اكتشف العلماء تقنية جديدة لتحليل نوع شائع من البلاستيك إلى منتج ثانوي يمكن إعادة تدويره لصنع مواد ذات قيمة أكبر. وبالاستعانة بالرطوبة الموجودة في الهواء، سيمكن تحليل النفايات البلاستيكية!

تعتمد طريقة التحليل لهذا النوع الشائع من البلاستيك على استخدام محفّز رخيص الثمن، وهو مادة تسرّع التفاعلات الكيميائية، ثم يعرض البلاستيك هذا للهواء العادي ما يؤدي إلى تحلل 94% منه خلال أربع ساعات فقط.

تمكن العلماء من تحويل النفايات البلاستيكية إلى حمض التريفثاليك، وهو مركب أساسي يُستخدم في صناعة البوليستر. يتميز حمض التريفثاليك بقيمته العالية نظرا لإمكانية إعادة تدويره إلى مواد أكثر فائدة، ما يجعل هذه العملية ليست فقط وسيلة فعالة لتحليل البلاستيك، ولكن أيضًا فرصة لإنتاج مواد ذات قيمة. مقارنة بأساليب إعادة التدوير الحالية، فإن هذا النهج الجديد أكثر أمانًا وأقل تكلفة. نشر الباحثون دراستهم في فبراير 2025 في مجلة Green Chemistry.

تناول البروفيسور يوسي كراتيش من جامعة نورث وسترن مشكلة التلوث البلاستيكي الكبيرة في الولايات المتحدة، ففيها يُعاد تدوير 5% فقط من البلاستيك. ويُعد هذا البحث الجديد مبتكرًا لأنه اكتشف طريقة استخدام الرطوبة من الهواء لتحليل البلاستيك بطريقة سليمة وفعالة جدًا. تتيح هذه العملية استعادة المونومرات، وهي المكونات الأساسية البلاستيك المصنوع من مادة بولي إيثيلين تيرفثالات، ما يسمح بإعادة تدويرها أو حتى تحويلها إلى مواد ذات قيمة أكبر.

أصبحت النفايات البلاستيكية مشكلة عالمية كبيرة، إذ يؤدي الارتفاع السريع في إنتاج البلاستيك إلى زيادة النفايات والتلوث البيئي. وبحسب وكالة البيئة الأوروبية، أكثر من نصف البلاستيك المصنّع أُنتِج بعد عام 2000، ما يوضح مدى تفاقم المشكلة بسرعة. ومن المتوقع أن يتضاعف إنتاج البلاستيك بحلول عام 2050، ما يؤكد ضرورة اعتماد حل جذري لتجنب تفاقم المشكلة.

تمثل النفايات البلاستيكية تهديدًا كبيرًا، إذ يُعاد تدوير 9% فقط من إجمالي البلاستيك المُنتج. أما الباقي فما زال متراكمًا في البيئة وسيبقى لأجيال عديدة ما لم تعتمد طرق إعادة التدوير الفعالة السابقة. يؤدي هذا التراكم إلى حدوث عواقب وخيمة، إذ ينتهي بعض البلاستيك في المحيط، مكونًا بقعًا ضخمة من النفايات العائمة التي تضر بالحياة البحرية. ومع مرور الوقت، يتحلل البلاستيك إلى جزيئات دقيقة قد تدخل جسم الإنسان وحتى دماغه.

استخدم العلماء محفز الموليبدينوم -وهو معدن فضي مرن- لتحليل النفايات البلاستيكية بفعالية إلى جانب الكربون النشط، وقد طبقت هذه المواد على بلاستيك مادة بولي إيثيلين تيرفثالات، وهو النوع الأكثر شيوعًا من بلاستيك البوليستر.

تحللت الروابط الكيميائية في البولي إيثيلين بسرعة عند تسخين الخليط، ما كشف طريقة جديدة لإعادة تدوير البلاستيك بكفاءة أعلى. وبعد التسخين، عرّض الباحثون الخليط للهواء، ما أدى إلى حدوث تحول كيميائي.

أسفر هذا التفاعل عن تحلل النفايات البلاستيكية إلى حمض التريفثاليك، وهو مركب مهم يُستخدم في صناعة البوليستر والأسيتالديهيد، وهو مركب كيميائي صناعي مهم يتميز بسهولة فصله عن الخليط، ما يجعل العملية فعالة وقابلة لإعادة التدوير.

اختبر الباحثون طريقتهم على أنواع مختلفة من البلاستيك الممزوج. ولاحظوا أن العملية تستهدف المواد البوليسترية خاصةً دون التأثير على أنواع البلاستيك الأخرى. تُعد هذه ميزة كبيرة لأنها تلغي الحاجة إلى فرز البلاستيك مسبقًا، ما يجعل عملية إعادة التدوير أكثر كفاءة.

نجحت الطريقة في تحليل الزجاجات البلاستيكية، والقمصان، وحتى البلاستيك الملون، وتحويلها إلى حمض التريفثاليك النقي وعديم اللون، ما يجعله قابلًا لإعادة الاستخدام في تطبيقات مختلفة.

وأوضح البروفيسور كراتيش أن الطريقة عملت بطريقة مثالية تحت الظروف المناسبة. لكن عندما أضيفت كمية زائدة من الماء إلى الخليط، توقف التفاعل لأن الماء الزائد تداخل معه. وهذا يؤكد وجود توازن دقيق، لكن لحسن الحظ، كانت نسبة الرطوبة الطبيعية في الهواء مناسبة لإنجاح العملية.

ويخطط الباحثون للمرحلة التالية من المشروع بتوسيع نطاق اعتماد طريقتهم في إعادة التدوير في المجال الصناعي.

أعرب نافين مالك -بوصفه المؤلف الرئيسي للدراسة- عن الفائدة المتوقعة لهذه التقنية. وأكد أنها قد تقلل كثيرًا من التلوث البلاستيكي وتساعد على تقليل الأضرار البيئية الناجمة عنه. بالإضافة إلى ذلك، تروج التقنية للاقتصاد الدائري حيث يتم إعادة استخدام المواد بدلًا من التخلص منها. وأكد مالك أن هذه خطوة عملية نحو مستقبل أكثر استدامة وصداقة للبيئة، وأنها تُبين كيف يمكن للكيمياء المبتكرة تقديم حلول للتحديات العالمية بما يتماشى مع الطبيعة.

اقرأ أيضًا:

تحويل الغازات الدفيئة وبقايا البلاستيك إلى وقود مستدام

باحثون يحولون البلاستيك إلى ألماس ونوع جديد من المياه باستعمال ليزر قوي

ترجمة: آية شميّس

تدقيق: وسام صايفي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر