الكون كبير جدًا بدرجة يصعب تخيلها، ويزخر بمصادر لا حصر لها لعوالم قابلة لإنتاج الحياة، فأين هم الفضائيون إذن؟! جوهر هذا التساؤل هو أساس مفارقة فيرمي: الشذوذ العلمي المحير في أنه مع وجود مليارات النجوم في مجرتنا درب التبانة، ناهيك بالنجوم خارجها، لم نصادف أي إشارة تدل على وجود حضارة فضائية متقدمة، لماذا؟

إنه سؤال مهم، وقد سعت أجيال من العلماء والمفكرين لإجابته منذ صياغة المفارقة قبل عقود.

يقترح البعض أن الفضائيين يغطون في سبات عميق، أو أن شيئًا غامضًا يمنع تطورهم، أو قد يكون السبب أنهم لا يريدون التعامل معنا ببساطة!

سنة 2018، وضع عالم الفيزياء النظرية أليكسندر بيريزن، من الجامعة الوطنية لبحوث التكنولوجيا الإلكترونية في روسيا، تفسيره الخاص لكوننا وحيدين في الكون، فاقترح ما يسميه تفسير: «ما يدخل أولًا، يخرج أخيرًا» لمفارقة فيرمي.

وفقًا لبيريزن، فإن للمفارقة حل بسيط، لا يحتاج إلى افتراضات مثيرة للجدل، ومع هذا قد يصعب تصديقه، لأنه يتوقع لحضارتنا مستقبلًا أسوأ من الانقراض!

يرى بيريزن أن مشكلة بعض الحلول المقترحة لمفارقة فيرمي تكمن في التعريف الضيق جدًا لحياة الفضائيين.

تفسير جديد محبط لعدم رؤيتنا للفضائيين - لماذا لم نصادف أي إشارة تدل على وجود حضارة فضائية متقدمة - السبب في عدم مصادفتنا للفضائيين - مفارقة فيرمي

يقول بيريزن: «إن طبيعة الخاصة للحضارة الناشئة على المستوى النجمي ليست بذات أهمية، ربما كانوا كائنات بيولوجية مثلنا، أو أجهزة ذكاء اصطناعي محتالة ثارت على صانعها، أو أدمغة بحجم الكواكب مع أنظمة موزعة كما يصفها الكاتب البولندي ستانيسلاف ليم في رواية الخيال العلمي سولاريس».

لكن حتى مع نطاق واسع كهذا، ما زلنا لا نرى أي دليل على وجود هذه الأشياء في الكون.

لحل هذه المفارقة، يقول بيريزن إن العامل الوحيد الذي يجب أن نهتم به -فيما يتعلق بتعريفنا للحياة الخارجية- هو درجة التطور الفيزيائي الحاصل لها، الذي يسمح لنا برصد وجودها. يقول: «إن المتغير الوحيد الذي نستطيع قياسه بموضوعية، هو احتمالية أن تصبح الحياة الخارجية قابلة للاكتشاف من الفضاء الخارجي ضمن مدى معين من كوكب الأرض، وللتبسيط فلنسمه العامل (أ)».

إذا لم تتمكن حضارة خارجية من الوصول إلى العامل (أ) بطريقة ما -سواءً بتطوير آلية للتنقل في الفضاء الخارجي، أو ببث الاتصالات عبر الفضاء، أو أي وسيلة أخرى- فقد تكون موجودة، لكنها لا تشارك في حل المفارقة.

في الواقع، فإن حل «ما يدخل أولًا، يخرج أخيرًا» الذي اقترحه بيريزن هو سيناريو أكثر كآبة. يقول بيريزن: «ماذا لو كانت أول حياة تطور قدرة التنقل الفضائي، تدمر بالضرورة كل منافس لها لتغذية توسعها في الفضاء؟».

وفقًا لبيريزن، لا يعني هذا بالضرورة أن حضارة خارجية فائقة التطور ستقضي عمدًا على جميع أنماط الحياة الأخرى، لكن قد يكون السبب أنهم ببساطة لن يلاحظوا فعلهم هذا، مثلما يدمر عمال البناء أعشاش النمل لبناء المنشآت، لأنهم لا يملكون حافزًا لحمايتها.

إذن، هل يقترح بيريزن أننا نحن النمل، والسبب في عدم مصادفتنا للفضائيين هو ببساطة أن حضارتنا لم تدمرها حياة خارجية خارقة دون وعي حتى الآن؟

الجواب هو لا، لأننا على الأرجح لسنا النمل، بل المدمرين المستقبليين لجميع العوالم التي كنا نبحث عنها طوال الوقت!

يتساءل بيريزن: «بافتراض صحة هذه الفرضية، ماذا يعني هذا لمستقبلنا؟ التفسير الوحيد هو استدعاء المبدأ الإنساني، فنحن أول من وصل إلى المسرح الفضائي وعلى الأغلب آخر من يغادره».

مرة أخرى، مثل هذا التدمير المحتمل لا يتطلب أن يكون مُخططًا له سابقًا، بل قد يحدث بوصفه نظامًا خارج عن السيطرة كليًا، ويتجاوز أي محاولات فردية للتحكم فيه.

يطرح بيريزن رأسمالية السوق الحر مثالًا، ومخاطر الذكاء الاصطناعي غير المقيد بتراكم قوته مثالًا آخر. ويقول: «يستطيع نظام ذكاء اصطناعي محتال أن يشغل عنقودًا مجريًا هائلًا بنسخ من نفسه، محولًا كل نظام شمسي فيه إلى حاسوب خارق، وسيكون التساؤل (لماذا فعل هذا؟) عبثيًا، فما يهم أنه قادر على فعله».

إن هذا منظور مرعب لمفارقة فيرمي، فقد نكون الفائزين في سباق مميت لم نكن نعلم بوجوده، أو كما صاغ الأمر أندرو ماسترسن في مجلة كوزموس: «نحن حل المفارقة الذي أصبح جليًا».

حتى بيريزن يعترف أنه يأمل أن يكون مخطئًا! إن لكثير من العلماء الآخرين نظرة أكثر تفاؤلًا بكثير حول موعد التقائنا بحضارة فضائية متقدمة.

لكن آراء هذا العالم الفيزيائي هي آخر التصريحات العلمية حول لماذا يبدو مصيرنا الحتمي أن نحدق إلى النجوم وحدنا في كل زمان ومكان، بقدر ما نأمل عكس ذلك.

اقرأ أيضًا:

ما هي مفارقة فيرمي ؟ هل نحن وحدنا في هذا الكون ؟

ثلاثة من أعظم العقول في العالم يفندون مفارقة فيرمي

ترجمة: سامي أنضوني

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر