ربما تظن أن المريخ والمياه لا يمكن أن يجتمعا في مكان واحد، ولكن في وقت من الأوقات كان الكوكب الأحمر الجاف مزدهرًا ومشبعًا بالمياه. لا زلنا نتعرف على تاريخ المياه على المريخ ، إذ اكتشف علماء الكواكب على الأقل خزانين للمياه القديمة التي ربما كانت مخزنة تحت سطح المريخ، وكان لكل خزان منهما بصمة كيميائية مختلفة.

تشير تلك النتائج إلى أن المريخ، على عكس الأرض، ربما لم يمتلك محيطًا واحدًا ضخمًا من الصهارة الموجودة تحت الأرض المحيطة بالكوكب.

«لا يزال الكثيرون يحاولون معرفة تاريخ المياه في المريخ» وفقًا لعالمة الكواكب جيسيكا بارنيس من جامعة أريزونا.

وتضيف بارنيس: «من أين جاءت المياه؟ وكم المدة التي بقيت فيها فوق السطح؟ ومن أين جاءت المياه الداخلية للمريخ؟ وما الذي يمكن أن تخبرنا به المياه بشأن تكون المريخ وتطوره؟».

وُجد الدليل في صخور المريخ، ولكن لا يمكننا الذهاب إلى المريخ وإحضاره، ولكن حتى الآن لم ننفذ أي مهمة لإعادة العينات من المريخ. ولكن أحيانًا ما يأتي المريخ إلينا على أي حال.

ربما احتوى المريخ في الماضي على خزانين عملاقين للماء على عمق كبير - خزانين للمياه القديمة التي ربما كانت مخزنة تحت سطح المريخ

تجد الأحجار النيزكية المنشطرة من قشرة المريخ طريقها إلى كوكب الأرض من حين إلى آخر. هنا في المعامل على كوكب الأرض وباستخدام أحدث الأساليب، يدرس العلماء عن كثب اثنين من تلك الأحجار النيزكية، وهما آلان هيلز 84001، المكتشف في أنتاركتيكا في 1984، وشمال غرب أفريقيا 7034، المكتشف في الصحراء الكبرى في 2011.

فحص الفريق نظائر الهيدروجين الموجودة في صخور المريخ. النظائر هي تنوعات من العناصر لها عدد مختلف من النيوترونات؛ الديوتيريوم -والمعروف أيضًا بالهيدروجين الثقيل- يمتلك بروتون واحد ونيوترون واحد، أما البروتيوم، أو الهيدروجين الخفيف، يمتلك بروتونًا واحدًا ولا يمتلك أي نيوترونات.

ولأن الهيدروجين هو أحد مكونات المياه، يمكن أن تساعدنا نسبة هذين النظيرين في الصخور على فهم تاريخ المياه التي كانت موجودة داخل تلك الصخور- فالأمر أشبه بحفرية من الماء، أو بصمة للوجود يمكن تحليلها لمعرفة أصلها والعمليات الكيميائية التي تعرضت لها.

لم تكن بارنيس وفريقها أول من يدرس نظائر الهيدروجين في الأحجار النيزكية المريخية بهدف محاولة فهم طبيعة المياه على الكوكب. ولكن النتائج السابقة كانت مشتتة ومتناقضة.

هنا على الأرض، يُعتبر البروتيوم هو النظير الأكثر انتشارًا. ينطبق ذلك على الغلاف الجوي (على الرغم من عدم وجود الكثير من الهيدروجين بداخله) والهيدروجين الموجود في المياه داخل الصخور، والهيدروجين الموجود في مياه المحيط.

على المريخ، يعتبر الديوتيريوم النظير الهيدروجيني الأكثر شيوعًا في الغلاف الجوي، على الأغلب لأن الإشعاع الشمسي ينزع البروتيوم، ولكن يبدو أن نسب النظائر التي اختبرها العلماء في الصخور تتشابه أكثر مع كوكب الأرض.

لذا قررت بارنيس وفريقها إلقاء نظرة أكثر تدقيقًا على الأحجار النيزكية التي يعرفون بشكل قاطع أنها تعود إلى قشرة المريخ.

طبقًا للتأريخ بواسطة التحلل الإشعاعي الذي أُجري سابقًا على آلان هيلز 84001، فإنه قد تفاعل مع السائل الموجود في قشرة المريخ منذ ما يقرب من 3.9 مليار سنة. وجد تحليل مماثل أن شمال غرب أفريقيا 7034 تفاعل مع السائل منذ 1.5 مليار سنة.

عندما أجرت بارنيس وفريقها تحليل النظائر، وجدوا أن كلتا العينتين كان لهما نسبة نظائر متماثلة، وهي تقع بين النسبة الموجودة في المياه على سطح الأرض ونسبة النظائر في الغلاف الجوي للمريخ. والأكثر غرابةً، أن النسبة كانت مماثلة للصخور ذات العمر الأقل التي حللها متجول كيوريوسيتي على سطح المريخ.

يشير ذلك إلى أن التركيبة الكيميائية للماء بقيت ثابتة لما يقارب 3.9 مليار سنة، وهي النتيجة التي لم تكن متوقعة بمعرفة البحث السابق.

ذكرت بارنيس: «تتواجد الأحجار النيزكية المريخية في كل مكان، ولذا فإن محاولة معرفة ما تخبرنا به تلك العينات بخصوص الغلاف المائي للمريخ كان تحديًا كبيرًا على مر التاريخ».

وتضيف: «دفعتنا حقيقة أن بيانات القشرة كانت مختلفة تمامًا للعودة خلال الأدب العلمي ومحاولة استقصاء البيانات».

ولكن عندما قارن الفريق نتائجهم مع البحث السابق على نظائر الهيدروجين في الأحجار النيزكية من الغلاف المريخي -الموجود تحت القشرة- وجدوا أمرًا مفاجئًا للغاية. تتناسب الأحجار النيزكية من القشرة مع مجموعتين مميزتين من الأحجار البركانية التي تُدعى «شرغوتي».

يحتوي الشرغوتي المخصب على الكثير من الديوتيريوم؛ بينما يحتوي الشرغوتي الناضب على القليل منه. بحساب متوسط النسبتين، نحصل على نسبة القشرة الموجودة في آلان هيلز 84001 وشمال غرب أفريقيا 7034.

تشير تلك البصمتان الكيميائيتان المميزتان إلى وجود خزانين مختلفين وغير ممتزجين من المياه في القشرة المريخية. ما قد يعني أن محيطًا من الصهارة السائلة الموجودة تحت الغلاف لم يجانس من الطبقة الموجودة أعلاه.

أردفت بارنيس: «ربما يخبرنا هذان المصدران المختلفان من المياه من باطن المريخ بشيء ما بخصوص أنواع الأجسام التي كانت قادرة على الاندماج مع الكواكب الداخلية الصخرية».

وأضافت: «يعتبر هذا السياق أيضًا مهمًا لفهم البيولوجيا الفلكية للمريخ وصلاحيته للسكن في الماضي».

نُشر البحث في مجلة نيتشر جيوساينس.

اقرأ أيضًا:

باستخدام خوذة دارث فيدر.. هكذا ستتمكن ناسا من جلب العينات المريخية

ناسا تعلن عن بعثة (المريخ 2020).. والتفاصيل مثيرة للاهتمام!

ترجمة: شريف فضل

تدقيق: رزوق النجار

مراجعة: صهيب الأغبري

المصدر