تتلخص نظرية حكمة الجمهور في إن المجموعات الكبيرة من الناس أذكى جماعيًّا من الخبراء المنفردين، حين يتعلق الأمر بحل المشكلات واتخاذ القرارات والابتكار والتنبؤ. قدم هذا المفهوم لأول مرة جيمس سوروفسكي James Surowiecki في كتابه الصادر سنة 2004 بعنوان حكمة الجمهور، الذي بين فيه كيف يمكن أن تتخذ مجموعات كبيرة من الناس قرارات أفضل مما يتخذه الأفراد في مجالات متعددة، مثل فن البوب وعلم النفس وعلم الأحياء والاقتصاد السلوكي والعديد من الميادين الأخرى أيضًا.

فهم حكمة الجمهور

ترجع فكرة حكمة الجمهور تاريخيًّا إلى نظرية الفيلسوف أرسطو Aristotle عن الحكم الجماعي، التي قدمها في كتابه السياسة Politics، واستخدم العشاء المنزلي مثالًا، فلو أن مجموعة من الأفراد في منزل واحد ناقشوا معًا إعداد وجبة عشاء للمجموعة، سيجهزون وليمةً أكثر إرضاءً لأفراد المجموعة مما لو تولى فرد واحد إعداد الوجبة.

حكمة الجمهور: لماذا تعدّ الجماعات أذكى من الأفراد من حيث التنبؤ واتخاذ القرارات؟ - المجموعات الكبيرة من الناس أذكى جماعيًّا من الخبراء المنفردين

ما المطلوب لتكوّن حكمة الجمهور؟

ليس الجمهور حكيمًا دائمًا. في الحقيقة، قد يحدث العكس أحيانًا. مثلًا المستثمرين المتهورين الذي يشاركون في تداول الأسهم الخادعة، التي تبدو مربحةً للوهلة الأولى، مثلما حدث مع شركات الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي، إذ وضع هؤلاء المستثمرون أموالهم في شركات الإنترنت، بناءً على اعتقادهم إن مشاريع الإنترنت ستصبح مربحةً مستقبلًا، نتيجة لذلك ارتفعت أسعار أسهم العديد من هذه الشركات كثيرًا مع أنها لم تحقق أي إيرادات حينها، ثم انهارت نسبة كبيرة من تلك الشركات بعد أن اجتاح الهلع الأسواق، إثر طلبات البيع الجماعية على أسهم الشركات الكبرى.

وفقًا لسوروفسكي، لا بد من توافر عوامل معينة ليُعَد حكم الجمهور حكيمًا:

  •  ضرورة تنوع آراء الجمهور.
  •  أن يكون رأي الفرد مستقلًّا عن آراء من حوله (ولا يتأثر برأي فرد آخر).
  •  أن يكون لكل فرد من الجمهور القدرة على تكوين رأيه بناءً على معرفته الشخصية.
  •  أن يكون لدى الجمهور القدرة على تجميع الآراء الفردية وتحويلها إلى قرار جماعي واحد.

في دراسة لنظرية حكمة الجمهور سنة 2018، استنتج الباحثون إن المجموعات الفرعية داخل المجموعة الكبرى تمتلك حكمةً أكثر من المجموعة كاملةً (أي بمجموع أفرادها)، وعدّوا نتائجهم تحسينًا لنظرية حكمة الجمهور بصورتها الحالية، إذ سجلوا أولًا -على نحو سري- الردود الفردية التي حصلوا عليها من الأشخاص الخاضعين للتجربة، وفي المرة الثانية سجلوا الإجابات الجماعية بتقسيم المجموعات الرئيسة إلى أخرى فرعية، على أن يناقش أفراد كل مجموعة السؤال فيما بينهم قبل إعطاء الإجابة. وجد الباحثون إن إجابات المجموعات الصغيرة التي ناقشت السؤال قبل الاتفاق على جواب نهائي كانت أدق مقارنةً بالإجابات الفردية.

حكمة الجمهور في أسواق المال

تساعدنا حكمة الجمهور أيضًا على تفسير الأسباب التي تجعل الأسواق -والتي تعد من صور الجمهور- فعالة أحيانًا وغير فعالة أحيانًا أخرى. إذا كان المشاركون في السوق غير متنوعين ويفتقرون إلى حافز، تصبح السوق غير فعالة ولا يحدث تقويم صحيح لأسعار الوحدات المعروضة.

برهن على هذه الفكرة Barry Ritholtz الكاتب في صحيفة بلومبيرغ الاقتصادية والمختص أيضًا بإدارة الثروات، وأشار إلى أن أسواق العقود المستقبلية (وهي من أنواع الأوراق المالية) تختلف عن أسواق السلع والخدمات في افتقارها إلى حكمة الجمهور، والسبب أنها لا تحتوي على عدد كبير أو متنوع من المشاركين.

وقال أيضًا إن الجمهور فشل في التنبؤ بنتائج أحداث مثل استفتاء اليونان ومحاكمة مايكل جاكسون والانتخابات الأولية لولاية أيوا سنة 2004، إذ إن الأفراد الذين حاولوا التنبؤ بنتائج هذه الأحداث قدموا تقديراتهم متأثرين بنتائج استطلاعات الرأي، دون معرفة حقيقية أو معلومات متخصصة سواءً فردية أو جماعية.

إن فكرة تفوق رأي المجموعة في دقته على رأي الأفراد ليست صحيحة دائمًا، خاصةً عندما يكون أفراد المجموعة مدركين لأفكار بعضهم ومتأثرين بها. إذ يؤدي التفكير الجمعي بين مجموعة من الناس -ممن لا يمتلكون معرفة جيدة- إلى اتخاذ قرارات جماعية خاطئة، وكان هذا من أسباب الأزمة الاقتصادية سنة 2008.

يفسر ذلك أيضًا انتخاب قادة غير مؤهلين في بعض الدول الديموقراطية. يقول الكاتب فيليب بول Philip Ball في مقاله المنشور سنة 2014 بموقع BBC: «الأهم من وجود حشد كبير من الناس هو: ممن يتكون هذا الحشد؟».

أمثلة لنظرية حكمة الجمهور

فيما يلي مثالان يوضحان هذا المفهوم:

  •  إذا احتسبنا متوسط تقديرات مجموعة كبيرة من الأفراد لوزن جسم ما، سنحصل على نتيجة أدق من تقديرات عدد أقل من الخبراء العارفين بهذا الجسم.
  •  يمكن للحكم الجماعي الذي تتخذه مجموعة متنوعة أن يعوض الانحياز الناتج عن حكم مجموعة صغيرة، فمثلًا عند محاولة توقع نتائج المباراة النهائية لبطولة البيسبول الأمريكية، ستجد أن مشجعي كل فريق ينحازون إلى فريقهم على نحو غير عقلاني، لكن عند سؤال مجموعة كبيرة من الأفراد غير المنحازين لأي من الفريقين ستحصل على توقع أدق للفائز بالمباراة.

اقرأ أيضًا:

حساسية الأسعار: كيف يؤثر سعر المنتج على شراء المستهلكين له؟

ما هي فترة حظر التعامل ؟

ترجمة: حليم عبد الأمير

تدقيق: غزل الكردي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر