تدور الأقراص الغبارية والغازية الضخمة حول الثقب الأسود فائق الكتلة على مسافة تقدر بمليارات السنوات الضوئية ما يصعب علينا دراستها وقياس دورانها، ولكن توصل علماء الفلك إلى أسلوب جديد مكنهم من قياس دوران خمسة أقراص مزودة (Accretion discs)، واحد منهم موجود في نجم زائف يعرف باسم (تقاطع أينشتاين) ويدور بسرعة بلغت 70% من سرعة الضوء، (سُمي تقاطع أينشتاين نظرًا لتأثره بظاهرة العدسة الجذبوية ليظهر بشكل مميز مثل الصليب).

صورة لتقاطع أينشتاين. مصدر الصورة: wikimedia

يقوم الاستنتاج على قياس الإشعاع السيني المنبعث وظاهرة العدسة الجذبوية (العدسة الثقالية)، وينتج عن الكتلة الضخمة للأجرام الكونية مثل المجرات وعناقيد المجرات التي يتكون منها مجال جاذبية ضخم في نسيج الزمكان حولها، وهو ما يسبب الانبعاجات في الزمكان وبالتالي ينبعج مسار الضوء القادم من الخلف خلال هذا المجال الجذبوي فيما يعرف بظاهرة العدسة الجذبوية، والتي ينتج عنها تشكل عدة صور مكبرة للجرم نفسه لتمكن العلماء من دراسته بشكل أوضح.

الاعتماد على هذا التأثير نادر، فهي ظاهرة كونية نعتمد عليها إذا حالفنا الحظ ووجدناها مؤثرةً على جرم ندرسه، وهناك عدد قليل من الأجرام المتأثرة بتلك الظاهرة، منها بعض النجوم الزائفة التي ساعدتنا دراستها على فهم العديد من القضايا الكونية.

تتكون النجوم الزائفة من أقراص مزودة تدور بعنف حول ثقب أسود فائق، ما يولد طاقةً هائلةً تنتج عن احتكاك المادة أثناء الدوران العنيف، ما يجعلها من ألمع الأجرام الكونية والتي تصدر كميةً كبيرةً من الأشعة السينية التي يمكن رصدها من مسافات شاسعة قد تصل لمليارات السنوات الضوئية خاصةً إذا حالفنا الحظ ورصدناها متأثرةً بظاهرة العدسة الجذبوية التي تمكننا من رؤية تفاصيل أوضح.

قاس الباحثون في هذه الدراسة معدل دوران خمسة نجوم زائفة متأثرة بالعدسة الجذبوية تبعد عنا مسافات تتراوح من 8.8 إلى 10.9 مليارات سنة ضوئية، وأضاف الفريق البحثي وسيلة أخرى تساعد في عملية القياس، وهي ظاهرة العدسة الصغرى الجذبية (microlensing)، والتي تنتج عن جاذبية النجوم الصغيرة نسبيًا مقارنةً بالمجرات والعناقيد المجرية، وتوفر هذه الإضافة أدق النتائج إذ أنها تضيف إمكانية تكبير وتضخيم للإشعاع المرصود.

نعلم أن الثقب الأسود الدوار -الذي يدور حول محوره- يسحب نسيج الزمكان من حوله إليه في ظاهرة أوضحها أينشتاين في النسبية العامة وتعرف باسم تباطؤ الإطار المرجعي (frame-dragging)، لذلك نرى أن الحافة الداخلية المواجهة للثقب الأسود الدوار من القرص المزود الذي يدور حوله تكون أقرب إلى الثقب مقارنة مع القرص المزود الذي يدور حول ثقب أسود غير دوار.

تنبعث الأشعة السينية نتيجةً للاحتكاك العنيف بين مادة القرص المزود أثناء دورانه الشديد بالقرب من الثقب الأسود لتكوّن هالةً أو إكليلًا من الطاقة الحرارية العالية فوق القرص بالقرب من الثقب الأسود. تلك الأشعة السينية المنبعثة تعكس حالة الحافة الداخلية للقرض ولكنها تنحرف وتتشوه بفعل تأثير الجاذبية الهائلة للثقب الأسود التي ينتج عنها انبعاج الزمكان حوله.

عندما نرصد منطقةً ضيقةً من الأشعة السينية نستدل من هذا أن المدار ضيق للغاية وقريب من الثقب وهذا ما يدل على شدة دوران الثقب حول محوره.

وفقًا للنتائج والملاحظات التي حصل عليها الفريق من مرصد (تشاندرا-Chandra) للأشعة السينية التابع لناسا، تمكن الفريق من قياس معدل دوران الثقوب السوداء حول محورها.

كان الثقب الأسود المسمى (تقاطع أينشتاين) هو الأسرع بين الخمسة، إذ وجدوا أن الأشعة السينية المنبثقة تنبعث من مسافة بحجم أفق حدث الثقب الأسود مرتين ونصف فقط أي أنها قريبة للغاية منه، ومعدل دوران الثقب الأسود يقدر بحوالي 70% من سرعة الضوء.

أما الثقوب الأربعة الأخرى كانت تشع الأشعة السينية من مسافات تصل لحجم أفق الحدث الخاص بكل ثقب أربع أو خمس مرات، ومن هذا نستنتج أنها تدور بسرعات أبطأ تصل إلى نصف سرعة دوران الثقب المسمى بتقاطع أينشتاين (أي حوالي 35% من سرعة الضوء).

بالإضافة لتلك النتائج، وجد العلماء قدرًا من الانحراف والتشوه في الأشعة عند الثقوب الخمسة، وهذا يدل على قرب الأقراص المزودة منها ودورانها السريع حول محورها.

تلك الثقوب ضخمة للغاية، بكتل تتراوح بين 160 إلى 500 مليون مرة من كتلة الشمس، بينما الثقب الأسود فائق الكتلة في مركز مجرتنا كتلته تبلغ أربعة ملايين الكتلة الشمسية فقط.

يرى الباحثون أن تسارع الثقوب السوداء بالنجوم الزائفة يرجع لامتصاصها الهائل للمادة من الأقراص المزودة عبر بلايين السنين بصورة مستمرة مع غياب أي قوى تباطؤ أخرى فكانت المحصلة هي التسارع المستمر لتلك الثقوب السوداء.

كتب الباحثون في دراستهم الذين قاموا بنشرها أن تلك الطريقة -لسوء الحظ- يمكن أن تستخدم فقط لقياس معدل دوران عينات محدودة؛ وذلك يرجع إلى مدى إمكانية رصد التليسكوبات الحالية للأشعة السينية.

لهذا يأمل الفريق أن تتوفر تليسكوبات أكثر تطورًا بالمستقبل لخدمة الأبحاث العلمية في هذا الشأن.

يمكنك الاطلاع على البحث من هنا

اقرأ أيضًا:

رسميًا، تم رصد موجات الجاذبية، أينشتين كان محقًا

الكشف عن نظرية أينشتاين المفقودة !

ترجمة: محمد شريف

تدقيق: رند عصام

المصدر