تعد تكنولوجيا الطاقة الشمسية من أبرز التقنيات الحديثة التي تهدف إلى تلبية احتياجات البشرية من الطاقة بطرق مستدامة وصديقة للبيئة. فمع تزايد الوعي بأهمية حماية البيئة والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أصبح استخدام الطاقة الشمسية أكثر شيوعًا وانتشارًا في جميع أنحاء العالم.

تكنولوجيا الطاقة الشمسية هي مصدر مستدام للطاقة، إذ تستخدم طاقة الشمس المجانية وغير المحدودة لتوليد الكهرباء وتسخين الماء. ولا يقتصر استخدامها على المنازل فحسب، بل يمكن تطبيقها في قطاعات مختلفة مثل الصناعة والزراعة والنقل.

كان هناك الكثير من التطورات الحديثة في تكنولوجيا الطاقة الشمسية، بدءًا من خلايا البيروفسكايت الشمسية، وحتى استخدام المواد النانوية.

خلايا البيروفسكايت الشمسية:

البيروفسكايت هو معدن طبيعي أثار الكثير من الضجة في مجال صناعة الطاقة الشمسية، وتتمتع الخلايا الشمسية المصنوعة من البيروفسكايت بكفاءة تفوق خلايا السيليكون التقليدية.

في كثير من الأحيان، تتميز خلايا البيروفسكايت الشمسية بطبقة عضوية وغير عضوية هجينة، تعتمد على مواد مثل الرصاص أو القصدير، تعمل لالتقاط الضوء. وهي غير مكلفة وسهلة التصنيع، لكن استقرارها وقابلية استعمالها على نطاق واسع يمثلان تحديًا.

طورت بعض الدراسات الحديثة خلايا بيروفسكايت قادرةً على تحقيق كفاءة تزيد عن 15%. وفي نوفمبر 2022، سجل علماء بقيادة هاو تشين من جامعة تورنتو رقمًا قياسيًا جديدًا لكفاءة الخلايا الشمسية المصنوعة من البيروفسكايت.

يعتمد هذا النوع من الخلايا الشمسية المتعاقبة على بناء طبقات متعددة من مواد تعتمد في تصنيعها على البيروفسكايت، وذلك لالتقاط طيف واسع من الأطوال الموجية للضوء، وتحسين قدرة اللوح الشمسي على تحويل الضوء إلى طاقة. حققت هذه الخلايا كفاءةً بنسبة 27.4%، متجاوزةً الأرقام القياسية السابقة ويمثل هذا الإنجاز تقدمًا كبيرًا في تكنولوجيا خلايا البيروفسكايت الشمسية.

الخلايا الكهروضوئية المدمجة في المباني BIPV:

تشارك الهندسة المعمارية أيضًا في استخدام الخلايا الكهروضوئية المدمجة في المباني، ويشمل ذلك دمج المواد الكهروضوئية في هياكل البناء، واستبدال مكونات البناء التقليدية مثل الأسطح والواجهات والمناور بألواح طاقة شمسية مناسبة.

في أنظمة BIPV، لا تعمل ألواح الطاقة الشمسية على توليد الطاقة الكهربائية فحسب، بل تعمل أيضًا كعناصر هيكلية. تكمن ميزة BIPV في توفير التكاليف المحتملة بواسطة دمج الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى تقليل النفقات على مواد البناء التقليدية والعمالة للمكونات المستبدلة.

مقارنةً مع الأنظمة الكهروضوئية التقليدية، تكمن جاذبية BIPV في الحفاظ على جمالية الهيكل. غالبًا ما يُنظر إلى BIPV على أنها أفضل من الألواح الشمسية التقليدية المثبتة على أسطح المباني، التي يمكن أن تعطل التصميم المعماري و تشوه مظهر المبنى.
يمكن دمج تقنية BIPV في أنواع مختلفة من المنتجات، بما في ذلك أنظمة الأسقف التقليدية، والأنظمة شبه الشفافة، وأنظمة الإكساء، و البلاط والألواح الشمسية، والشرائح المرنة.

مع ذلك، توجد بعض العيوب التي يمكن أن تؤثر على الأداء، أهمها ارتفاع درجات حرارة التشغيل. وتشكل التكاليف حاليًا عائقًا أمام اعتمادها بشكل واسع.

التقنيات الناشئة الأخرى:

بعيدًا عن البيروفسكايت و BIPV، فالأبحاث مستمرة حول تقنيات الطاقة الشمسية الناشئة، أهمها الخلايا الشمسية العضوية. إذ توفر المرونة والشفافية، وتفتح المجال أمام تطبيقات فريدة من نوعها، لكن كفاءتها منخفضة جدًا وتبلغ حوالي 10٪.

تعد خلايا الطاقة الشمسية ذات النقاط الكمومية، المبنية على جزيئات أشباه الموصلات النانوية مجالًا واعدًا آخر للاستكشاف، مع القدرة على استغلال أطوال موجية متعددة من الضوء بشكل فعال.

مع ذلك، تواجه الخلايا الشمسية ذات النقاط الكمومية تحديات أيضًا. إذ يعد ضمان الاستقرار ومنع تقادمها بمرور الوقت مصدر قلق، بسبب تفاعلها مع العوامل البيئية المختلفة.

إضافةً إلى ذلك، فإن تعقيد تجميع النقاط الكمومية عالية الجودة ودمجها في خلايا شمسية فعالة ما زال يمثل مشكلةً كبيرة. حاليًا، تتمتع الخلايا الشمسية ذات النقاط الكمومية بكفاءة تبلغ حوالي 18٪.

حلول تخزين الطاقة الشمسية:

يعد تخزين الطاقة بكفاءة عالية عنصرًا أساسيًا للطاقة الشمسية. وأدت التطورات الحديثة في تكنولوجيا البطاريات وخاصةً بطاريات الليثيوم أيون، إلى تعزيز سعة التخزين بشكل كبير. بالإضافة إلى صغر الحجم والأداء وطول العمر.

رغم من التحديات المتعلقة بعمر البطارية وإعادة التدوير والتكاليف، ما تزال بطاريات الليثيوم أيون تتطور باستمرار. وذلك بسبب تحسن قدرتها على التحمل وزيادة الموثوقية. وعلى الرغم من ارتفاع التكاليف الأولية، لكن بطاريات الليثيوم أيون قادرة على المنافسة من ناحية تكاليف تخزين الطاقة.

بغض النظر عن البطاريات، تظهر حلول أخرى لتخزين الطاقة الشمسية مثل التخزين الحراري. يقوم هذا النمط من التخزين على حفظ الطاقة الزائدة على شكل حرارة، وتحويلها لاحقًا إلى كهرباء تستخدم في غالبية منشآت الطاقة الحرارية الشمسية. فمثلًا، يمكن لمحطة سيرو دومينادور للطاقة الشمسية في تشيلي تخزين 17.5 ساعة من الطاقة على شكل حرارة.

التكامل بين الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء:

يُحدث الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IoT) أيضًا ثورةً في مجال إدارة أنظمة الطاقة الشمسية وتحسينها.

الذكاء الاصطناعي له دور حاسم في تحسين قدرتنا على اختيار الموقع الأمثل، وخفض تكاليف البناء، ومنع التأخير، وتبسيط عملية تكامل الشبكات، وتعزيز القدرة على التنبؤ بالأداء، وتحسين جدولة الطلب.

طور الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وستانفورد نظامًا لتعليم الآلة، يعمل على تسريع تحسين إنتاج الخلايا الشمسية القائمة على البيروفسكايت بواسطة دمج البيانات من التجارب والملاحظات البشرية، ما يؤدي إلى إنتاج خلايا ذات كفاءة أعلى. يساعد هذا النظام على زيادة سرعة التصنيع للحصول على خلايا شمسية تتسم بالكفاءة والفعالية وبتكلفة مناسبة.

من ناحية أخرى، يشير مصطلح إنترنت الأشياء إلى الشبكة المترابطة من الأجهزة المادية والمركبات والمباني، وغيرها من العناصر المضمنة مع أجهزة الاستشعار والبرامج ووسائل الاتصال.

يمكن لهذه الأجهزة جمع البيانات وتبادلها، ما يمكنها من التفاعل والعمل معًا دون تدخل بشري. في مجال الطاقة الشمسية، يتضمن إنترنت الأشياء دمج أجهزة المراقبة الذكية، وتحويل الألواح الشمسية إلى عقد مترابطة للمراقبة عن بعد، واكتشاف الأخطاء، وتحسين الأداء في المصفوفات الكهروضوئية.

تقنيات التتبع الشمسي:

صُممت أنظمة تتبع الطاقة الشمسية لالتقاط أكبر قدر ممكن من الطاقة، بتوجيه الألواح الشمسية لتتبع مسار الشمس طوال اليوم. يوجد نوعان أساسيان من هذه الأنظمة: أجهزة التتبع أحادية المحور وثنائية المحور.

تتحرك أجهزة التتبع أحادية المحور من الشرق إلى الغرب مع الشمس، بينما تتحرك أجهزة التتبع ثنائية المحور في جميع الاتجاهات. ما يضمن أن تكون الألواح بوضع مثالي بالنسبة لموقع الشمس. وتعمل هذه الأنظمة على زيادة إنتاج الطاقة، خاصةً في مشاريع الطاقة الشمسية الكبيرة.

تكنولوجيا النانو:

على المستوى النانوي، تتصرف المواد بشكل مختلف. ويتم استخدام الخصائص النانوية لتحسين أداء الخلايا الشمسية. أظهرت الدراسات إن استخدام تكنولوجيا النانو في مجال الطاقة الكهروضوئية يمكن أن يحقق فوائد كبيرة. مثل تحسين امتصاص الضوء، وكفاءة التحويل، وزيادة الاستقرار، وتحسين الأداء الحراري.

تُستخدم المواد النانوية أيضًا لتحسين كفاءة تحويل الطاقة (PCE) والمتانة، وهو أمر بالغ الأهمية في المجالات التي تتطلب استخدامات طويلة الأمد في بيئات متنوعة.

على الرغم من هذه المزايا، ما تزال هناك تحديات مثل الاستقرار والسمية المحتملة للجسيمات النانوية. مثلًا، يعد إنتاج بعض المواد النانوية مثل أنابيب الكربون النانوية مكلفًا، ما يؤثر على فاعلية التكلفة بشكل عام.

يجب أيضًا تبسيط عمليات التكامل المعقدة، وقضايا الموثوقية طويلة المدى. يقدم دمج تكنولوجيا النانو في الأنظمة الشمسية آفاقًا مبشرة، لكن التنفيذ الناجح يتطلب توازنًا دقيقًا بين الفوائد والتحديات.

اقرأ أيضًا:

كل ما تريد معرفته عن أنظمة الطاقة الشمسية

كل ما تريد معرفته عن أنظمة الطاقة الشمسية – 2

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر