يمثل النص الذي وُجد في أعماق المعابد والمعالم التذكارية والأضرحة المصرية القديمة بقايا معقدة من التاريخ، فإلى جانب الأهرامات والمومياوات، يُعد نظام الكتابة الذي ظهر بصورٍ نمطية للناس والحيوانات والأشياء واحدًا من أكثر الاكتشافات المثيرة للاهتمام في الحضارة المصرية القديمة.

ينحدر اسم الكتابة الهيروغليفية من كلمة يونانية تعني النقش المقدس، وقد وُجدت منقوشة على الجدران الحجرية منذ أكثر من 5000 سنة مضت، وبقيت مستخدمة حتى بداية القرن الرابع الميلادي. زخرف المصريون القدماء أعماق المعابد والمعالم والمقابر بالكتابة الهيروغليفية، كتبوا بها على ورق البردي وهو ورق قديم مصنوع من القصب. وفيما يلي ثمان حقائق.

1. تستخدم الهيروغليفية الصور، لكنها ليست كتابةً تصويرية

من السهل الافتراض أن الهيروغليفية تمثل صورًا لأن الرموز المستخدمة فيها تبدو كصورٍ مصغرة عن الأشخاص والحيوانات وغيرها. لكن بعض حروفها تشير إلى أصوات في اللغة المصرية القديمة، تمامًا مثل الحروف الرومانية، والبعض الآخر رموز تصويرية (كتابة تمثيلية) تمثل مفاهيم عامة، لكنها لا تملك صوتًا مرافقًا.

2. رُبطت الكتابة الهيروغليفية بنخبة المعابد

يشرح البروفيسور الفخري في المعهد الشرقي التابع لجامعة شيكاغو بيتر ف. دورمان: «شاع وجود الكتابة الهيروغليفية المبكرة على بقايا القبور الموجودة في المقابر الملكية في أبيدوس التي سبقت الفترة التاريخية. ولأن الهيروغليفية تستخدم الصور فالارتباط المبكر بالفن الرسبي مثبَت، خاصةً تمثيل الملك مع ألقابه الملكية الموجودة على صروح تذكارية وضعت في المعابد القديمة».

وفقًا لدورمان، مع أن الأسلوب استُخدم في نهاية المطاف لأنماطٍ أخرى من الكتابة، فإن الهيروغليفية لم تفقد أبدًا اتصالها الأولي بالسياقات النخبوية في الأماكن التذكارية كالمعابد والمقابر.

استخدم عامة الشعب أيضًا في بعض الأحيان الكتابة الهيروغليفية في معابدهم ومقابرهم الخاصة، شريطة أن يكونوا أثرياء كفاية لتحمّل نفقات نقاشي الحجر.

3. استخدم المصريون القدماء أشكالًا أخرى من الكتابة

طوّر المصريون القدماء أنماطًا أخرى من الكتابة أكثر سهولة، لأن الكتابة الهيروغليفية كانت على درجة عالية من التعقيد. إذ ظهرت الكتابة الهيراطيقية، وهي منحنيات مكتوبة باستعمال قلم أو فرشاة على ورق البردي أو على قطعة من الحجر الجيري (الكلسي) تسمى الأوستراكون. واستُخدمت عمومًا على ورق البردي وهو مادة هشّة سهلة الكسر. يقول دورمان أنها نادرًا ما استُخدمت للكتابة على المعالم الرسمية.

الديموطيقية طريقة أخرى من الكتابة طُوّرت في فترة القرن الثامن قبل الميلاد، واستُخدمت لكتابة الوثائق اليومية والأعمال الأدبية.

4. امتلكت الكتابة الهيروغليفية تفاصيلًا غريبة

لا يوجد فراغات بين الكلمات في الكتابة الهيروغليفية ولا علامات ترقيم، ما يعني أنه على القرّاء الإلمام بالقواعد المصرية القديمة، وامتلاك فكرة بسيطة حول سياق الرسالة ليستطيعوا التمييز بين الكلمات الفردية والجمل والفقرات المستقلة.

بخلاف الإنكليزية الحديثة، لم تكن قراءة الهيروغليفية بالضرورة أفقية من اليسار إلى اليمين. إذ كانت كتابتها ممكنة سواء من اليسار إلى اليمين أو من اليمين إلى اليسار عموديًا وأفقيًا.

5. استطاع قِلة من المصريين قراءة الكتابة الهيروغليفية

لم يتمكن أحد سوى الكهنة من قراءة الكتابة الهيروغليفة في فترات الحضارة المصرية القديمة الأخيرة. وفقًا لجيمس بي آلان في كتابه (الوسط المصري: مقدّمة للغة والثقافة الهيروغليفية): «النقوش التي كانت موجهة لعدد أكبر من الناس، نُقشت بالطريقة الديموطيقية».

6. انقرضت الكتابة الهيروغليفية تدريجيًا

وفقًا للكاتب ستيفان روسيني فقد استبدلت اليونانية اللغةَ المصرية بوصفها لغة رسمية في المحاكم بعد قدوم السلالات البطلمية ذوي الأصول المقدونية، إذ بدأوا حكم مصر في فترة القرن الثالث قبل الميلاد.

لاحقًا بعد 600 عام، سنّ الإمبراطور الروماني المسيحي ثيودوسيوس مرسومًا قضائيًا في عام 384 ميلادي يمنع ممارسة الديانة الوثنية في مصر، وكان هذا بداية النهاية لاستخدام الهيروغليفية.

كتب هيلاري ويلسون في كتابه (فهم الهيروغليفية: دليل تمهيدي تنافسي): «في الوقت الذي نقشت فيه آخر كتابة هيروغليفية في معبد فيلة عام 394 قبل الميلاد، لم يوجد سوى قلة من النحاتين المتبقين الذين يستطيعون استيعاب ما طُلب منهم نحته على الجدران».

7. أدّى حجر الرشيد إلى تقدم كبير

عام 1799، اكتشف جنود نابليون في مصر لوحًا حجريًا في أثناء ترميمهم لحصن في مدينة الرشيد، أصبح يُعرف باسم حجر الرشيد. نُقش عليه نص واحد بثلاثة أنماط كتابة مختلفة، الكتابة الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية القديمة. وبتحليل اللغات الثلاث تمكن الباحثون من فك رموز الكتابة الهيروغليفية.

وبدأ العالم البريطاني توماس يونغ بدراسة الحجر عام 1814، واستدل أولًا على أن بعض الرموز كانت تهجئة صوتية لأسماء ملكية. ثم بين عامي 1822 و1824 كان عالم اللغويات الفرنسي جين فرانسوا شامبليون قادرًا على إثبات أن الهيروغليفية مزيج من الصوتيات والرموز التصويرية، واستطاع فك شيفرة النص، الذي كان رسالة من كهنة مصر لبطليموس الخامس كُتبت عام 196 قبل الميلاد.

قال دورمان: «في النهاية، كان لشامبليون الدور الأكبر بفضل دراسته المعمقة في القبطية، التي كانت أحدث طور من الكتابة المصرية. سمحت له هذه المعرفة بإدراك ميّزات قواعدية اندثرت مبكرًا».

8. ما زال فك رموز الكتابة الهيروغليفية تحديًا

ما يزال التوصل إلى معاني نصوص الكتابة الهيروغليفية يمثل تحدّيًا صعبًا للباحثين، ويتطلّب قدرًا معينًا من التفسير الذاتي، وحتى قراءتها ليس سهلًا.

قال دورمان: «ليس استعمال الرموز الصوتية ما يجعل الترجمة شاقة، بل حقيقة أنه لم يُكتب النطق الكامل للغة المصرية القديمة. لذا لفظ الكلمات وخاصةً تعقيدات النظام اللفظي المصري بقي موضع تخمين».

اقرأ أيضًا:

عشرة أشياء لم تكن تعرفها عن مصر القديمة

كيف أصبحت القطط رمزًا إلهيًا في مصر القديمة

ترجمة: عطاء نضال الصوفي

تدقيق: سماح عبد اللطيف

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر