كشفت دراسة هي الأولى من نوعها أنه مع تقدمنا في العمر تزداد مستويات جزيء يساهم في إخماد جزيء آخر مسؤول عن تكوين عظام سليمة. تشير الدراسة نفسها أيضًا إلى أن تصحيح هذا الخلل في توازن الجزيئات من شأنه أن يحسن من صحة العظام، وهذا يمكن أن يفتح سبلًا جديدة لعلاج هشاشة العظام (osteoporosis).

هشاشة العظام تصيب حوالي 200 مليون امرأة حول العالم. في الواقع، واحدة من ثلاث نساء وواحد من خمسة رجال في سن الـ50 فما فوق يُحتمل أن يصابوا بكسرٍ في العظم وذلك بسبب هشاشة العظام. في الولايات المتحدة، تُشير التقديرات إلى أن 44 مليون شخص من الذين تفوق أعمارهم الـ50 سنة يعيشون هذه الحالة، ما يجعلها مشكلة صحية عامة.

هناك دراسة جديدة تقربنا من فهم طريقة تدهور الحالة الصحية للعظام بسبب هشاشة العظام، وتقربنا كذلك من طرق جديدة لحل هذه الحالة. نتائج هذه الدراسات تُفسِّر النظام الذي يسير به جزيء يؤدي إلى الهشاشة التدريجية للعظام مع تقدمنا في السن.

الدكتور فولزيل Sadanand Fulzele، أحيائي متخصص في العظام ويعمل بقسم جراحة تقويم العظام بجامعة أوغوستا- Augusta University بولاية جورجيا، وهو باحث ومشارك في البحث، والذي تم نشره في “The Journal of Gerontology: Biological Sciences”.

التركيز على مسؤول جزيئي صغير

الدكتور فولزيل وزملاؤه يفسرون طريقة تكون العظام والتي تبدأ بالخلايا الجذعية الوسيطة. هذه الخلايا يُمكن إيجادها في نخاع العظم والتي يمكن أن تكون غضروفًا، عظمًا أو دهونًا في نخاع العظم.

إحدى هذه العوامل المُحددة للشكل الذي ستتخذه هذه الخلايا هو جزيء مسؤول عن نقل الإشارات داخل الجسم ويُسمى بعامل “الخلية اللحمية المشتقة” (SDF-1) stromal-cell-derived. أظهرت دراسة سابقة لنفس الفريق مدى أهمية خلايا SDF-1 لانقسام الخلايا الجذعية الوسيطة إلى مختلف الخلايا المهمة لصحة العظام.

وأظهرت الدراسات التي أجراها الباحثون في التجارب المخبرية والحيوية الدور الهام لهذه الجزيئات المسؤولة عن نقل الإشارات داخل الجسم، كما أنها؛ أي SDF-1، تلعب دورًا هامًا في إصلاح العظام وتحمي خلاياها من الأكسدة، هذا الأخير يمثل خللًا في التوازن بين الجذور الحرة؛ وهي الذرات التي تحتوي على إلكترون مفرد واحد، ومضادات الأكسدة في الجسم والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى تلف ومرض الأحماض النووية. أيضًا، برهنت دراسات سابقة أن مستويات خلايا SDF-1 تتراجع في الفئران المتقدمة في السن. لذلك أراد الدكتور فولزيل وفريقه فهم طريقة تنظيم مستويات هذا الجزيء.

في بعض دراساته السابقة، أثبت الدكتور فولزيل أن جزيئًا صغيرًا يُطلق عليه اسم “microRNA-141-3p”، يمنع فيتامين C -وهو مضاد أكسدة رئيسي- من الوصول إلى خلايا العظام بجسمنا.

إن فريق الدكتور فولزيل كان يعرف مسبقًا أن هذه الخلية تمنع الخلايا الجذعية الوسيطة من الانقسام إلى خلايا أخرى، إضافة إلى أن الخلية نفسها تتزايد مع التقدم في السن. افترض الدكتور وفريقه أن هذه الخلية هي المسؤولة عن خفض مستوى خلية SDF-1، وهذه هي إحدى أهم الطرق التي يمنع بها جزيء microRNA-141-3p التكوُّن الصحي للعظام.

