استطاع علماء الفلك عام 2019 التقاط أول صورة مباشرة لثقب أسود، وذلك بفضل توهج المواد المحيطة به. لكن توجد ثقوب سوداء كثيرة يصعب اكتشافها. من ناحية أخرى، عثر فريق آخر باستخدام تلسكوب هابل الفضائي على شيء لم يره أحد من قبل، ثقب أسود غير مرئي، وقد عُرض هذا البحث على الإنترنت وقُدم للنشر في مجلة الفيزياء الفلكية، لكنه إلى الآن لم يخضع للمراجعة من قبل المختصين.

تُعرف الثقوب السوداء بأنها ما يبقى بعد موت النجوم الكبيرة وانهيارها، وتكون كثافتها عالية جدًا، وجاذبيتها قوية، فلا يمكن لأي شيء أن يهرب منها مهما كانت سرعته؛ حتى الضوء ذاته. يحرص علماء الفلك على دراسة الثقوب السوداء لأنها تخبرنا الكثير عن الطرق التي تموت بها النجوم، فبقياس كتل الثقوب السوداء يمكننا معرفة ما حدث في اللحظات الأخيرة من حياة النجوم، تلك اللحظات التي تنهار فيها النوى وتتناثر الطبقات الخارجية.

الثقوب السوداء غير مرئية لأنها قادرة على حبس الضوء، ولكن يمكن اكتشافها بتفاعلها مع ما حولها بفعل جاذبيتها القوية، فقد اكتُشفت المئات من الثقوب السوداء الصغيرة بتفاعلها مع النجوم الأخرى.

يتحقق هذا الاكتشاف بطريقتين مختلفتين: في النجوم ثنائية الأشعة السينية، حيث يدور نجم وثقب أسود حول مركز مشترك وينتج عنهما أشعة سينية، يسحب الثقب الأسود المادة من النجم، فتدور المادة حول الثقب الأسود وترتفع حرارتها نتيجة الاحتكاك. تتوهج هذه المادة الساخنة بقوة وتظهر في ضوء الأشعة السينية، ما يجعل الثقب الأسود مرئيًا فترة وجيزة قبل أن تُمتص هذه المواد وتُسحب إلى داخل الثقب الأسود؛ ليعود ويختفي من جديد. يمكن أيضًا اكتشاف أزواج من الثقوب السوداء عندما تندمج معًا إلى الداخل وتنبعث منها ومضات قصيرة من موجات الجاذبية ضمن الزمكان.

لكن تبقى العديد من الثقوب السوداء تتجول في الفضاء دون أن تتفاعل مع أي شيء، ما يجعل من الصعب اكتشافها. هذا يشكل تحديًا كبيرًا، لأنه إذا لم نتمكن من اكتشاف تلك الثقوب السوداء، فلن نتمكن من معرفة كيفية تشكلها وكيف ماتت النجوم التي أتت منها.

الثقوب السوداء: آفاق جديدة ومظلمة

لاكتشاف هذا الثقب الأسود غير المرئي، وجب على العلماء الجمع بين نوعين مختلفين من المشاهدات على مدى عدة سنوات، وتمكنوا من الوصول إلى طريقة جديدة لاكتشاف الثقوب السوداء المعزولة بعد أن كان من شبه المستحيل القيام بذلك.

تنبأت نظرية النسبية العامة لآينشتاين بأن الأجسام الضخمة تتسبب بانحناء الضوء إذا مر من خلالها. هذا يعني أنه عندما يمر الضوء بالقرب من ثقب أسود غير مرئي -لكن ليس قريبًا جدًا حتى لا ينجذب إلى داخل الثقب- سينحني كما ينحني عند مروره بالعدسة. هذا ما يُسمى بعدسة الجاذبية، ويلاحظ عندما يغطي جسم أمامي على جسم خلفي، فيثني هذا الجسم ضوء الجسم الخلفي. استخدم العلماء هذه الطريقة لدراسة كل شيء بدءًا من عناقيد المجرات وصولًا إلى الكواكب التي تدور حول النجوم.

دمج مؤلفو البحث الجديد في بحثهم عن الثقوب السوداء نوعين من المشاهدات عن عدسات الجاذبية. بدؤوا أولًا برصد الضوء القادم من النجم البعيد وهو يتضخم، فيبدو النجم أكثر إشراقًا فترةً ثم يعود لطبيعته. لم يتمكن الباحثون من رؤية أي جسم في المقدمة فلجأوا إلى عملية التكبير بعدسة الجاذبية. ذلك يشير إلى أن هذا النجم ربما هو ثقب أسود منفرد، وهو شيء لم يُرَ من قبل، وقد يكون مجرد نجم خافت.

إن معرفة ما إذا كان النجم ثقبًا أسود، أم محض نجم خافت؛ يتطلب الكثير من العمل، لذلك لجأ الباحثون إلى النوع الثاني من مشاهدات عدسات الجاذبية. التقط الباحثون صورًا كثيرة على مدى ست سنوات باستخدام تلسكوب هابل، وقاسوا المسافة التي يجب أن يتحرك بها النجم كلما انحرف الضوء الصادر عنه.
سمح لهم ذلك بحساب كتلة ومسافة هذا الجسم الذي تسبب في تأثير العدسة. ووجدوا أنها أكبر بسبعة أضعاف من كتلة شمسنا، ويقع على بعد نحو 5000 سنة ضوئية، والتي قد تبدو بعيدة ولكنها قريبة نسبيًا في الواقع. نجم بهذا الحجم وعلى هذه المسافة يجب أن يكون مرئيًا لنا، وبما أننا لا نستطيع رؤيته فقد يكون ثقبًا أسود منفردًا.

إن رصد هذه المشاهدات باستخدام تلسكوب هابل ليس سهلًا. يحظى هذا التلسكوب بشعبية كبيرة ويصعب استخدامه إلا في أوقات محددة. بالنظر إلى صعوبة التأكد من كون الجسم ثقبًا أسود أو نجمًا خافتًا، فقد لا نحظى بفرصة العثور على المزيد منه. لحسن الحظ، نحن في بداية ثورة في علم الفلك، وهذا بفضل جيل جديد من التقنيات بما في ذلك تقنية مسح Gaia، ومرصد Vera Rubin وتلسكوب Nancy Grace Roman Space ، وكل هذه التقنيات يمكن أن تُجري قياسات متكررة لأجزاء كبيرة من السماء بتفاصيل غير مسبوقة.

سيكون هذا إنجازًا ضخمًا في جميع مجالات علم الفلك، لأن الحصول على قياسات منتظمة وعالية الدقة لمناطق كبيرة من السماء سيسمح لنا بالتحقق من الأجسام التي تتغير في فترات زمنية قصيرة جدًا. يمكن أن ندرس أشياء كثيرة بطرق مختلفة مثل الكويكبات، والنجوم المتفجرة التي تُعرف باسم المستعرات العظمى، والكواكب التي تدور حول النجوم. عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الثقوب السوداء غير المرئية، فهذا يعني أنه بدلًا من العثور على ثقب أسود واحد فقط، يمكننا قريبًا العثور على الكثير، وقد يصبح الأمر معتادًا. وهكذا سنصل إلى فهم أوسع لكل ما يتعلق بموت النجوم وتكوين الثقوب السوداء.

في النهاية يمكن أن نقول أن الثقوب السوداء غير المرئية في المجرة سيكون اختباؤها عن أعين الباحثين صعبًا.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف أحد أصغر الثقوب السوداء العملاقة

إذا كانت تبتلع كل شيء؛ لماذا يوجد عدد هائل من الثقوب السوداء في الكون؟

ترجمة: أحمد عضيم

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر