عند غمسِ أنبوبٍ في وعاءٍ مملوءٍ بالماء، فإنَّ الماء سيرتفع داخل الأنبوب، تسمّى هذه الظاهرة (الخاصيّة الشَعريّة للسوائل – liquid capillarity ).

تُعتبر هذه الخاصيّة مسؤولةً عن العديد من العمليّات الطبيعيّة والتقنيّة، كامتصاص الأشجار للماء، وارتفاع الحِبر في القلم المدّاد، وامتصاص الإسفنج للماء.

ولكن ! ماذا يحدُث إذا انغمسَ أنبوب في وعاءٍ غير مملوءٍ بالماء؛ وإنمّا بالرمل؟ إن الإجابةَ هي: (لا يحدُث شيء) .

ومع ذلك، فإذا تم هزُّ الأنبوب صعودًا ونزولًا، عندها ستبدأ الرمال بالصعود.

وقد اكتشفَ العلماء حديثًا الآليّة وراء هذا التأثير، وأطلقوا عليها اسم ( تأثير الشعريّة الحُبيبيّة – granular capillary effect).

فقد قام كلٌ من الدكتور »إيريك بارتيلي – Eric J. R. Parteli « من قسم علوم الأرض في جامعة كولونيا و البروفسور » فنغشان فان – Fengxian Fan « من جامعة شنغهاي للعلوم والتكنولوجيا والبروفسور » تورستن بوشل – Thorsten Pöschel « بنشرِ نتائِج دراساتهم عن (أصل الشعريّة الحُبيبيِّة التي كشفت عنها المحاكاة القائمة على الجُسيمات) في الرسائل الفيزيائيّة المنقّحة.

تَنتج الخاصيّة الشعريّة للسوائل عن تفاعل القوى الجزيئيّة المختلفة: إنَّ التجاذب بين جزيئات السائل يُبقيها معًا، في حين أنّ التجاذب بين الجزيئات والأنبوب يدفع السائل نحو الأعلى.

هذا التفسير يعوقُ حدوث هذه الخاصيّة الشعريّة في الرمل؛ لأنَ حُبيبات الرمل أكبر بكثير من الجُزيئات المُكوّنة لها، والتي يمكن إهمال القوى بينها بأمان مقارنةً بقوى الجاذبيّة والقصور الذاتيّ.

بالرغم من ذلك، وبشكلٍ مُفاجئ، لوحِظ وجودُ خاصيّة شعريّة حُبيبيّة في التجارب المخبريّة، وذلك إذا ما تعرَّضت المواد الحُبيبيّة لاهتزازٍ عموديّ صغير لا تتجاوز قوّته قِطر بضع حبّاتٍ وبترددٍ مُنخفضٍ جدًا.

وكان أصل تأثير الخاصيّة الشعريّة الحبيبيّة غامضًا لفترةٍ طويلة حتّى نجح فريق العلماء الدولي بالكشف عنه.

وقد قام العلماء بالتحرّي عن مُشكلة استخدام طريقة المُحاكاة العدديّة القائمة على الجُسيمات والتي تُسمّى » طريقة العنصر المنفصل – Discrete Element Method «.

يتم في هذه الطريقة حسابُ مسارِ كل حبّة على حدة عن طريقِ حلٍ عددي لمعادلات نيوتن في الحركة الانتقاليّة والدورانيّة الناتجة عن القوى التي تعمل على كل الحبوب.

ومن الممكن تتبّع مسار وسرعة جميع الحبّات من خلال هذه التجربة العددية، بما في ذلك تلك الحبّات التي في عُمق مُجمَل الحُبيبات والتي يَصعُب تقييمها في المخبر.

لاحظَ فريق البحث في مُحاكاتهم، أنَّ ما يجعل عمود الرمل يصعد في الأنبوب هو حركة الحمل الحراري لحبّات الرمل ضمنَ المُتلقّي، والذي هو مُلازمٌ للمواد الحُبيبيّة تحت تأثير الاهتزازات العموديّة.

يُسبب تدفق الحمل الحراري هذا بنقل الكتلة جانبيًّا أثناء تعبئة الحُبيبات المُهتزّة، الأمر الذي يؤدّي إلى تزايدٍ في الضغط على قاعدة عمود الرمل مما يجعله يصعد داخل الأنبوب.

ووجد العلماء أن مقدار ومدى سرعة ارتفاع العمود يعتمدان على حجم الأنبوب؛ فقد أظهرت المُحاكاة بشكلٍ ملحوظ أن ارتفاع السطح المحدّب الحُبيبي (إرتفاع الشعريّة التي يصل إليها العمود الحُبيبي بعد فترة طويلة من الزمن) يتناسب عكسيًا مع حجم الأنبوب، وهذا السلوك ينطبق تمامًا في الخاصيّة الشعريّة للسوائل على الرغم من اختلاف القوى الدافعة بين النظامين بشكلٍ كبير.

وأظهر الفيزيائيّون في دراستهم أنَّ التأثير الشعري نفسه يمكن أن ينتج عن هز الأنبوب بدلًا من الوعاء، مما يفتح المجال لتطبيقاتٍ واعدة في قِطاعَي التسليم والنقل.

فيمكن على سبيل المثال، ضحُ الجُسيمات من حاوياتٍ كبيرة جدًا فقط باستخدام الخاصيّة الشعريّة الحُبيبيّة.

ويتم حاليًا دراسة العمليّة بمزيد من العمق، وذلك لفهم تأثير النظام وهندسة الجسيمات.


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق: عمر النجداوي
  • تحرير: عيسى هزيم
  • المصدر