استرجاع الوظيفة العادية للعظام رغم التقدم في السن

لاختبار هذا، قام الدكتور فولزيل وزملاؤه بتحليل الخلايا الجذعية الوسيطة لكل من الإنسان والفئران. وقد لاحظوا أن مستوى microRNA-141-3p في الخلايا الحديثة السن منخفض، بينما تضاعف هذا المستوى ثلاث مرات في الخلايا المتقدمة في السن. والعكس صحيح بالنسبة لمستوى SDF-1.

قام الباحثون بعد ذلك بحقن microRNA-141-3p بالخلايا الجذعية الوسيطة لأشخاص بالغين تتراوح أعمارهم ما بين 18-40 سنة، وكذلك كبار السن الذين تتراوح أعمارهم ما بين 60-85 سنة وخضعوا لجراحة تقويم العظام. إن حقن microRNA-141-3p قد جعل مستويات SDF-1 تنخفض بسرعة وتُسبب إفرازًا للدهون من طرف الخلايا الجذعية أكثر من إفرازها لخلايا العظام. وقد أعلن الباحثون أنه مع التقدم في السن، يُصبح إفراز الخلايا الدهنية أسهل من إفراز خلايا العظام.

أيضًا أضاف الفريق جزيء microRNA-141-3p إلى خلايا العظام فأدى ذلك إلى تدهور وظيفة العظام. ولكن استعماله ككابح لجزيء microRNA-141-3 قد ساهم في تحسين وظيفة العظام.

يُفسِّر الدكتور فولزيل أن نتائج البحث تُشير إلى أن استعمال كابح لجزيء microRNA-141-3p يمكن أن يُساهم في استمرار الخلايا الجذعية في الانقسام إلى خلايا عظام رغم التقدم في السن والحالات مثل هشاشة العظام.

يُصرِّح الدكتور فولزيل أن هذا الكابح «يجعل وظيفة العظام طبيعية، نعتقد أن كابحًا إكلينيكيًا يُمكن أن يُعطي نتيجةً مماثلة بالنسبة للإنسان». ويضيف الدكتور «إذا كان عمرك 20 سنة وعظامك في صحة جيدة فإنه توجد جزيئات microRNA-141-3p  في خلاياك الجذعية الوسيطة. ولكن، إذا كان عمرك 81 سنة وعظامك ضعيفة، فإنه يتوفر كمية أكبر منها».

«إنك تريده في المكان المناسب»، يُفسِّر الدكتور ويليام-William D. Hill، مساعد مؤلف الدراسة وباحث في الخلايا الجذعية بجامعة أوغوستا. يقول الباحثون إنهم سينقلون نتائج أبحاثهم إلى نماذج قبل إكلينيكية، لإيجاد طرق جديدة لاستعادة المستويات الصحية لكل منmicroRNA-141-3p  و SDF-1.

«ما نحاول فعله هنا هو الرجوع إلى حين كان يتم إفراز microRNA-141-3p  بشكل مفرط بسبب عوامل مثل التقدم في العمر والأكسدة وكبح الأستروجين وإعادته إلى درجة تسمح بتكوين عادي أكثر للعظام بشكل أكثر فعالية».

يضيف  الدكتور ويليام: «لقد تمكنا من تحديد عدد من جزيئات microRNA التي تتغير في الخلايا الجذعية لنخاع العظم وذلك مع التقدم في السن، ونحن نبحث في كل من هذه الجزيئات لفهم كيفية عملها».

«نحن نحاول أن نتبِّع مقاربة النظم البيولوجية، إذ إننا لا نُغيِّر جزيئًا فحسب، بل ننظر إلى كيف أن هذه الشبكة من الجزيئات تتغير بسبب التقدم في السن أو المرض، وكيف يمكن لنا أن نُغيِّر من هذه المسارات المختلفة».


  • ترجمة: إكرام ناجي
  • تدقيق: براءة ذويب
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر