليه هو عدم قدرته على القيادة لأسباب صحية، لكن الشعب عرف الحقيقة. وأعلن قادة الانقلاب حالة الطوارئ.

تحرك الجيش باتجاه موسكو لكن قوبلت دباباته بالمتاريس البشرية ودافع المواطنون عن البرلمان الروسي. كان بوريس يلسين رئيس البرلمان آنذاك على رأس الحشود. وفشل الانقلاب بعد ثلاثة أيام.

في 8 ديسمبر، سافر غورباتشوف المحرر حديثًا إلى مينسك، حيث التقى بقادة جمهوريتي بيلاروسيا وأوكرانيا، ووقع اتفاقية انفصال البلدين عن الاتحاد السوفييتي، بهدف إنشاء رابطة الدول المستقلة. نصت الاتفاقية ضمنيًا على أن «الاتحاد السوفييتي لم يعد موجودًا دوليًا وجيوسياسيًا». بعد أسابيع قليلة تبعت 8 جمهوريات من أصل 9 المتبقية بيلاروسيا وأوكرانيا، وأعلنت استقلالها عن الاتحاد السوفييتي بعد اجتماع في «ألما آتا»، كازاخستان اليوم. وانضمت جورجيا إليهم بعد عامين.

بالعودة إلى موسكو، كان نجم جورباتشوف يأفُل في حين سطع نجم سياسي آخر هو بوريس يلسين، الذي واجه الدبابات أمام البرلمان ذلك اليوم، وسيطر على البرلمان والاستخبارات الروسية. كانت استقالة جورباتشوف أمرًا متوقعًا، يوم عيد الميلاد عام 1991 نزل عن منصبه وقال: «نعيش اليوم في عالم جديد.

وُضع حد للحرب الباردة ولسباق التسلح والجنون العسكري، وللأمور التي شلت اقتصادنا وعطلت الاتجاهات العامة والأخلاق». لقد سقط الاتحاد السوفيتي العظيم.

اقرأ أيضًا:

كل ما تود معرفته عن جدار برلين

نيقولا الثاني.. آخر قياصرة روسيا

ترجمة: وراد الحماده

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر