عند عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية هل يرغمون عنوةً على تقليل الساعات التي يمضونها أمام الملهيات الرقمية ، أم أن الذي يحدث هو العكس؟

ألعاب الفيديو حالياً تلعب دوراً متزايداً في المناهج التعليمية في المدارس في محاولة للمعلمين لتوصيل جوهر الدرس في مواضيع معينة مثل الرياضيات و القراءة، بالإضافة إلى المهارات الجديدة التي يمكن للطالب إكتسابها في برامج الحاسوب مثلاً و ذلك من خلال طريقة تجذب الطلاب إلى ما يهمهم، فبعض الرائدين في هذا المجال يعتقدون بأن إدخال ألعاب الفيديو إلى أساليب التعليم ستكون طريقة فعّالة في المستقبل مع الطلاب ليكونوا منخرطين بشكل أكبر في العملية التعليمية، بالإضافة إلى السماح لهم بتطوير المهارات التكنولوجية التي يحتاجونها حتى ينجحوا خلال فترة مسيرتهم التعليمية و العملية.

“يقول البعض بأن ألعاب الفيديو قد تقوم بكل شيء من ناحية التعليم”، وفقما يرى سكوت أوسترويل (Scot Osterweil)، مدير البحث لبرنامج دراسة المواد الإعلامية و مقارنتها في معهد ماساتشوستس، و يشغل أيضاً منصب مدير مبادرة المعهد للتعليم بالألعاب لاستكشاف إمكانية استخدام الألعاب في نشر التعليم، كما و عقب على كلامه قائلا “لكن تعتبر الألعاب أدوات تعليمية قوية عند جمعها بأساليب أخرى تدريبية ووجود التعليمات اللازمة ،فسيتصرف المعلم على أنه مُدَرِب أكثر من كونه محاضراً و حسب.”

و لكن يسأل آخرون ما إذا كان الإعتماد الكبير على ألعاب الفيديو في التدريس سيكون في مصلحة الطالب، مشيرين إلى قلة الإثباتات التي تدعم فكرة أن إتقان الألعاب يؤدي إلى نتائج مدرسية أفضل أو إحداث تطور على المستوى الإدراكي.

“صارت المدارس مشغولة خلال العقد الماضي بالحفاظ على المعايير الأساسية الوطنية العامة، والتي تحدد مالذي على الطلاب تحقيقه بالإنكليزية والرياضيات في نهاية كل سنة دراسية، بالإضافة إلى فرض استخدام اختبار قياسي كوسيلة لتعقب أداء الطلاب، هذه الأساليب لا تشجع أساليباً تعليمية مبدعة كالتي نتحدث عنها”، يقول أوسترويل، ويضيف “ورغم هذا، بدأ يشجع رد الفعل على المبالغة باستخدام الإختبارات القياسية على الإبداع من جديد”.

يقترح مزيج من إجهاد الإختبارات، الإستخدام الواسع للكمبيوتر داخل الفصول الدراسية وخارجها، مع التجريب المستمر لاستخدام الألعاب كأداة تعليم أن ألعاباً ستلعب دوراً مهماً في مستقبل التعليم، وتقدم مدرسة “السعي وراء التعلم” (quest to learn) الحكومية لمحة عن كيفية تغيير الألعاب لكيفية التعلم، لكن لما يتم تعلمه أيضاً، إذ يستخدم فيها المدرسون مبادئ تصميم ألعاب الفيديو لكتابة مناهجهم منذ عام 2009، لينتظم المنهاج إلى مهمة وهدف، مركزاً على تحديات من عدة وجوه قد يكون لها أكثر من حل واحد صحيح،كما ويسمح للتلاميذ أن يستكشفوا حلولاً مختلفة أثناء تعلمهم، وفقما قال روس فلات (Ross Flatt)، نائب المدير في تلك المدرسة.

أكثر بعد من السماح باستخدام الألعاب، طلاب “السعي وراء التعلم” هم نفسهم يدرسون تصميم ألعاب الكمبيوتر، مستخدمين (Gamestar Mechanics) وبرامج أخرى، وبعد إكمالهم بنجاح لمهمات “Gamestar” ينالون تجسيدهم الخاص مع أدوات أخرى تسمح لهم ببناء ألعابهم الخاصة.

إن تم تنفيذ ألعاب الكمبيوتر بشكل صحيح قد تقدم إطاراً قوياً للاستعلام والتعليم المعتمد على المشاريع والتجربة، حسبما يرى آلان جيرشينفيلد (Alan Gershenfeld)، أحد المؤسسين ورئيس “E-Line Media”، شركة توزيع لألعاب الكمبيوتر والفيديو، ويقول “تتميز الألعاب بأنها مناسبة لتتبنى المهارات المطلوبة للتنقل في القرن الواحد والعشرين بتعقدياته وتواصله المكثف، وتغييراته السريعة”.

ستصبح الثقافة الإلكترونية مع فهم كيفية عمل الأنظمة سيصبحان أمرين متزايدي الأهمية، في عالم سيلاحق فيه طلاب اليوم مهناً لا تتواجد اليوم، في نظر جيرشيلد، ويعتقد أيضاً أنهم سيغيرون مجال عملهم مراراً في حياتهم المهنية، كما “سيعملون بشكل شبه مؤكد في مجالات تتطلب مستوً معيناً من المهارة في استخدام الوسائط الإلكترونية والتكنولوجيا”.

