حدد العلماء للمرة الأولى مجموعة محددة من التغيرات الجينية المرتبطة ب(القهم العصبي) anorexia nervosa مقدمين بعضًا من أقوى الدلائل حتى الآن على أن اضطراب الشهية ليس مرضًا نفسيًا صرفًا. في أبحاث دامت ست سنوات متضمنةً باحثين من حوالي 100 معهد حول العالم، اكتشف العلماء ثماني واسمات جينية مرتبطة بشكل وثيق مع هذه الحالة ويشير بعضها إلى ارتباطه بعملية الأيض metabolism أيضًا.

أبحاث سابقة قام بها جزء من الفريق نفسه وضعت الأساس لهذه النتائج الجديدة، محددين الموضع الوراثي الأول first genetic locus المرتبط بهذه الحالة عام 2017 بالاعتماد على دراسة حوالي 3500 حالة قهم و 11000 عينة شاهد تقريبًا.

عادت عالمة النفس السريرية سينثيا بوليك Cynthia Bulik من جامعة كارولينا الشمالية North Carolina الآن بدراسة متعلقة بالجينوم على نطاق أوسع وستدفعنا آثارها لإعادة التفكير مليًا بالادعاءات الحالية حول القهم العصبي.

«غالبًا ما تُنسب الاضطرابات الأيضية المُشاهدة عند مرضى القهم العصبي إلى الجوع، لكن دراستنا تُظهر أن التغيرات الاستقلابية قد تساهم أيضًا في تطور المرض»، كما يقول عالم الأمراض النفسية الوراثية جيروم بريم Gerome Breen من كلية لندن الملكية King’s College London وأحد أعضاء الفريق.

«علاوةً على ذلك، تشير تحليلاتنا إلى أن العوامل الاستقلابية تلعب دورًا قريبًا من الدور الذي تلعبه الآثار النفسية الصرفة أو حتى مساويًا له».

في هذه الدراسة؛ حلل الباحثون الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين DNA لدى 16992 مصابًا بالقهم العصبي وقارنوه بالمعلومات الوراثية لدى 55525 شخصًا غير مصابين بهذه الحالة باحثين عن اختلافات وراثية قد تكون مرتبطة بهذا المرض الذي عُرف منذ فترة طويلة بامتلاكه معدل الوفيات الأعلى مقارنةً بأي اضطراب عقلي آخر.

لمثل هذا المرض الخطير، ما يزال أمامنا طريق طويل للوصول إلى المعالجة المناسبة، يرجع ذلك جزئيًا إلى أن الأسباب لم يتم فهمها بشكل جيد حتى الآن؛ وبينما يمكن للعلاج أن يساعد وللأدوية أن تخفف بعض الأعراض المرتبطة بالمرض، لا يوجد علاج مضمون لكل شخص، ويبقى النكس شائعًا.

لحسن الحظ يبدو أننا أحرزنا بعض التقدم بعد أن حلل الباحثون أكثر من 70000 جينوم ووجدوا شيئًا غير متوقع.

«ما توقعناه هو إيجاد مورثات متورطة بشكل واضح في الجوانب الصحية والنفسية العقلية للمرض، وهذا أمر مهم بالتأكيد»؛ كما صرّح عالم الأوبئة الوراثية نيكولاس مارتن Nicholas Martin من معهد QIMR بيرغفور للأبحاث الطبية في أستراليا QIMR Berghofer Medical Research Institute in Australia لأخبار ABC.

«لكن ما أثار دهشتنا هو إيجاد ما يبدو أنه ارتباط قوي جدًا مع الاستقلاب أيضاً».

بالمجمل، حدد الفريق ثمانية اختلافات وراثية مرتبطة مع القهم ، بعضها مرتبط مع بعض الاضطرابات النفسية مثل الوسواس القسري والاكتئاب والقلق والفصام، لكن كان يوجد أيضًا ارتباط مع الوظيفة الاستقلابية، كقدرة الأشخاص على استقلاب الدهون والسكاكر.

في حين أن طبيعة الارتباط بين الوظيفة الاستقلابية والقهم ما زالت غير معروفة بشكل واضح، تقترح النتائج أن المشاكل الاستقلابية قد تنتج استعدادًا بيولوجيًا للحالة التي لم يستطع الباحثون فهمها بشكل كامل سابقًا.

كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «نلاحظ بحذر أن هذه النتائج تمثل الدلائل الأولى لمسارات pathways وأنسجة وأنواع خلوية محددة قد تتواسط الخطر الوراثي للقهم العصبي، وقد يساهم سوء تنظيم الاستقلاب الأساسي في الصعوبة الاستثنائية التي تواجه المصابين بالقهم العصبي للحفاظ على مؤشر كتلة الجسم BMI طبيعيًا، حتى بعد إعادة التغذية العلاجية».

ما زال هناك الكثير لكشفه حول دلالة هذه الارتباطات، وهناك قيود أخرى على المدى الذي نستطيع استنتاجه من الدراسات الرصدية بشكل خاص في هذه الدراسة التي أتى المشاركون بها من خلفيات أوروبية بالمقام الأول، يعني ذلك أن النتائج لم تتكرر بعد عبر الأعراق والثقافات الأخرى.
مع ذلك، يقول الباحثون أن هذه النتائج تعطينا مصادر جديدة لاكتشاف الأسباب المحتملة للقهم، وطرقًا جديدة واعدة لعلاجات مُطورة.

يقول مارتن: «حددنا أول ثماني جينات لكننا نعلم أنه توجد مئات الجينات الأخرى لتحديدها، ويمكننا إنجاز ذلك فقط عبر توسيع الدراسة وتجنيد المزيد من المشاركين.

عبر إظهار الدور الذي تلعبه الجينات في هذه المشكلة، يجب أن نكون قادرين على إزالة كل سمة عار متبقية مرتبطة بمشكلة القهم العصبي للمرضى ولعائلاتهم».

نُشرت النتائج في مجلة Nature Genetics.

اقرا أيضًا:

الاضطرابات النفسية، أساسها جيني أم اجتماعي؟

فقدان الشهية العصبي، خوف مبالغ فيه أم مرض مدمر؟

ما هو مرض فقدان الشهية العصابي ؟ وما هي اعراضه و اثاره على الجسم ؟

ترجمة: راما الصوا

تدقيق: علي قاسم

المصدر