استكشف الفيزيائي ريتشارد ليو لأول مرة فكرة وجود الجاذبية دون وجود كتلة، والآن لديه نموذج كوني جديد يتجنب الحاجة إلى وجود الطاقة المظلمة.

رغم وجود أدلة مقنعة تدعم فكرة وجود قوة تنافر شبيهة بالطاقة المظلمة، لم تُرصد أو تُقاس قياسًا مباشرًا بعد.

لتجاوز هذه القطعة المفقودة المربكة من لغز الكون، طور الفيزيائيون نظريات بديلة تفسر تسارع توسع الكون دون الاعتماد على الطاقة المظلمة.

تقترح نظرية جديدة، افترضها فيزيائي من جامعة ألاباما في هنتسفيل، أنه يمكن للتفردات المتعددة التي تومض وتختفي في الكون أن توفر المادة والطاقة التي رُصدت على مدى عقود.

عام 1998، أكد مشروعان مستقلان -مشروع علم الكونيات باستخدام المستعرات العظمى، وفريق البحث عن المستعرات العظمى- أن توسع الكون يتسارع. لكن توجد مشكلة: لا يفسر فهمنا الحالي للفيزياء هذه الظاهرة.

افترض العلماء أنه لا بد من وجود «طاقة مظلمة» مجهولة في الكون تدفعه إلى التوسع باستمرار، لكن كما تقول عالمة الكونيات النظرية كايتي ماك: «لا يمكننا رؤيتها، ولا نعرف ماهيتها، ولسنا متيقنين حتى من إمكانية وجودها».

في العقود التالية لهذا الاكتشاف، دعمت أدلة مستقلة هذه الفكرة، لكن هذا الشكل المحير من الطاقة -الذي يُقدّر أنه يشكل نحو 70% من الكون- لم يُرصد أو يُقاس مباشرةً حتى الآن.

نظرًا إلى أن العلم يرفض الفراغ المعرفي، ظهرت نظريات بديلة لتفسير التسارع الكوني، في محاولة لتجاوز لغز الطاقة المظلمة، مثل «ديناميكيات النوتونية المعدلة»، و«علم الكون الزمني»، وهي نظرية تعزو الطاقة المظلمة في الأساس إلى سوء فهم تمدد الطاقة الحركية على المقاييس الكونية.

الآن، توصل ريتشارد ليو، الفيزيائي من جامعة ألاباما في هنتسفيل، إلى مقاربة جديدة لشرح الكون لا تحتاج إلى الطاقة المظلمة، ولا حتى إلى الانفجار العظيم.

ليو ليس غريبًا عن التفكير الكوني غير التقليدي، فقد تصدر العناوين العام الماضي لتلميحه إلى إمكانية وجود الجاذبية من دون كتلة، مع أن الفكرة كانت تعتمد على الكتلة السالبة، وهي فرضية مثل الطاقة المظلمة.

تبني هذه الدراسة الجديدة نموذجًا كونيًا حول فكرة أن تسارع الكون ناتج من تعدد التفردات التي تظهر وتختفي من الوجود. لا يعتمد هذا المفهوم في عمله على الكتلة السالبة أو الكثافة السالبة.

«يمكن للنموذج الجديد أن يحسب تكون البنى واستقرارها، والخصائص الرصدية الأساسية لتوسع الكون، بالاستعانة بتفردات الكثافة في الزمن التي تؤثر تأثيرًا موحدًا في الفضاء، لتحل محل المادة المظلمة والطاقة المظلمة التقليدية».

تُنتج هذه «التفردات الزمنية المتقطعة» انفجارات متدرجة تُغرق الكون دوريًا بالمادة والطاقة. تكمن المشكلة في صعوبة رصدها لأنها تحدث بسرعة شديدة. ليو ليس أول من يقترح فكرة إنتاج الكون للطاقة بمرور الوقت. فمن أربعينيات إلى ستينيات القرن الماضي، كانت فرضية تُعرف باسم «نظرية الحالة الثابتة» المنافس الرئيسي لنظرية الانفجار العظيم. يزعم ليو أن نظريته تُصلح أحد أكبر عيوب نظرية الحالة الثابتة.

«تخالف فرضية «الحالة المستقرة» قانون حفظ الكتلة والطاقة. في النظرية الحالية، الافتراض هو أن المادة والطاقة تظهر وتختفي في دفعات مفاجئة، ومن المثير للاهتمام أنه لا يوجد خرق لقوانين الحفظ. إن أصل هذه التفردات الزمنية مجهول، ويمكن القول إن الأمر ذاته ينطبق على لحظة الانفجار العظيم».

كما هو الحال مع أي نظرية بديلة تتخلى عن الطاقة المظلمة، لا يستند هذا النموذج إلى بيانات تجريبية تدعمه.

لحسن الحظ، صُمم تلسكوب نانسي غريس رومان الفضائي، المقرر إطلاقه عام 2027، خصيصى لاستكشاف الكون بحثًا عن أدلة على وجود الطاقة المظلمة.

حتى ذلك الحين، يفترض علماء الكونيات طرقًا لتفسير التسارع المرصود لتوسع الكون. لكن سيتطلب الأمر بيانات دقيقة لإثبات هل الطاقة المظلمة -أو بديل آخر مثل تعدد التفردات- هي القوة الكونية المجهولة التي طال البحث عنها؟

اقرأ أيضًا:

المادة المظلمة قد تكون مصدرًا لطاقة غير محدودة

حسابات جديدة تُظهر أن معظم الكون مصنوع من الطاقة المظلمة

ترجمة: لور عماد خليل

تدقيق: زين حيدر

المصدر