لعل أهل الأطفال بعمر المدرسة صاروا على ألفة مع لعبة ماينكرافت (Minecraft)، لعبة رقمية تشجع الخيال، إذ يبني فيها اللاعبون بنى مختلفة من مكعبات مختلفة، تم تصميم نسخة من تلك اللعبة خصوصاً لأسباب تعليمية تسمى (MinecraftEDU)، تعلم التلاميذ المبادئ الرياضية بما فيها المجالات، المساحة، والإحتمالات، كما اللغات الأجنبية، وعلى نفس المبدئ تم تصميم نسخة من لعبة سيم سيتي (SimCity)، والتي تشتمل على تعليم الرياضيات واللغة الإنكليزية، ودروس أخرى تناسب هدف المعايير العلمية للجيل القادم.

تقدم الألعاب ما هو أكثر من التعليم، تقدم الألعاب معلومات مهمة عن أداء الطفل بشكل واضح نسبياً، وفقما قال براين وانيوسكي، رائد إجتماعي ومدير سابق في معهد بلاي (Play)، مؤسسة غير ربحية تشجع على طبيعة حل المشاكل في الألعاب وتصميمها كأسلوب تعليم ثانوي في المدارس الثانوية، كما تقدم ألعاب الفيديو عادة تغذية راجعة، عادة عبر النتائج أو النقاط، والتي قد يستخدمها المدرسون والطلاب لتحديد مدى فهم ما تحاول الألعاب تقديمه.

مع كل الحماس الذي يرافق الألعاب والتعلم، قليلة هي الدراسات التي عاينت إن كانت ألعاب الفيديو تحسن من الأداء الدراسي أم لا، وفقاً لإيما بلاكي (Emma Blakey)، باحثة دكتوراه في علم النفس التطويري في جامعة شيفيلد في إنكلترا، وقالت “لأننا نعرف أن الذاكرة مهارة معرفية حرجة بالنسبة للتعلم في المدارس، لذا، نظرياً، يجب أن يقود تدريب الذاكرة في ألعاب الكمبيوتر إلى تقدم في الأداء الدراسي”، لكن لا يزال هذا قيد الجدل حتى يتم إثباته أو نفيه بالمزيد من الأبحاث.

وجدت دراسة شارك فيها دارين داننغ (Darren Dunning) من جامعة نيويورك جامعة كامبريدج عام 2013 أن التحسينات في نقاط الأطفال التي حصلوا عليها في الألعاب مع مستويات منخفضة من الذاكرة الفاعلة لم تمتد إلى مهارات أخرى، حيث الذاكرة الفاعلة هي نظام معرفي مسؤول عن التخزين المؤقت للمعلومات التي نحتاجها في أنشطتنا اليومية، كمثل ذاكرة الوصول العشوائي في أجهزة الكمبيوتر، قدمت تلك الدراسة لأطفال بين السابعة والتاسعة من عمرهم ما وصل إلى 25 جلسة من ألعاب الكمبيوتر التي تتحدى ذاكرتهم الفاعلة أو نفس ألعاب الكمبيوتر لكن بمستوى أسهل، ثم عاين بعدها الباحثون الفرق بين نمطي الجلسات، باحثين عن تحسينات على قدرة الذاكرة الفاعلة وغيرها من المهارات بما فيها الرياضيات، القراءة، الكتابة، وإتباع التعليمات أثناء الفصل الدراسي، لتجد الدراسة أن الألعاب حسنت فقط الأداء في ألعاب مشابهة، بعبارة أخرى، لا تتجاوز المسألة أثر التدريب والممارسة.

لا يمكن معاملة الألعاب الإلكترونية على أنها أحدث الإصلاحات للنظام التعليمي، وفقاً لوانيويسكي، والذي قال أيضاً أنها “هبة من الرب على ما يبدو، كتاب دراسي من مستوى أعلى، حيث تقلل الطلب على العنصر البشري”، لكن الألعاب وحدها لن تجعل المدارس أكثر كفاءة، ولن تستبدل المعلمين، ولن تخدم حتى كمادة تصل بسهولة لعدد غير محدود من الطلاب.

كما يضيف جيرشينفيد أن ألعاب الكمبيوتر ليست بالضرورة أفضل الخيارات من الناحية المادية لمدارس التي تعاني نقصاً في الموارد والمساحة المتوفرة، إذ تحتاج كمبيوترات، طاولات، وتقنيات أخرى متخصصة بالإضافة غلى مخدمات إنترنت مخصصة، وأنظمة إتصالات أخرى، بالإضافة إلى تعديلات على البنية التحتية، العاملين، وتدريبات المدرسين، لذا قد تكلف مناهج تعتمد على الألعاب ملايين الدولارات ودعماً متواصلاً.

مدى تمثيل ألعاب الكمبيوتر مستقبل التعليم لا يزال قيد التقييم، لكن إن كان الحاضر دليلاً، يعجب المدرسون بهذا الأسلوب، وسيستمرون بتقديره، في الواقع، لدى أكثر من نصف أولئك المدرسين أولاد يلعبون تلك الألعاب كجزء من المنهاج مرة على الأقل في الأسبوع، وفقاً لإحصائية وطنية نشرها “باحثوا التعليم” في مركز خوان غانز كوني (Joan Ganz Cooney) في يونيو.

لعل أكبر أثر لألعاب الفيديو سيكون على الطلاب الذين لا يستجيبون إلى طرق التعليم المعتادة بشكل جيد، حيث صرَّح حوالي نصف المدرسين أن أكبر المستفيدين هم من لا يستطيعون التعامل مع المنهاج المعتاد، وأداؤهم دون المتوسط، ويعتقد أكثر من النصف أن الألعاب ستساعد على تحفيز من يعانون في حياتهم، وذوي الإحتياجات التعليمية الخاصة.


  • إعداد: روان ثوابتة
  • تدقيق: فارس المقداد
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر