أصبح التحفيز الكهربائي للدماغ يُستخدم بشكل متزايد لتعزيز القدرة الإبداعية.

مقالة جديدة تعرض الآثار الأخلاقية والقانونية والاجتماعية لهذه الظاهرة.

قد يبدو الإبداع الذي يُنفَّذ بواسطة آليات دماغية دقيقة كعملية تلقائية وفوضوية جدًا بحيث لا يمكن للعلم اكتشفاها. على الرغم من ذلك، أثبتت التقدّمات الأخيرة في علم الأعصاب إمكانية ذلك فعلًا.

إن العمليات التي قد لا يكون العلم قادرًا على فهمها فحسب -وأيضًا التأثير عليها- هي التي تدعم ما يبدو غير متوقّع من عملية الإبداع.

على سبيل المثال، نحن نعلم أن الشبكة الافتراضية للدماغ تشترك في أحلام اليقظة أو التركيز على العواطف الداخلية وتجاهل العالم الخارجي.

قد يكون نشاط هذه الشبكة الدماغية مسؤولًا عن المرحلة الأولى للإبداع فتخلق أفكارًا إبداعية في حالة الخمول واللا وعي.

على العكس، فإن دخول (وضع التعديل) حيث يستطيع المبدع صقل وتلميع عمل فني أو مقالة أو أغنية يتطلّب تفعيل شبكة (الانتباه التنفيذي – Executive attention).

هل وجود مثل هذه المعرفة في علم الأعصاب يساعد في خلق الإبداع؟ هل يمكننا استخدام البيانات العصبية وأدوات علم الأعصاب لعلاج حالة تعثّر الكاتب مثلًا -حالة يتوقف فيها الكاتب عن الإبداع لأسباب مختلفة-؟

هل يمكن استخدام الكهرباء لتحفيز الإبداع؟

يعتقد ذلك بعض الباحثين. على سبيل المثال، آدم غرين –مدرّس مساعد في قسم علم النفس في جامعة جورج تاون في واشنطن– أجرى دراسة تستخدم تقنية تسمى (التحفيز الكهربائي للدماغ لتحفيز الإبداع)، إذ يُمَرَّر تيار كهربي ضعيف إلى الجمجمة من خلال أقطاب صغيرة مثبّتة فوق فروة الرأس لدقائق معدودة.

يُعتَقد أن مثل هذا التحفيز يعدّل النشاط العصبي والسلوك الضمني.

تُستَخدَم هذه التقنية لمساعدة الناجين من السكتات الدماغية ليستعيدوا مهاراتهم الحركية واللغوية، ولعلاج الأشخاص المصابين بالاكتئاب.

ومع ذلك، عندما يتعلّق الأمر باستخدام هذه التقنية -لا لإعادة تأهيل ولكن لتعزيز مهارة مثل الإبداع- فإن العديد من الآثار الأخلاقية والقانونية والاجتماعية يجب تناولها.

مقالة جديدة شارك فيها غرين تسلّط الضوء وتكشف هذه الآثار.

جايمس جيوردانو، رئيس برنامج الدراسات العصبية في المركز الطبي بجامعة جورج تاون، ورائد هذه المقالة، والتي نُشرت في صحيفة (Creativity Research).

أدمغة الأطفال، سلامتهم، ومجتمع «افعلها بنفسك»

(«افعلهابنفسك» – Do It Your Self “DIY”) هي طريقة بناء، تعديل، أو إصلاح أشياء بدون مساعدة مباشرة من الخبراء والمحترفين.

وفقًا لوجهة نظر جيوردانو وزملاؤه، فإن عددًا من التداعيات من المحتمل أن يثير القلق نتيجة استخدام تلك التقنية لتحفيز الإبداع.

أوّلًا، أجهزة التحفيز الكهربي للدماغ تُباع مباشرة للمستهلك وغالبًا ما تُصنَّع بطريقة «افعلها بنفسك» ما يُبرز خطر استخدام تلك التقنية لتعزيز الإبداع في الأطفال.

يقول آدم غرين: «هناك العديد من المخاوف المحتملة تجاه الأشخاص الذين يستطيعون تصنيع هذا الجهاز ويمرّرون التيار الكهربي لأدمغتهم ذاتيًا، ولكن استخدام تلك التقنية يُعدّ أمرًا لا مفرّ منه.

وبالطبع في أي وقت هناك خطر لاستخدام التكنولوجيا، وأكثر المخاطر رعبًا تلك المتعلّقة بالأطفال وعقولهم التي ما زالت في مرحلة التطور».

ثانيًا، أوضح الباحثون المخاوف الأمنية التي تنتج عن مثل هذه الصناعات التي يسهل تصنيعها بواسطة أشخاص عاديين وانتشارها على نطاق واسع.

يقول جيوردانو: «هذا النوع من التطبيقات يمكن أن يشكّل تحدّيات معيّنة في هذه القيود والتي لا يتم تقديرها أو التقيّد بها، وفي معظم الحالات لا يُنظَر إليها».

بالرغم من أهمّية موضوع السلامة والأمان، سلّط المحقّقون الضوء على التوازن الدقيق بين احترام القانون وتمكين مجتمعات «افعلها بنفسك» لإنشاء أجهزة مبدعة وربما أكثر فعّالية.

يضيف بروفيسور جيوردانو: «يمكن أيضًا أن توفّر طبيعة «افعلها بنفسك» بيئة من التكرارات الرائدة وغير المسبوقة في العلوم والتكنولوجيا والأساليب والتطبيقات. هذا ليس بالضرورة أمرًا سيّئًا في حد ذاته، كما أنه –في الحقيقة- قد يتجاوز السائد إلى حدِّ ما».

ومع ذلك يحذّر جيوردانو من أنه هنالك قلقًا مُبرّرًا من إمكانية هذه المحاولات لأن تسفر عن مشاكل أمنية.

وفي ضوء ذلك، استطرد قائلًا: « نحن نطالب بإجراء حوار مستمر مع مجتمع «اصنعها بنفسك» لنبقى على اتصال بالتقنيات وتأثيراتها حتى نكون على دراية بما يجري وكيفية ونتائج مثل هذا العمل الذي قد يكون مهمًا لتطوير المجال وتوفير الرعاية السريرية لأي أعراض سلبية».

لقد لاحظ الفريق أيضًا المخاطر المتمثّلة في أن الاستخدام المتزايد لتقنية التحفيز الكهربي للدماغ لتحسين الإبداع على نطاق واسع ربما يسبّب خلقًا تعسّفيًا لاضطراب جديد يمكن علاجه باستخدام التحفيز الكهربي للدماغ.

لاحظ أيضًا بروفيسور جيوردانو وزملاؤه تطلّع العلماء الشديد لاستخدام تلك التقنية لعلاج مشاكل الذاكرة في حالات التنكّس العصبي والمشاكل الإدراكية في مرض باركنسون والألم المزمن وأعراض معيّنة للقلق.


  • ترجمة: مينا أبانوب
  • تدقيق: علي فرغلي
  • تحرير: محمد سفنجة
  • المصدر