بعيدًا عن نظامنا الشمسي، خارج مجرّتنا في الفضاء الفسيح، توجد مجموعة غريبة من الكواكب الخارجية. تُعرف باسم كواكب المشتري الساخنة.

لا يوجد أكثرها منفردًا بل يدور حول نجم مضيف. وهي ليست فقط شديدة الحرارة بل من الواضح أن الجاذبية شوهت هيئتها.

الآن وللمرة الأولى التقط فلكيون الشكل المشوه لأحد تلك الكواكب الساخنة. وعلى خلاف الكواكب الكروية التي اعتدناها، أصبح هذا الكوكب شبيهًا بكرة الرغبي!

تحقق هذا الإنجاز بفضل تلسكوب الفضاء «كيوبس» (CHEOPS) الذي قد يساعدنا على فهم كيفية وجود هذه الكواكب الخارجية في مثل تلك المدارات البعيدة.

يقول عالم الفلك جاك لاسكار من مرصد باريس وجامعة باريس للعلوم والآداب في فرنسا: «إنه أمر لا يصدق! حقيقة أن يتمكن كيوبس من رصد هذا التشوه الضئيل. للمرة الأولى نحلل فيها الأمور على هذا النحو. يمكننا أن ننتظر ما ستضيفه المشاهدة على مدى زمني أطول، لتأكيد تلك الملاحظة وفي سبيل معرفة أفضل بالتكوين الداخلي للكوكب».

 رسم توضيحي لكشف كيوبس عن كوكب يشبه كرة الرغبي

رسم توضيحي لكشف كيوبس عن كوكب يشبه كرة الرغبي

سُمي الكوكب الخارجي (WASP-103b) ويدور حول نجم مضيف يُسمى ( WASP-103) على بعد 1800 سنة ضوئية. إنه كوكب مشتري ساخن نموذجي.

كما يدل الاسم، فإن تلك الكواكب الخارجية عمالقة غازية مثل المشترى لكنها تختلف عن المشتري في شيء واحد: مدارها قريب جدًا من النجوم المضيفة وتستغرق الدورة حول النجم عشرة أيام فقط، ما يجعلها شديدة الحرارة.

وفقًا للنماذج الحالية لتكوين الكواكب، عمليًا، ليس من المفترض أن يوجد كوكب مشتري ساخن من الأساس. فلا يمكن أن يتشكل عملاق غازي على هذه المسافة القريبة من نجمه، إذ يُفترض أن تحول الجاذبية والإشعاع والرياح النجمية الشديدة دون تجمع الغاز، ومن ثم تشكل الكوكب.

ومع ذلك، فهي موجودة بالفعل، من بين ما يقرب من 5000 كوكب خارجي مؤكد حتى الآن، قد يكون أكثر من 300 كوكب من كواكب المشتري الساخنة. يُعتقد أنها تتشكل بعيدًا في أنظمتها الكوكبية الخاصة، ثم تهاجر إلى الداخل نحو النجم. أيًا كانت كيفية تشكلها، فإنها قد تخبرنا الكثير عن الجاذبية، والمد والجزر، والتفاعلات بين الكوكب ونجمه، لذلك من المثير دراستها.

اكتُشف الكوكب الخارجي (WASP-103b) أول مرة عام 2015 ويبدو أن تلك المشاهدة تفي بالغرض تمامًا. تعادل كتلته كتلة المشتري مرة ونصف وحجمه ضعفي حجم المشتري. يدور على مقربة من نجمه وتستغرق الدورة تقريبًا يومًا واحدًا. ما يؤكد سخونته الشديدة إذ تعادل حرارته 20 ضعف حرارة المشتري.

