في عصرنا الحالي، أصبح من الضروري للغاية البحث عن مصادر جديدة، سواء للطاقة أو للمياه. فكثرة التلوث والدمار التدريجي لكوكبنا يدفعنا وبإلحاح شديد إلى إيجاد مصادر نظيفة للطاقة واستثمار المياه.

لقد أصبحت ندرة المياه قضيةً ملحَّة في العالم، لذلك أطلق الباحثون في كلية تاندون للهندسة العنان لحل من شأنه أن يعيد تحديد نهجنا وتجديد أفكارنا ودراستنا في موضوع تحلية مياه البحار والمحيطات. وقد حل فريق الباحثين بإشراف الدكتور أندريه تايلور شيفرة تحلية تدفق الأكسدة (RFD)، إذ تُعد هذه التقنية تقنيةً كهروكيميائية، لا تحول مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب فحسب، بل تعمل أيضًا حلًا رائعًا لتخزين الطاقة المتجددة وبكفاءة عالية.

كشف البحث عن تحسن كبير بنسبة 20% في معدل إزالة الملح من المياه وذلك باستعمال نظام تدفق الأكسدة، إضافةً إلى انخفاض ملحوظ في الطلب على الطاقة، الذي تحقق بتحسين معدلات تدفق السوائل. أوضح الدكتور أندريه تايلور في بيان صحفي أهداف البحث وأهميته بقوله: «تتمثل رؤيتنا بوصفنا فريق بحث، في إيجاد حل مستدام وفعال، ليس بتوفير المياه العذبة المحلاة فحسب، بل في المساهمة أيضًا في الحفاظ على بيئتنا وتحقيق التكامل في مجالات الطاقة المتجددة».

تكمن روعة نظام تحلية تدفق الأكسدة في تعدد استعمالاته. توفر هذه النظم نهجًا مرنًا وقابلًا للتطوير لتخزين الطاقة، ما يساعد بالتأكيد في الاستخدام الفعال لمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

يمثل نظام تحلية تدفق الأكسدة منارة أمل للعالم في حل أزمة المياه العالمية ومعالجتها، إذ يعِد بحل مبتكر للطلب المتصاعد على مياه الشرب. أكد الدكتور أندريه تايلور، المشرف على فريق البحث، أن نظام تحلية تدفق الأكسدة قد يقلل من شبكات الطاقة التقليدية، إضافةً إلى تعزيز التوجه نحو عملية تحلية للمياه المالحة بطريقة نظيفة وصديقة للبيئة ومقللة لانبعاثات الكربون.

من شأن قدرة هذا النظام على دمج بطاريات الأكسدة المتدفقة مع تكنولوجيا تحلية المياه أن يعزز كفاءة النظام وموثوقيته، ما يشكل خطوةً كبيرة نحو حلول مستدامة للمياه. يرجع الفضل الأكبر في نجاح هذا المشروع إلى ستيڤن أكوي ماكلين، المؤلف الأول للبحث والمرشح للدكتوراه في الهندسة الكيميائية والجزيئية الحيوية في جامعة نيويورك تاندون. تكمن براعة ماكلين في تصميم بنية النظام باستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد المتقدمة، التي أدَّت دورًا كبيرًا في المضي قدمًا بهذا البحث.

فيما يتعلق بآلية عمل نظام تدفق الأكسدة، فإن مياه البحار تنقسم إلى تيارات ملحية وعذبة تخوض شبكة معقدة من القنوات. يفصل بين هذه القنوات أغشية تبادل تسهل التفاعلات الكهروكيميائية، ما يؤدي إلى استخراج أيونات الصوديوم وتوليد المياه العذبة. شرح الدكتور ماكلين، مؤلف البحث، مرونة النظام بقوله: «يمكننا التحكم في زمن مكوث مياه البحر الواردة لإنتاج مياه عذبة صالحة للشرب، وذلك بتشغيل نظام تحلية تدفق الأكسدة، إما وفق نظام تمرير أحادي أو وفق نظام تمرير بدفعة واحدة».

في عملية عكسية، حيث يجري خلط المياه المالحة والعذبة، يمكن تحويل الطاقة الكيميائية المخزنة إلى كهرباء متجددة. بالأساس، تمثل الأنظمة شكلًا فريدًا من أشكال البطارية، إذ تستحوذ على الطاقة الفائضة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتطلقها عند الطلب، ما يشكل تكملةً مستدامة لمصادر الكهرباء الأخرى.

مع وجود حاجة إلى إجراء المزيد من البحوث، تشير النتائج التي توصل إليها فريق تاندون التابع لجامعة نيويورك إلى طريق واعد نحو عملية أكثر فعالية سواء بيئيًا أو ماديًا للبحث عن المياه الصالحة للشرب، ما يُعد تقدمًا بالغ الأهمية في السعي العالمي نحو توفير المياه الصالحة للشرب. مع تزايد حدة تغير المناخ والنمو السكاني، أصبحت أهمية الاعتماد على أساليب تحلية مبتكرة وفعالة أكبر من أي وقت مضى.

اقرأ أيضًا:

ماذا يوجد تحت رمال الصحاري؟

هل تنقسم قارة أفريقيا إلى قارتين منفصلتين؟

ترجمة: يزن دريوس

تدقيق: تسنيم المنجد

المصدر