لا تتوافق عناصر الجينوم البشري بالضرورة، فكثير منها جينات أنانية تهتم فقط بانتشارها وبقائها، وقد كشف بحث جديد المزيد حول كيفية تطور سباق التسلح التطوري بين الجينات لتحييد الجينات السيئة.

مع إننا نعلم بخصوص طفيليات الجينوم منذ سنوات، فإن هذه الدراسة الأخيرة تقدم دليلًا إضافيًا على كيفية عملها بالضبط. تبحث الدراسة تحديدًا في جينومات ثلاثة أنواع من ذبابة الفاكهة تُعد متقاربة.

يشترك ذباب الفاكهة بنحو 70% من الجينات التي تسبب الأمراض البشرية وتشبه البشر على المستوى الجزيئي، ما يجعلهم مرشحين مثاليين للبحث الجيني، أيضًا فإن الدورة الإنجابية لديهم قصيرة، فهي أقل من أسبوعين، ما يعني إمكانية دراسة عدة أجيال من الذباب.

وجد الباحثون أن كل نوع من أنواع ذباب الفاكهة يحتوي في كروموسومات X من 5 إلى 12 جين محرك انتصافي -جينات مُجبِرة تظهر في الخلايا عند الانقسام الانتصافي-، هذه الجينات المكتشفة حديثًا هي جينات أنانية، تحاول التسلل إلى أكثر من 50% من نسل الوالدين.

تقول عالمة الأحياء التطورية كريستينا مويرهيد من جامعة روتشستر: «وجدنا أن سباق التسلح التطوري قد أدى إلى انتشار جينات محركة انتصافية على كروموسوم X وانتشار الجينات الكابتة في أماكن أخرى من الجينوم».

ترتبط الجينات التي وجدها الباحثون بجين محرك انتصافي يسمى المشوه الموجود على كروموسوم X –اختصارًا «دوكس»-، يقتل دوكس الحيوانات المنوية الحاملة للكروموسوم Y، على هذا أُطلقت تسمية «شبيه دوكس» -أو دكسل- على الجينات الجديدة، لأنها تستخدم نوعًا مشابهًا من الهجوم.

تبين أن جينات دكسل تنتج بروتين هيستون يتداخل مع الخلايا الجنسية الذكرية غير الناضجة التي تحمل الكروموسوم Y، ثم تموت هذه الخلايا، ما يعني أن الأجيال القادمة ستنجب إناثًا أكثر بكثير من الذكور.

أفاد الباحثون أن جميع جينات دكسل مهتمة بتكاثر نفسها، متجاهلةً النتيجة المنطقية لهذا النوع من السلوك الذي يقود إلى انقراض الأنواع -والجينات ذاتها- بسبب إنتاج عدد متناقص من الذكور.

يقول عالم الوراثة التطورية دافين بريغريفز: «للجينات المحركة أفضلية تطورية بسبب قتل الحيوانات المنوية الحاملة لكروموسوم Y، لكن الأفراد الذين يحملون الجينات المحركة يعانون انخفاض الخصوبة، ويصبح النسل متحيزًا للإناث باستمرار، ما يجعل النوع عرضة للانقراض».

لتحقيق التوازن، وجد الفريق أيضًا أن نسخًا من جينات دكسل تنفذ هجومًا مضادًا على جينات دكسل الأصلية، بالتظاهر بأنها جينات دكسل أنانية، فتعمل هذه النسخ على تحييد جينات دكسل الحقيقية بالتدخل بالحمض النووي الريبي بدلًا من التعبير عن بروتينات دكسل كالمعتاد، ما يعني أن بقية جينوم ذبابة الفاكهة قد تطور لقمع الأجزاء الأنانية وضمان الاستمرارية.

نحن بحاجة إلى الكثير من العمل للتحقق من إمكانية حدوث شيء مشابه في الجينوم البشري، لكن نظرًا إلى مدى تشابه ذبابة الفاكهة جينيًا بالنسبة إلينا، فمن المحتمل أن يحدث الأمر في الثدييات أيضًا، إذ تنشب معارك مجهرية بين الجينات لكسب التفوق والحفاظ على توازن الجينوم.

يقول بريغريفز: «نسخ الجينات المتكررة المماثلة لجينات دكسل التي تحيز بأنانية نسب جنس على حساب الآخر شائعة في الكروموسومات X و Y عند القردة العليا والبشر، وهذا دليل على الأثر المهم لسباقات التسلح التطورية في تطور الجينوم».

اقرأ أيضًا:

مقدمة إلى البيولوجيا التركيبية

مراقبة عملية إصلاح الحمض النووي لدى البكتيريا في الوقت الفعلي

ترجمة: طارق محمد

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر