يحتوي نظامنا الشمسي على ثلاثة أنواع من الكواكب. فبين الكواكب الصخرية الأربعة -عطارد والزهرة والأرض والمريخ- وبين العملاقين الجليديين البعيدين نبتون وأورانوس، يقبع عملاقان غازيان: زحل والمشتري.

تتكون هذه الكواكب في معظمها من غازي الهيدروجين والهيليوم. وقد أدرك العلماء حديثًا أن هذه الكواكب أعقد بكثير مما كان يُعتقد سابقًا. وتُلقي الاكتشافات الحديثة الضوء على كيفية نشأة الكواكب الغازية، وتسهم في توجيه تصميم البعثات المستقبلية التي قد تزورها يومًا ما.

كيف تتشكل الكواكب الغازية العملاقة؟

تتشكل الكواكب الغازية العملاقة بوسيلتين رئيسيتين. تُعرف الطريقة الأولى باسم التراكم على النواة. تبدأ هذه العملية بولادة نجم جديد، عندما تنهار السحب الجزيئية تحت تأثير الجاذبية، فينشأ قرص غازي يدور حول النجم الوليد. يحتوي هذا القرص -المسمى القرص الكوكبي الأولي- على جسيمات أثقل من الهيليوم، مثل الغبار والصخور. وتنجذب هذه الجسيمات إلى بعضها مكونة نواة صلبة، تبدأ بجذب الغاز من القرص المحيط، لتتضخم تدريجيًا وتكون كوكبًا عملاقًا يغلب عليه الطابع الغازي.

أما الطريقة الثانية، التي لا تزال موضع جدل بين منظري الكواكب، فتُسمى عدم استقرار القرص. وفقًا لهذه النظرية، عندما تبرد الأقراص الكوكبية الضخمة، تفقد استقرارها وتتشكل فيها تكتلات من الغاز والصخور تنمو بسرعة إلى كواكب عملاقة. ما يميز هذه الآلية أنها تحدث بوتيرة أسرع بكثير من التراكم على النواة.

يُرجح أن المشتري وزحل تشكلا بواسطة التراكم على النواة، في حين قد يفسر عدم استقرار القرص نشأة الكواكب العملاقة الضخمة ذات المدارات البعيدة، أو تلك التي تدور حول نجوم منخفضة الكتلة.

الهبوط على كوكب غازي عملاق:

بصرف النظر عن كيفية نشأتها، تختلف بنية الكواكب الغازية العملاقة كليًا عن تلك الصخرية مثل الأرض. فالمشتري وزحل لا يملكان سطحًا صلبًا يمكن الوقوف عليه. فكلما نزلنا أعمق في غلافهما الجوي، تقل كثافة الغاز تدريجيًا إلى أن تبلغ حدًا لا يمكن بعده اعتبار الغاز جزءًا من الكوكب. لا توجد نقطة محددة يمكن القول عندها: هنا ينتهي الكوكب.

لو حاولت مركبة فضائية الهبوط على سطح المشتري، فستواجه تحديات هائلة. فمع دخولها الطبقات العليا من سحب الغاز الكثيفة التي تمثل بداية الكوكب، سترتفع درجات الحرارة والضغط تدريجيًا كلما اقتربت من المركز، فيتحول الهيدروجين والهيليوم من حالتهما الغازية إلى سائل. ومع أن هذه الكواكب بعيدة عن الشمس، فإن نواتها شديدة السخونة، إذ تُقدر درجة حرارة نواة المشتري بنحو 24,000 درجة مئوية. ويجب على المركبة أن تمر عبر طبقات كثيفة من سحب الأمونيا في الغلاف الجوي العلوي للمشتري.

وحتى لو صُنعت المركبة من مواد تفوق في متانتها كل ما نعرفه على الأرض، فقد لا تصمد أمام الظروف القاسية لتصل إلى النواة. وما قد ينتظر هناك، وسط الظلمة والغموض، لا يزال مجهولًا.

ماذا يوجد في أعماق الكواكب الغازية؟

لطالما افترض العلماء وجود نواة صلبة ومحددة في مركز الكواكب الغازية، لكن هذا التصور تغير بفعل البيانات التي أرسلتها بعثات فضائية حديثة، مثل جونو التي دارت حول المشتري، وكاسيني التي دارت حول زحل حتى غاصت في غلافه الجوي في مهمتها الأخيرة عام 2017.

«نعتقد الآن أن هذه الكواكب تمتلك نوى ضبابية أو مخففة، أي أن الانتقال بين الطبقات الخارجية من الهيدروجين والهيليوم السائلين وبين نواة الكوكب لا يتم عبر حدود واضحة، بل يحدث بشكل تدريجي ومعقد».

أحدثت البيانات التي جمعتها جونو وكاسيني تحولًا جذريًا في فهمنا لبنية هذه العوالم. إذ تشير الأدلة إلى وجود تدرجات حرارية وتركيبية داخلية معقدة. كما يُعرف المشتري بعواصفه الهائلة -أشهرها البقعة الحمراء العظيمة- التي تُطلق رياحًا تبلغ سرعتها نحو 640 كيلومترًا في الساعة. يُرجح العلماء أن بعض المناطق داخل المشتري وزحل تشهد انفصال غاز الهيليوم عن الهيدروجين، ليهطل الهيليوم في شكل قطرات مطرية نحو النواة.

رؤى ونماذج جديدة:

تساعدنا هذه الرؤى المتقدمة على تعميق فهمنا لكواكب مجموعتنا الشمسية، وتمهد الطريق لدراسة كواكب شبيهة خارج النظام الشمسي.

«ندرك الآن أن بعض الافتراضات المبسطة التي اعتمدناها في نمذجة هذه الكواكب كانت خاطئة، وأن علينا تعديل تلك النماذج لتواكب ما كشفته لنا البعثات الحديثة».

اقرأ أيضًا:

كيف يحسب العلماء احتمالية اصطدام كويكب بالأرض؟

رسميًا، العلماء يؤكدون التركيب الداخلي للقمر

ترجمة: غالية طيب صالح

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

المصدر