من المعلوم أن التأمل يمنح الاسترخاء على المدى القصير، لكن المثابرة عليه قد تساعد أيضًا على الحد من آثار التوتر المزمن تبعًا لما توصلت إليه دراسة جديدة.
استقصى الباحثون التعبير الجيني والوظيفة الإدراكية ومستويات الكورتيزول في الشعر لدى الأشخاص الذين مارسوا (التأمل التجاوزي – TM) مدة 12 أو 40 عامًا.
أظهر أولئك الذين لديهم أربعة عقود من الخبرة في ممارسة التأمل التجاوزي انخفاضًا في المؤشرات الحيوية للتوتر المزمن والشيخوخة البيولوجية، مقارنةً بمجموعات التحكم من الأشخاص الذين لا يمارسون التأمل في نفس العمر.
تقول عالمة الفيزيولوجيا في جامعة مهاريشي الدولية في الولايات المتحدة كينيث والتن: «وسّع انخفاض التعبير عن الجينات المرتبطة بالعمر وانخفاض مستوى الكورتيزول في الشعر لدى مجموعة التأمل التجاوزي من نتائج الدراسات قصيرة المدى التي أشارت إلى أن هذه الممارسات تؤخر الشيخوخة وتمنح تكيفًا مرنًا للتعامل مع التوتر».
تعود أصول التأمل التجاوزي إلى عادات قديمة في التقاليد الدينية الفيدية في الهند، لا سيما بعد التبني الواسع للاعتقاد بالتقمص وانتشاره مؤخرًا في القرن العشرين على يد الزعيم الروحي مهاريشي ماهش يوغي المعروف باسم مهاريشي.
تتضمن الطريقة التكرار الهادئ للتعويذة الشخصية خلال جلستين يوميًا مدة 20 دقيقة، ويتبع المدربون المعتمدون نظامًا موحدًا أنشأه مهاريشي لتعليم تقنيات التأمل التجاوزي، يسمى أحيانًا تقنيات الوعي.
تقول عالمة الفيزيولوجيا الجزيئية في جامعة مهاريشي الدولية سوبايا وينوغانين: «تقدم هذه الدراسة دليلًا على الفوائد الصحية العديدة للممارسة طويلة الأمد لتقنيات التأمل التجاوزي على المستوى الجزيئي».
وجدت وينوغانين وزملاؤها في الأبحاث السابقة، 200 جين متغاير بين ممارسي التأمل التجاوزي وغير الممارسين للتأمل. ونظرًا إلى احتمال وجود فوائد صحية محتملة من تلك التباينات، فقد سعوا إلى معرفة المزيد عبر دراستهم الجديدة.
وجدت الدراسة الجديدة أن التعبير عن الجينات المرتبطة بالالتهاب والشيخوخة كان أقل لدى ممارسي التأمل التجاوزي، ويتضمن ذلك جين SOCS3 المتعلق بالتوتر المزمن واستقلاب الطاقة.
يشير انخفاض التعبير عن هذه الجينات إلى أن الأشخاص الذين يمارسون التأمل يبدون فعالية أقل لجينات التوتر المزمن.
تتوافق هذه النتائج أيضًا مع سابقتها، التي تشير إلى أن التأمل التجاوزي قد يحسن من كفاءة استقلاب الطاقة.
مع ذلك، من المهم ملاحظة أن هذه النتائج قد لا تظهر سببًا وتأثيرًا مباشرين، فقد يُحتمل امتلاك أولئك الذين يمارسون تمارين التأمل لسمة أخرى غير معروفة مسؤولة عن الفوائد المرتبطة بها، أو أن يكونوا مهتمين بصحتهم عمومًا أكثر ممن لا يمارسون التأمل.
قيّم الباحثون الوظيفة الإدراكية باستخدام (تخطيط الدماغ الكهربائي – EEG)، إذ من المعلوم أن الإدراك يتراجع مع التقدم في العمر. كشفت النتائج أن ممارسي التأمل الأكبر سنًا لديهم سرعة معالجة إدراكية مماثلة لأولئك الأشخاص الأصغر سنًا.
حقق ممارسو التأمل التجاوزي على المدى الطويل نتائج أفضل على مقياس (المعالجة الدماغية – BIS)، وهو مقياس مصمم من أجل تقييم القدرات المعرفية المختلفة مثل الانتباه وسرعة الاستجابة.
يقول عالم الفيزيولوجيا الحيوية في جامعة مهاريشي الدولية فريدريك ترافيس: «النتائج المتعلقة بالوظيفة الإدراكية مبشّرة، وأظهر كل من ممارسي التأمل الأصغر سنًا والأكبر سنًا درجات أعلى في اختبار BIS مقارنةً بغير الممارسين، وتساوى أداء ممارسي التأمل الأكبر سنًا مع أداء ممارسي التأمل الشباب».
يضيف: «وهذا يعزز النتائج التي توصلنا إليها باستخدام الاستجابات المحرضة بالاستثارة، ما يشير كذلك إلى امتلاكها تأثيرًا وقائيًا ضد التدهور المعرفي مع تقدم العمر».
قارن الباحثون تركيز هرمون الكورتيزول الستيروئيدي مع الكورتيزون غير النشط في الشعر، ووجدوا أن نسبة الأنواع النشطة إلى غير النشطة كانت أقل بين ممارسي التأمل مقارنة بغيرهم من غير الممارسين.
ما يشير أيضًا إلى انخفاض مستويات التوتر، ويدعم النتائج الأخرى التي تربط بين ممارسة تمارين التأمل وانخفاض التوتر.
تقول والتن: «للكورتيزول دور مهم في استجابة الجسم للتوتر، وترتبط مستويات الكورتيزول المرتفعة المزمنة بمجموعة من المشكلات الصحية المرتبطة بالشيخوخة، إضافة إلى التدهور المعرفي».
أضافت: «يشير انخفاض نسبة الكورتيزول إلى الكورتيزون لدى المتأملين إلى امتلاكهم قدرة تكيف أكبر ومرونة أكثر، ما يعزز الصحة العامة ويطيل العمر».
نُشرت الدراسة في مجلة Biomolecules.
اقرأ أيضًا:
قد يكون العصب المبهم مفتاحًا لمحاربة القلق والتوتر
كيفية استخدام الأعشاب للحد من القلق والتوتر
ترجمة: حيان الحكيم
تدقيق: تمام طعمة
مراجعة: ميرڤت الضاهر