ومع أن الكوكب (WASP-103b) كبير نسبيًا، فإننا لا نستطيع حساب حجمه مباشرةً. فالضوء المنبعث من نجمه المضيف يحول بيننا وبين رؤيته. ولكن يمكننا استخدام طريقة العبور. عندما يمر الكوكب الخارجي بيننا وبين نجمه المضيف، يسبب ذلك تغيرات طفيفة في سطوع النجم إذ يخفت النجم قليلًا عندما يمر الكوكب أمامه ويزداد خفوتًا عندما يمر خلفه، فيما يعرف بالمنحنى الضوئي.

المنحنى الضوئي في مرحلة العبور، المنحنى الضوئي الخاص بالكوكب الخارجي.

المنحنى الضوئي في مرحلة العبور، المنحنى الضوئي الخاص بالكوكب الخارجي.

يتميز تلسكوب كيوبس التابع لوكالة الفضاء الدولية، بتصميمه المخصص لرصد المنحنيات الضوئية تلك بدقة فائقة. تجمعت لدى الوكالة مشاهدات عديدة تخص عبور الكوكب الخارجي (WASP-103b)، استطاع علماء الفلك بوساطة تلك البيانات حساب التوزيع الداخلي للكتلة. وأصبح لديهم مجموعة من القياسات تُعرف باسم «نسب لوف» (Love numbers).

قال الباحثون: «هذا يقدم أدلةً عن كيفية تشكل الكوكب الخارجي، ومقاومة المواد للتشوه اعتمادًا على تكوينها».

مثلًا، تستجيب محيطات الأرض لجاذبية القمر. في حين لا تتأثر القارات، أو لا تتأثر بالدرجة ذاتها. لذا قد يكشف تشوه الكوكب عن تكوينه سواءً كان صلبًا أو سائلًا أو غازيًا.

وفقًا لتحليلاتهم، لا يشابه (WASP-103b) المشتري في الحجم فقط بل في التكوين والبنية أيضًا. فهو ربما الكوكب الخارجي الأكثر هشاشة.

ومع أن كتلته تعادل كتلة المشتري مرة ونصف، فإن حجمه ضعفي المشتري، ما يرجح أن الكوكب يتضخم بتأثير حرارة النجم.

توضح سوزانا باروس الباحثة في معهد الفيزياء الفلكية والعلوم الفضائية وجامعة بورتو في البرتغال: «إذا أكدت المشاهدات المستقبلية تفاصيل التكوين الداخلي للكوكب الخارجي، قد نفهم سبب تضخمه على نحو أفضل، فمعرفة حجم اللب جوهرية لاستنتاج كيفية تشكل الكوكب».

ستساعد المزيد من المشاهدات الفلكيين على اكتشاف ذلك، وربما حل لغز آخر. معظم كواكب المشتري الساخنة تقصُر دورتها المدارية كلما اقتربت من نجمها. في حين تبدو الدورة المدارية للكوكب (WASP-103b) في ازدياد، طبقًا لمشاهدات كيوبس.

لا نستطيع توقع السبب، فربما يعترض جسم آخر طريقه أو ربما يشذ المدار عن بقية المدارات، ما يقوض حساباتنا.

وربما تكون القياسات غير دقيقة، أو غير مفهومة كما يجب، وأن المدار يقصر بالفعل. وقد تأتي دراسات أخرى حول النجم وكواكبه الخارجية الغريبة بحل لهذا اللغز.

كتب الباحثون: «قد تساعد مشاهدات جيمس ويب المستقبلية على تحديد نسبة لوف الخاصة بالكوكب (WASP-103b)، التي تعطي قياسات الصلابة وقابلية التشكل والاستجابة للمد والجزر، وأيضًا الحصول على مشاهدة غير مسبوقة من المناطق الداخلية على هذا المشتري الساخن».

اقرأ أيضًا:

علماء يرصدون قرابة 350 كوكبًا خارجيًا

رصد كوكب خارجي داخل نظام نجمي كبير يغير مفهومنا عن كيفية تكون هذه الأجرام

ترجمة: عصماء عصمت

تدقيق: حسام التهامي

المصدر