ليس هناك شك في أن الأنظمة الشمسية الفتية هي أماكن فوضوية، فالاصطدامات المتتالية والمتكررة للصخور والكواكب هي التي شكّلت نظامنا الشمسي الفتي.

حددت دراسة جديدة -مبنية على أجزاء من الكويكبات التي اصطدمت بالأرض- جدولًا زمنيًا يهدف إلى تنظيم هذه الفوضى أو بعض منها.

يعرف علماء الفلك أن الكويكبات ظلّت دون تغيير جوهري منذ تشكلها في بدايات النظام الشمسي قبل مليارات السنين. هذه الكويكبات يمكن تشبيهها بكبسولات زمنية صخرية تحتوي على أدلة علمية من تلك الحقبة المهمة؛ لأن الكويكبات المتمايزة كانت تمتلك قشرة خارجية لحماية مكوناتها الداخلية من آثار التجوية في الفضاء، ومع ذلك لم تبقَ جميع الكويكبات سليمة ومتكاملة.

بمرور الوقت أدّت الاصطدامات المتكررة إلى تجريد بعض هذه الكويكبات من قشرتها العازلة، والوصول إلى نواتها الحديدية وصولًا إلى تحطيم بعض هذه النوى إلى قطع، وسقطت بعض هذه القطع على الأرض.

كانت الصخور التي سقطت من الفضاء ذات أهمية كبيرة للناس، وشكّلت موردًا قيّمًا في بعض الحالات، فقد دُفن الملك توت وبجانبه خنجر مصنوع من نيزك حديدي، وصنع شعب الإنويت في جرينلاند أدوات من نيزك حديدي لعدة قرون.

يهتم العلماء بشدة بالنيازك الحديدية بسبب المعلومات التي تحتوي عليها.

بحثت دراسة جديدة تعتمد على النيازك الحديدية -وهي أجزاء من قلب الكويكبات الكبيرة- في نظائر البلاديوم والفضة والبلاتين، وذلك عبر قياس كميات هذه النظائر، ما يمكّن الباحثين من تحديد توقيت بعض الأحداث في بدايات النظام الشمسي.

نُشرت الورقة البحثية التي تحمل العنوان: “تقييد تشتت السديم الشمسي بالتأثيرات وتبريد اللب في الكواكب الصغيرة” في مجلة علم فلك الطبيعة Nature Astronomy. الكاتبة الرئيسية هي أليسون هانت من مركز ETH في زيورخ بالتعاون مع المركز الوطني للكفاءة في البحث (NCCR).

قالت هانت: «أظهرت الدراسات العلمية السابقة أن الكويكبات في النظام الشمسي ظلّت دون تغيير نسبيًا منذ تشكلها قبل مليارات السنين، وبالتالي أضحت هذه الكويكبات كأنها أرشيف نعرف من خلاله ظروف النظام الشمسي المبكر».

لم يعرف قدماء المصريين والإنويت أي شيء عن العناصر والنظائر وسلاسل الاضمحلال، لكننا نعرف ذلك. نحن نفهم كيف تتحلل العناصر المختلفة في السلاسل إلى عناصر أخرى، ونعرف المدة التي تستغرقها.

إحدى سلاسل الاضمحلال هي أساس دراستنا هذه؛ نظام الاضمحلال قصير العمر Ag107-Pd107. يبلغ نصف عمر هذه السلسلة حوالي 6.5 مليون سنة وتُستخدم للكشف عن وجود نويدات قصيرة العمر من النظام الشمسي المبكر.

جمع الباحثون عينات من 18 نيزكًا حديديًا مختلفًا كانت ذات يوم جزءًا من النوى الحديدية للكويكبات، ثم عزلوا البلاديوم والفضة والبلاتين فيها واستخدموا مطياف الكتلة لقياس تركيز النظائر المختلفة للعناصر الثلاثة.

يعد وجود نظير معيّن للفضة أمرًا بالغ الأهمية في هذا البحث.

خلال ملايين السنين الأولى من تاريخ النظام الشمسي، أدّت النظائر المشعة المتحللة إلى تسخين النوى المعدنية في الكويكبات، ثم بدأت هذه النظائر بالتلاشي وبردت هذه النوى، ما أدّى إلى تراكم نظير من الفضة (Ag107) في النوى.

قاس الباحثون نسبة هذا النظير مقارنة بالنظائر الأخرى وحددوا مدى سرعة تبريد نوى الكويكب ومتى.

هذه ليست المرة الأولى التي يدرس فيها الباحثون الكويكبات والنظائر بهذه الطريقة، لكن الدراسات السابقة لم تأخذ في الحسبان تأثيرات الأشعة الكونية المجرية (GCRs) على نسب هذه النظائر.

يمكن أن تعطّل الأشعة الكونية المجرية عملية التقاط النيوترون أثناء الاضمحلال ويمكن أن تقلل من كمية نظائر الفضة Ag107 و Ag109. لذلك وبسبب تداخل الأشعة الكونية المجرية تم تصحيح النتائج والحصول على نتائج جديدة عن طريق حساب نظائر البلاتين أيضًا.

أفادت هانت قائلة: «سمحت لنا قياساتنا الإضافية باستخدام نظائر البلاتين المتوفرة بتصحيح قياسات نظائر الفضة للتشوهات الناتجة عن التشعيع الكوني للعينات في الفضاء، لذلك تمكنا من تحديد توقيت الاصطدامات بدقة أكثر من أي وقت مضى».

تابعت هانت: «لقد تفاجأنا بأنه تم الكشف عن جميع النوى الكويكبية التي فحصناها في وقت واحد تقريبًا، في إطار زمني من 7.8 إلى 11.7 مليون سنة بعد تشكيل النظام الشمسي».

4 ملايين سنة تعتبر فترة قصيرة في علم الفلك، وخلال هذه الفترة تم الكشف عن نوى جميع الكويكبات التي فُحصت، ما يعني أن الاصطدامات مع الأجسام الأخرى قد جردتها من غلافها، وبدون هذه القشرة العازلة ستبرد النوى جميعًا في وقت واحد. أظهرت دراسات أخرى أن التبريد كان سريعًا، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد الإطار الزمني بوضوح.

لكي تمتلك الكويكبات النسب النظيرية التي وجدها الفريق، يجب أن يكون النظام الشمسي مكانًا فوضويًا للغاية، مع فترة من الاصطدامات المتكررة التي أدت إلى زوال الغلاف من الكويكبات.

تقول هانت: «يبدو أن كل شيء كان يتحطم معًا في ذلك الوقت». وتضيف: «أردنا أن نعرف السبب».

لماذا ستكون هناك فترة من هذه الاصطدامات الفوضوية؟

هناك عدة احتمالات وفقًا للدراسة:

الاحتمال الأول يتعلق بالكواكب العملاقة في النظام الشمسي: تلك التي هاجرت أو كانت غير مستقرة بطريقة ما في ذلك الوقت، قد يؤدي ذلك إلى إعادة تنظيم النظام الشمسي الداخلي، وتعطيل الأجسام الصغيرة مثل الكويكبات، والتسبب في فترة من الاصطدامات المتزايدة. هذا السيناريو يسمى (نموذج نيس).

الاحتمال الآخر هو سحب الغاز في السديم الشمسي: عندما كانت الشمس نجمًا أوليًا، كانت محاطة بسحابة من الغاز والغبار تُسمى السديم الشمسي، تمامًا مثل النجوم الأخرى. احتوت هذه السحابة على الكويكبات، وستتشكل الكواكب هناك أيضًا فيما بعد، لكن هذه السحابة تغيرت في ملايين السنين الأولى من النظام الشمسي.

في البداية، كان الغاز كثيفًا، ما أدى إلى إبطاء حركة الكويكبات والكواكب الصغيرة ضمن سحب الغاز، ولكن مع مرور الوقت أنتجت الشمس مزيدًا من الرياح والإشعاع الشمسي. كان السديم الشمسي ما يزال موجودًا، لكن الرياح الشمسية والإشعاع جعلاه يتبدد شيئًا فشيئًا، وأصبح أقل كثافة، وبالتالي أصبحت المقاومة أقل وحركة الأشياء أسرع. دون التأثير المثبط للغاز الكثيف، تسارعت الكويكبات واصطدمت ببعضها البعض بشكل متكرر.

وفقًا لهانت وزملائها، فإن تقليل ضغط الغاز هو المسؤول.

أوضحت (ماريا شونباشلر) المؤلفة المشاركة في الدراسة: «النظرية التي فسرت هذه المرحلة المبكرة النشطة من النظام الشمسي بشكل أفضل تشير إلى أن السبب الرئيسي هو تبدد ما يسمى بالسديم الشمسي».

أضافت شونباشلر: «هذا السديم الشمسي هو ما تبقى من الغازات الناتجة عن السحابة الكونية التي وُلدت منها الشمس، ولعدة ملايين من السنين، كان هذا السديم ما يزال يدور حول الشمس الفتية حتى تطاير بسبب الرياح الشمسية والإشعاع».

ختمت شونباشلر: «يوضّح عملنا كيف تسمح لنا التحسينات في تقنيات القياس المخبرية باستنتاج العمليات الرئيسية التي حدثت في النظام الشمسي المبكر، مثل الوقت المحتمل الذي تلاشى فيه السديم الشمسي. كانت الكواكب مثل الأرض ما تزال في طور الولادة في ذلك الوقت. في النهاية يمكن أن يساعدنا هذا على فهم أفضل لكيفية نشأة كواكبنا، وكذلك يعطينا نظرة ثاقبة على ما هو خارج نظامنا الشمسي».

اقرأ أيضًا:

رصد أكبر مذنب في تاريخ نظامنا الشمسي

في دراسة حديثة، باحثون يكشفون سر مدار بلوتو الغريب حول الشمس

ترجمة: أحمد عضيم

تدقق: محمد سمير

المصدر