أصبحت امرأة أرجنتينية مجهولة الهوية ثاني حالة معروفة بعدم إظهارها أي آثار قابلة للكشف عن عدوى فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) دون اللجوء لزرع الخلايا الجذعية لعلاجه.

شُخصت المعروفة ب «مريضة إسبيرانزا» -والتي سُميت بذلك تيمنًا بمسقط رأسها في الأرجنتين- لأول مرة بفيروس HIV-1 في عام 2013، ولكن بعد 8 سنوات من فحوصات المتابعة وما مقداره 10 اختبارات الحمل الفيروسي، تبين عدم وجود علامات تشير لعدوى فيروسية فعالة في جسدها، ولا أي دليل على وجود مرض مرتبط بفيروس HIV-1.

تُذكرنا حالة هذه المرأة ببعض المرضى المشهورين الذين تصدروا عناوين الأخبار بتغلبهم على العدوى الفيروسية لمرض الإيدز – لا سيما مريض برلين (المعروف أيضًا باسم تيموثي راي براون والذي شُخّص في عام 1995) ومريض لندن (الذي شُخّص في عام 2003)، وكلتا الحالتين تضمنتا زرع الخلايا الجذعية لعلاج أنواع مختلفة من السرطان.

في حالة مريض برلين، شُفِي من فيروس الإيدز بشكل غير متوقع بفضل عملية زرع الخلايا الجذعية- أو بالأحرى، أدخلت الفيروس في حالة من الهجوع المستمر إذ لم يعد من الممكن اكتشافه، حتى في ظل غياب الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية (ART).

بعد عدة سنوات، أظهرت تجربة مريض لندن العديد من أوجه التشابه مع الحالة السابقة، ما يشير إلى أن حالة براون لم تكن فريدة من نوعها، وأنه يمكن لعمليات زرع الخلايا الجذعية أن توفر شكلاً -بالرغم من كونه نادرًا- فعالًا في التخلص من الفيروس.

أصبح العلماء منذ تلك الاكتشافات يتعلمون المزيد حول كيفية قيام الأجسام البشرية أحيانًا بإيجاد طرق طبيعية لمواجهة الفيروس، بما في ذلك فئة «نخبة المتحكمين» النادرة للغاية، الذين يظهر أنهم يُضعفون الفيروس بطريقة ما دون مساعدة الأدوية أو زرع الخلايا الجذعية.

برزت مريضة إسبيرانزا من هذه الفئة بشكل خاص؛ لأنه حتى في نخبة المتحكمين تُكتشف أحيانًا علامات إصابة فيروسية، وذلك اعتمادًا على مدى دقة البحث عنها.

يفسر ذلك فريق دولي من الباحثين بقيادة غابرييلا تورك وكيرا سايجر، إذ تبين في دراسة جديدة وجود مجموعة صغيرة من الأشخاص المتعايشين مع HIV-1 يُطلق عليهم غالبًا نخبة المتحكمين أو الكابتات الطبيعية، يبقى فيها تفيرس الدم بـ HIV-1 غير قابل للكشف بشكل دائم بواسطة تفاعل البوليميراز المتسلسل التجاري (PCR) في غياب العلاج المضاد للفيروسات القهقرية.

ويقول الفريق: «على أية حال، يمكن عزل الحمض النووي لطليعة الفيروس والفيروسات المتضاعفة بسهولة عند هؤلاء الأشخاص باستخدام الفحوصات المخبرية داخل الزجاج، ما يشير إلى أن المكافحة الفيروسية لدى هؤلاء الأشخاص ناتجة عن تثبيط التضاعف الفيروسي المعتمد على المضيف، ولا يعكس القضاء على جميع الخلايا المصابة بالفيروس».

يرى الباحثون أن ما يحدث مع مريضة إسبيرانزا هو على مستوى مختلف، إذ يبدو أن المريضة قد تخلصت بالكامل من جميع طلائع الفيروسات القادرة على التضاعف أثناء العدوى الطبيعية.

لم تتناول المريضة خلال فترة المتابعة -منذ تشخيصها الأوّلي عام 2013 بمرض الإيدز- سوى الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية (ART) خلال فترة حملها فقط (بين 2019-2020). وبعد أن أنجبت طفلها السليم (HIV-1 سلبي)، أوقفت العلاج، ولم تظهر الفحوصات أي علامة على وجود فيروس فعال.

ويقول الباحثون: «ما يميزها عن الفئة سابقة الذكر والمتحكمين بعد العلاج هو غياب كل من الطلائع الفيروسية السليمة القابلة للكشف والجزيئات الفيروسية القادرة على التضاعف في أعداد كبيرة من الخلايا».

تم التعرف على حالة مماثلة من قبل، مريضة من كاليفورنيا تُدعى لورين ويلنبرغ، التي حققت عقودًا من الهجوع الفيروسي دون اللجوء للأدوية، مع عدم ظهور علامات على وجود فيروس في تحليل الخلايا وحيدة النواة في الدم المحيطي (PBMCs).

بالرغم من الدلالات الواعدة والرائعة للغاية التي تظهرها دراسات الحالة هذه فيما يتعلق بأبحاث فيروس نقص المناعة البشرية، فإن العلماء حريصون جدًا على التمييز بين ما يدّعونه وما لا يدّعونه هنا.

ويتابع الباحثون: «هل يعني هذا أن المريضة قد طورت علاجًا تعقيميًا أثناء العدوى الطبيعية؟ نعتقد أن هذا محتمل، لكن لا يمكن إثبات ذلك».
«لا يمكن إثبات المفاهيم العلمية من خلال جمع البيانات التجريبية؛ وإنما يمكن دحضها فقط. وفي سياق أبحاث HIV-1، هذا يعني أنه سيكون من المستحيل عمليًا إثبات أن أي شخص قد طور علاجًا تعقيميًا».

على الرغم من عدم قدرتنا على تسمية هذه الظاهرة التي تبدو طبيعية بالدليل، فإن عدم قدرتنا على اكتشاف أي علامة على وجود عدوى فيروسية مستمرة -على الرغم من البحث الشامل- يعد انتصارًا كبيرًا، وهو شيء يمكن أن يساعدنا في إعادة صياغة حدود أبحاث فيروس الإيدز.

كتب الفريق: «تزيد نتائجنا مجتمعة من احتمالية كون العلاج التعقيمي لعدوى HIV-1 -الذي يحدد بغياب الطلائع الفيروسية القابلة للكشف- نادرًا للغاية ولكنه نتيجة سريرية محتملة».

قالت كبيرة الباحثين وباحثة HIV ناتاليا لوفر من جامعة بوينس آيريس لوسائل الإعلام عندما نُشرت النتائج الأولية للحالة في وقت سابق من العام: «هذا يعني أنه يجب أن يكون هناك المزيد من هؤلاء الأشخاص».

وتابعت قائلةً: «هذه قفزة كبيرة إلى الأمام في عالم أبحاث علاج فيروس الإيدز. عند التشخيص، فاجأتنا اختباراتها جميعًا. أظهر اختبار الأضداد الفيروسية أنها كانت مصابة بفيروس الإيدز، لكن مستوى الفيروس كان غير قابل للكشف واستمر كذلك بمرور الوقت. وهذا غير عادي للغاية».

اقرأ أيضًا:

ثاني شخص يشفى تمامًا من فيروس الإيدز

ما الفرق بين الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري HIV ومرض الإيدز؟

ترجمة: أحمد المعراوي

تدقيق: طارق طويل

المصدر