تتناول هذه السلسلة تطور علم الفيزياء من بداية الدهر حتى وقتنا الحالي، مرورًا بذكر اهم علماء الفيزياء، واهم النظريات والأكتشافات الفيزيائية، والصراعات الفكرية التي دارت رحاها بين العلماء، وانتجت لنا هذا الكم من النظريات والأختراعات التي افادت البشرية.

علم الفيزياء عند اليونانيون القدماء لم يكن كما هو معروف الآن، بالتأكيد الأمر برمته كان مختلف، ولكن هذا لا يدع مجال للتغاضي عن محاولاتهم وجهودهم المستمرة في تأسيس هذا العلم. فالأختلاف هو ان اليونانين القدماء افتقدوا للتنبؤ بالأحداث المستقبلية، وربط الظواهر الكونية والفلكية ببعضها؛ اي انهم فقدوا المبادئ والنظريات الفيزيائية، وهذا لم يساعدهم في تطويع الفيزياء للتنبؤ ببعض الأحداث الطبيعية، وذلك بالرغم من رصدهم لبعض الأجرام السماوية، وتوصلهم لبعض القوانين مثل قانون الطفو لأرشميدس.

لعل ابرز انجاز لليونانين في الفيزياء، هو ربطهم بين الهندسة الأقليدية وعلم الفيزياء، فقوانين نيوتن للحركة لم تكن ذو فائدة، لو لم يتم ربطها بالهندسة، وبالتالي لن يتم ربط بعض الأحداث الفلكية المنفصلة ببعضها. هناك ثلاث انواع من الهندسة الأقليدية، الهندسة الأقليدية ( التي تتعامل مع الفضاء المنبسط )، الهندسة الزائدية ( التي تتعامل مع فضاء على شكل سرج حصان، او انحناء سلبي )، الهندسة الناقصية ( التي تتعامل مع فضاء على شكل مقعر، او انحناء ايجابي ).

الليونانين لم يتوصلوا سوى للهندسة الأقليدية، وذلك بمجهود الكثير من العلماء مثل اقليدس وفيثاغورث وأوُدكسوس، ولكن ربما فيثاغورث هو صاحب نصيب الأسد في هذا الأسهام، خاصةً وانه كان يمتلك مدرسة فلسفية خاصة، اثرت في الكثير من تلاميذه واتباعه، فاعتمدت هذة الفلسفة على الأرقام، فجعلوا الظواهر الطبيعية كلها عبارة عن تناغم وتوافق عددي، فقادتهم هذة الفكرة الى ان تناغم الأصوات الموسيقية يعتمد على المجالات الفاصلة بين طبقات الصوت، فاستطاعوا وصف حركة بعض الأجرام السماوية، بدلالة العلامات الموسيقية والطبقات الصوتية المختلفة، فاستغل عالم الفلك « كبلر » هذة الفكرة في وصف حركة الكواكب. فيثاغورث لم تتوقف انجازاته عند هذا الحد، بل انه اطلق الينا نظريتة الشهيرة، التي تعبر ان طول وتر المثلث القائم بدلالة الضلعين الآخرين، سواء كان هذا المثلث على اي سطح من الهندسة الأقليدية واللااقليدية ايضًا، وقد ساعد هذا اينشتاين في التوصل الى نظريتة النسبية.

ننتقل الى عظيم اخر اثر فى تاريخ علوم الهندسة والفيزياء، وهو صاحب كتاب ( المبادئ ) الذي يضم اساسيات وبديهات علوم الهندسة والرياضيات، بالتأكيد هو اقليدس. تأثير الهندسة الأقليدية لم يقتصر على فترة حياته فقط، بل انها استمرت لقرون عديدة من بعده، فميكانيكا نيوتن وكهرومغناطيسية جيمس كلارك اعتمدت عليها، ولكن من خلال القاعدة الخامسة لهندسة اقليدس التي تنص على ان اي نقطة خارج خط مستقيم، يمكن ان يمر بها مستقيم واحد فقط موازي للمستقيم الأصلي، تم التخلي عن الهندسة الأقليدية والبدء في العمل بواسطة الهندسة اللااقليدية، وذلك بواسطة العديد من علماء الرياضيات الأفذاذ امثال جورج ريمان ولوباتشوفسكي.

سنتعرف في الحلقة القادمة عن افتراضات الليوناين القدماء على المادة وتكوينها.


 

المصدر

المصدر الثاني

كتاب “قصة الفيزياء” تأليف لويد موثز و  وجيفر مون هين ويفر