من المُقرر أن تُطلِق وكالة الفضاء والطيران الأمريكية NASA خلال الأيام القادمة أحد أكثر مشاريعها طموحًا حتّى الآن، إذ سينطلق مسبار باركر الشمسي (Parker Solar Probe) في طريقه نحو الشمس و”يلمسها”، إذ أنّه سيقترب من السطح الشمسي أكثر من أيِّ مسبار قد أُرسِلَ يومًا.

مدارات المسبار “باركر” الثلاثة ستجعله على بعد 6.1 مليون كليومتر عن سطح الشمس، وسيدخل الهالة الشمسيّة (corona)، حيث تصل درجة الحرارة إلى ملايين الدرجات المئويّة، ليدرُس الجزء الخارجي من الغلاف الشمسي، وتتكوّن بُنية المسبار، والذي سنتكلّم عنها لاحقًا، من درعٍ حراريّ متين جدًا لكن أولًا، يجب أن نفهم كيفيّة معالجة درجات الحرارة العاليّة.

حتّى أشد وأفخر أنواع الدروع الحراريّة ستُصهر عندما تختبر ظروفًا كتلك التي في جوار الشمس، بالعودة لثمانينات القرن الماضي، فقد أسهمت درجات الحرارة السطحيّة على كوكب الزُهرة، في الانهيار السريع للإلكترونات في المسبار الذي أرسلته روسيا حينها، إذ وصلت درجات الحرارة لحوالي (460) درجة مئويّة.

لكن الاختلاف الآن مع مسبار باركر، كما أوضحته وكالة ناسا؛ يكمن في الحرارة و درجة الحرارة، جنبًا إلى جنب مع كثافة الفضاء.

وللتمّييز بين المصطلحات، فإن درجة الحرارة (Temperature) هي قياس لسرعة حركة الجُسيمات المُنتقلة، في حين أنَّ الحرارة (Heat) فهي قياس لكميّة الطاقة التي تنقلها فعليًّا، ففي الفضاء يُمكن الحصول على جُسيمات تتحرّك بسرعة كبيرة، لكنّها لا تنقل الكثير من الحرارة بسبب الفضاء الكبير بين الجُسيمات.

تُفسّر سوزانا دارلينغ (Susannah Darling) من وكالة ناسا الأمر قائلةً: «إنَّ للهالة الشمسيّة أو الكورونا التي يمرّ بها المسبار باركر، درجة حرارة مهولة، لكنّ كثافتها منخفضة جدًا، ولتقريب الأمر إلى ذهنك، فكّر بالفرق بين أن تضع يدك داخل فرن ساخن، أو أن تضعه في وعاء من الماء المغلي، من المؤكّد بأن يدك سوف تصمُد أمام الحرارة دون خطر عليها لفترة أطول في الفرن على عكس ما هو عليه الحال إذا ما كانت في الماء المغلي الذي ستتفاعل فيه مع العديد من الجُسيمات».

وتُضيف: «كذلك هو الحال عند مقارنة السطح المرئي للشمس، حيث تكون الهالة هي الأقل كثافةً، وبالتالي ستتفاعل المركبة الفضائيّة مع عدد قليل من الجُسيمات الساخنة، ولن تتلقّى الكثير من الحرارة».

وهذا يعني بأن الدرع الحراريّ سيتعرّض لحرارة تصل درجتها حتّى 1370 درجة مئويّة فقط، إذ أنّه مصنوع من لوحين من الكربون المُدعّم بألياف الكربون، بسماكة (11.5) سنتيمترًا، وبذلك سيحمي مُعظم الأدوات على متن المسبار.

ولقد تمّ طلاء الجانب المواجه للشمس بـطِلاءٍ لامعٍ سيراميكيٍّ أبيض اللون، وهذا من شأنه أن يَحرُف أكبر قدر ممكن من ضوء الشمس بمقدار 2.4 مترًا في القطر، كما يزنُ الدرع (72.5) كليوغرامًا، إذ يعود هذا الوزن إلى خِفّة وزن المادة الرغويّة، والمُدهش في المسبار بأنّه يُبقي كُل شيء خلفه عند درجة 30 مئويّة أو أقل.

أما بالنسبة لأجهزة القياس التي ستحتاج للعمل خارج حماية الدرع الحراريّ، فإنها ستكون محميّةً بموادها، مثل كأس فاراداي الخاص بالمسبار، والذي يعمل على التقاط الجُسيمات المشحونة بهدف قياس تدفّقها، فهو مصنوعٌ من التيتانيوم الزركونيوم – الموليبدينوم (Titanium-Zirconium-Molybdenum)، والذي له نقطة انصهار تبلغ (2348.85) درجة مئويّة.

وقد تم تشكيل الرقائق التي تُنتج المجال الكهربائي للجهاز من معدن التنغستن، ذي أعلى نقطة انصهار معروفة والتي تبلغ (3421.85) درجة مئويّة، وقد تمّت صناعة الأسلاك الكهربائيّة من النيوبيوم ذي نقطة انصهار تنبلغ (2476.85) درجة مئويّة.

كما وزُوّد هيكل المركبة بأجهزة استشعار بهدف تصحيح اتجاهها كي لا تتعرّض الأجهزة الحسّاسة لأشعة الشمس الحارقة، أمّا بالنسبة لألواح المسبار الشمسيّة والتي تُستخدم لتشغيل المسبار بالطاقة الشمسيّة، فبإمكانها التراجع إلى خلف الدرع الحراريّ منعًا لارتفاع درجة الحرارة عند اقتراب المسبار من الشمس.

ويتم تبريد كامل المسبار عن طريق الماء المضغوط غير المُؤيَّن، وهو السائل الأكثر قدرة على التعامل مع أقصى درجات الحرارة التي يتعرَّض لها المسبار باركر.


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر