باحثون يظهرون كيف يمكن لضبط النفس أن يتسبب بإضعاف مخزون الذاكرة في دماغ الإنسان

يحتوي جسم الإنسان على قدرٍ محدودٍ من الموارد والمعطيات الإدراكية، ويسعى العلماء دائمًا إلى اكتشاف المزيد حول كيفية مشاركة واستنفاذ وتجدّد تلك الموارد.

حيث أشارت دراسة جديدة أن هناك علاقة بين المناطق المسؤولة في الدماغ عن التحكّم بالنفس وبين المناطق المسؤولة عن الاحتفاظ بالذكريات. وبعبارة أخرى، يمكن القول أن التركيز الحادّ على البقاء منضبطًا ومسيطرًا على نفسك قد يجعلك أقل قدرة على تذكّر ما يحدث من حولك.

طلب الباحثان يو تشين تشيو «Yu-Chin Chiu» و توبياس اينجر «Tobias Egner»، من جامعة «Duke University» في الولايات المتحدة الأمريكية، من مجموعة من المتطوعين التعرّف على سلسلة من الوجوه مع وبدون تأدية اختبار لضبط النفس، حيث وجد الباحثان أن الحاجة إلى ممارسة ضبط النفس كان لها أثر سلبي على قدرة المشاركين على تذكّر الصور التي سبق وأن شاهدوها. بعد ذلك، تمّ تكرار نفس التجربة مع مجموعة جديدة من المتطوعين حيث استخدم الباحثان معدّات التصوير بالرنين المغناطيسي «fMRI».

اكتشف الباحثان أن إحدى مناطق الدماغ وتُسمّى قشرة الفص الجبهي البطنية، كانت تتفاعل بشكلٍ متكرّر أثناء اختبار ضبط النفس مسببة تأخيرًا في نشاط ذاكرة المتطوعين. وتشير النتائج إلى أن التحكّم في الانفعالات والذاكرة يتنافسان على نفس الموارد داخل الدماغ، وذلك يدعم نظرية أن التحكّم بالنفس يمكن أيضًا أن يتسبّب في النسيان بسهولةٍ أكبر.

ولخّص الباحثان في مجلة علم الأعصاب «The Journal of Neuroscience» : “إن التحكّم في إشارات ضبط النفس يشتّت الانتباه بعيدًا عن عملية الترميز في الذاكرة، وتتبّع تلك الإشارات المثبّطة للإنفعالات يتسبب في إضعاف الذاكرة. حيث أضاف قائلًا: “تسلّط تلك النتائج الضوء على العلاقة بين إشارات السيطرة والتحكّم في الانفعالات، وبين مجالات الذاكرة والإدراك والانتباه”.

و كان اختبار التحكّم بالنفس الذي تم تطبيقه تقليديًا، من نوعية (انتقال/عدم الانتقال). حيث أن تلك النوعية من الاختبارات تقوم بالطلب من المشاركين مشاهدة سلسلة من الأشياء والضغط على زر عندما يشاهدون شيئًا معينًا فقط، في هذه التجربة كان يجب عليهم أن يضغطوا الزر عندما يشاهدون وجوهًا ذكورية وليس أنثوية. والخلاصة من هذه التجربة هي أن أولئك الأكثر قدرة على عدم الضغط على الزر عند الحاجة؛ هم الأقوى تحكّمًا بالنفس، أو (عديمي الاستجابة) كما يُطلق عليهم علماء الأعصاب. لم يتمّ إخبار المشاركين مسبقًا أنه يجب عليهم تذكّر تلك الوجوه التي رأوها.

“كشفت أشعة التصوير بالرنين المغناطيسي أن الاستجابة لإشارات ضبط النفس؛ أنتجت أشكال تداخل نشطة في مناطق الدماغ داخل الفصوص الصدغية الأمامية اليمنى، تلك الشبكة التي شاركت في ضبط الانفعالات”، ذلك ما صرّح به مو كوستراندي «Mo Costrandi» لصحيفة الجارديان مضيفًا: “بلا شك، فإن تجارب (عدم الانتقال) أنتجت نشاطًا أكبر لتلك الشبكة مقارنةً بتجارب (الانتقال)، ونشاط منطقة (قشرة الفص الجبهي البطنية) أضعفت ذاكرة المتطوعين. وكلما كان نشاط شبكة الانتباه أكبر؛ كلما كان المشاركون أكثر عرضة لنسيان الوجوه لاحقًا.

أقر الباحثون أن نظريتهم لا تزال في الوقت الراهن مجرّد تخمين، ولكن إذا ظهرت دراسة قادمة تؤكد على وجود تلك العلاقة؛ فإنهم يعتقدون أن اكتشافهم سيقود إلى علاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في ضبط النفس، والتي تُسمّى إعاقة فرط الانتباه «ADHD»، أو شكلٍ من أشكال الإدمان على سبيل المثال.

يوجد سيناريو تقدّم به الباحثان، وهو أن الحاجة المفاجئة لتغيير خط السير إذا كانت السيارة في المسار الذي تود السير فيه؛ ففي حال كانت الباحثان على صواب، فإن اضطرارك إلى التحكم وكبح  أفعالك سيقودك إلى عدم امتلاك القدرة الكافية لتذكّر تفاصيل حادثة ما -كحالة أن تعترض سيارة طريقك على سبيل المثال فلا تتذكر نوعها.


المصدر