طور العلماء نظامًا جديدًا لتعديل الجينات يمكنه نسخ جينات كاملة في الحمض النووي البشري، وقد يصبح يومًا ما طريقة أكثر فعالية لعلاج الأمراض الوراثية الناجمة عن مجموعة متنوعة من الطفرات.
حتى الآن، اقتصر اختبار هذا النموذج مخبريًا على الخلايا البشرية. لكن إذا ثبت أمانه وفعاليته لدى المرضى، فقد يصبح بديلًا لأدوات تعديل الجينات التقليدية التي تستهدف طفرات نقطية محددة في الحمض النووي. فبدلًا من تصحيح طفرة جينية واحدة، تتيح التقنية الجديدة إدخال نسخة وظيفية كاملة من الجين داخل خلايا الشخص.
يقول إسحاق ويتي، طالب الدكتوراه في جامعة هارفارد والمؤلف المساعد في الدراسة: «قد تنتج المتلازمات الجينية من طفرات متعددة في الجين المعني. مثلًا، ينجم التليف الكيسي عن أكثر من 2000 طفرة مختلفة في جين محدد، وغالبًا ما يتطلب علاج هذه المتلازمات تعديل الجينوم لمواجهة عدة طفرات في آن واحد، وهو ما يستلزم جهدًا منظمًا ودقيقًا للغاية».
«تتمثل الاستراتيجية البديلة في إدخال جين جديد بالكامل لتعويض الجين المتضرر. يتيح محرر الجينات الجديد هذا النوع من التعديلات، إذ يمكنه استبدال الجين المتضرر بجين سليم في الحمض النووي البشري. مع ذلك، ما زال هذا المحرر بحاجة إلى مزيد من البحث لتطويره من نموذج مخبري إلى أداة طبية قابلة للاستخدام، وهو ما يسعى له الباحثون بحماسة».
تطوير النموذج في المختبر:
تُعرف أنظمة CRISPR التقليدية باسم «المقص الجزيئي»، لأنها تستخدم بروتينات لقص الحمض النووي. وتوجد هذه الأنظمة طبيعيًا في البكتيريا، التي تستخدمها للدفاع ضد الفيروسات الغازية.
أما محرر الجينات الجديد، فمع أنه مستوحى أيضًا من البكتيريا، فإنه لا يقطع الحمض النووي، بل ينقل أجزاء كبيرة منه من موقع إلى آخر بطريقة دقيقة وموجهة للغاية. تُعرف هذه الأنظمة باسم المستبدلات CASTs (المرتبطة بـCRISPR)، وقد عُرفت منذ عام 2017 وسيلةً لنقل الجينات، سواء داخل جينوم الخلية نفسها أو بين جينومات خلايا مختلفة.
تُعد تقنية CASTs واعدة لأنها، على عكس المقص الجزيئي، لا تُحدث قطعًا في الحمض النووي، على هذا فهي لا تعتمد على آليات الخلية لإصلاح الضرر الناتج عن القطع، وهي آليات غالبًا ما تُصعب إدخال حمض نووي جديد، وتزيد من خطر حدوث طفرات غير مرغوب فيها. من ثم تُقلل تقنية CASTs من هذه المخاطر.
«المركبات الطبيعية لـCASTs البكتيرية لم تُظهر فعالية جيدة في الخلايا البشرية. ففي دراسات سابقة قادها صامويل ستيمبرغ، أستاذ الكيمياء الحيوية والفيزياء الحيوية الجزيئية المساعد في جامعة كولومبيا والمشارك في الدراسة الجديدة، جرى اختبار هذه الأنظمة على الخلايا البشرية، لكنها كانت غير فعالة إلى حد بعيد، إذ دمجت الحمض النووي في أقل من 0.1% من الخلايا».
لذلك، عمل ويتي وستيمبرغ وفريقهما على تطوير نسخة أكفأ من CAST للاستخدام البشري. بدؤوا بالاعتماد على نظام CAST من بكتيريا الزوائف الكاذبة، الذي أظهر نشاطًا ضعيفًا سابقًا، ثم دمجوه مع نموذج يسمى PACE، يسرع تطور الأنظمة الجينية بإدخال طفرات جديدة بعد كل جولة ناجحة.
باستخدام هذه المنهجية، طور الفريق نسخة جديدة من CAST أطلقوا عليها اسم evoCAST، أظهرت كفاءة أعلى بنحو 200 ضعف مقارنةً بالنظام الأصلي.
«استغرقت العملية أكثر من 200 ساعة باستخدام PACE، أي ما يعادل عدة مئات من الأجيال التطورية. ولو استخدمنا الطرق التقليدية، لاستغرق الأمر سنوات».
الخطوات التالية:
يوضح ويتي أن نظام evoCAST يتضمن 10 طفرات رئيسية تجعله قادرًا على العمل بكفاءة داخل الخلايا البشرية، إلا أن أداءه لا يزال يتفاوت بين أنواع الخلايا المختلفة، وهو ما يتطلب أبحاثًا إضافية لفهم الأسباب.
اختبر الفريق فعالية evoCAST في مناطق الجينوم المرتبطة ببعض الاضطرابات الوراثية، مثل فقر دم فانكوني، ومتلازمة ريت، وبيلة الفينيل كيتون، ووجدوا أنه يعمل في نحو 12% – 15% من الخلايا المعالجة. مع أن هذه النسبة قد تبدو منخفضة، فإن كفاءة 100% ليست ضرورية دائمًا لعلاج الأمراض الوراثية، إذ تختلف النسبة المطلوبة بحسب الحالة.
اختُبر evoCAST في تعديل الخلايا المناعية المستخدمة في علاجات CAR-T (الخلايا التائية المُعدلة بمستقبلات خيمرية)، وهي علاجات مبتكرة للسرطان، وأظهرت التقنية فعالية مماثلة في هذا المجال. الأمر الذي يفتح المجال لاستخدام evoCAST في التعديل الجيني في المختبرات لإنتاج علاجات خلوية متقدمة.
يختتم ويتي: «من الضروري أن تركز الأبحاث المستقبلية على إيجاد أفضل الطرق لإيصال evoCAST إلى الخلايا المستهدفة داخل الجسم. هناك العديد من المجالات التي تحتاج إلى استكشاف، وبالطبع، يتطلب ذلك تمويلًا. وقد دعم المعهد الوطني للصحة (NIH) دراستنا جزئيًا، إلا أن التمويل تقلص مؤخرًا، وتواجه جامعات كبرى مثل هارفارد تحديات في تعويض هذه التخفيضات، وهو ما نعمل على تجاوزه بنشاط».
اقرأ أيضًا:
العلاج الجيني: الخطوة الكبرى القادمة لعلاج فقدان البصر؟
لا مستحيل أمام العلم، عصر العلاج الجيني قد بدأ
تقنية كريسبر – كاس 9 ( CRISPR – Cas9 ) مستقبل العلاج الجيني
ترجمة: حيان الحكيم
تدقيق: يامن صالح