الساعة 5:29 من صباح يوم 16 يوليو / تموز 1945، في ولاية نيو مكسيكو…تاريخ لا يُنسى. تمزق هدوء الفجر عندما فجّر جيش الولايات المتحدة جهازًا لانفجار البلوتونيوم أُطلق عليه اسم الأداة Gadget. كان أول اختبار في العالم لقنبلة نووية، عُرف باسم «اختبار ترينيتي». هذه اللحظة ستغير تاريخ الحروب إلى الأبد.

أدى إطلاق الطاقة؛ الذي يعادل 21 كيلو طن من مادة تي إن تي TNT، إلى تبخّر برج الاختبار الذي يبلغ ارتفاعه 30 مترًا، وأميالًا من الأسلاك النحاسية التي تربطه بأجهزة التسجيل. كرة النار الناتجة صهرت البرج والنحاس بالإسفلت مع رمل الصحراء لينتج في النهاية زجاجًا أخضر؛ معدن جديد أُطلق عليه الترينيتيت.

بعد عقود اكتشف العلماء سرًا مخفيًا في قطعة من هذا الترينيتيت؛ شكلًا نادرًا من المادة يُعرف باسم شبه البلورة، كان يُعتقد في السابق أنه مستحيل.

أوضح عالم الجيوفيزياء تيري والاس من مختبر لوس ألاموس الوطني في عام 2021: «شبه البلورات تتشكل ضمن شروط قاسية، نادرًا ما تتوافر على الأرض. إنها تتطلب حدثًا مروعًا مصحوبًا بصدمة شديدة ودرجة حرارة وضغط. لا نرى ذلك عادةً إلاّ في حدثٍ مثيرٍ كالانفجار النووي».

تخضع معظم البلورات، من ملح الطعام وصولًا إلى الألماس، لنفس القاعدة: تترتب ذراتها في بنية شبكية تتكرر في فراغ ثلاثي الأبعاد. شبه البلورات تكسر هذه القاعدة، فالنمط الذي تنتظم فيه ذراتها لا يتكرر.

عندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة في المجتمع العلمي عام 1984، كان يُعتقد أن ذلك مستحيل. كانت البلورات إمّا منظمة أو غير منظمة، مع عدم وجود خيارات أخرى. إلى أن عُثر على ما يخالف ذلك؛ أشياء تكوّنت في ظروف معملية وفي البرية، عميقًا داخل النيازك، تشكّلت بواسطة صدمة ديناميكية حرارية تحت تأثير أحداث مثل السرعة الفائقة.

علمًا أن الظروف القاسية مطلوبة لإنتاج أشباه البلورات، قرر فريق من العلماء بقيادة الجيولوجي لوكا بيندي من جامعة فلورنسا في إيطاليا إلقاء نظرة أعمق على الترينيتيت، لكن ليس الترينيتيت الأخضر.

على الرغم من أنها غير شائعة، لكننا رأينا ما يكفي من أشباه البلورات لنعلم أنها تميل إلى دمج المعادن. لذلك ذهب الفريق للبحث عن شكل نادر جدًا من المعدن (الترينيتيت الأحمر)، الذي اكتسب لونه من الأسلاك النحاسية المتبخرة، والمندمجة فيه.

باستخدام تقنيات المسح المجهري الإلكتروني، وانكسار الأشعة السينية، حلّل الفريق ست عينات صغيرة من الترينيتيت الأحمر. وتوصلوا أخيرًا إلى نتيجة حقيقية في إحدى العينات؛ حبة صغيرة تتكون من 20 جانبًا من السيليكون، والنحاس، والكالسيوم، والحديد، مع تناظر دوران خماسي لا يمكن أن نجده في البلورات التقليدية.

أوضح والاس عام 2021 عندما نُشر البحث: «شبه البلورة هذه رائعة في تعقيدها وتركيبها. حتى الآن لا أحد يستطيع أن يخبرنا عن سبب تشكلها بهذه الطريقة. لكن في يوم من الأيام، سيكتشف عالم أو مهندس ذلك وتزول هذه الغشاوة عن أعيننا، ويكون لدينا تفسير ديناميكي حراري لذلك. آمل بعد ذلك أن نتمكّن من استخدام هذه المعرفة لفهم الانفجارات النووية فهمًا أفضل، وأن نصل في النهاية إلى صورة أكثر اكتمالاً لما تمثله التجربة النووية».

يمثّل هذا الاكتشاف أقدم شبه بلورات بشرية المنشأ، وهو يشير إلى أنه قد توجد مسارات طبيعية أخرى لتشكيل شبه البلورات. على سبيل المثال، يمكن أن يكون الرمل المنصهر من ضربات الصواعق، وكذلك المواد في مواقع سقوط النيازك، مصدرًا لأشباه البلورات في الطبيعة.

قال الباحثون: «إن البحث يمكن أن يساعدنا أيضًا في فهم أفضلَ للتجارب النووية غير المشروعة، بهدف الحد من انتشار الأسلحة النووية. يمكن أن تكشف دراسة المعادن المجهولة في مواقع التجارب النووية عن المزيد من أشباه البلورات، التي يمكن أن تكون خصائصها الديناميكية الحرارية أداة من أدوات الأدلة الجنائية النووية».

قال والاس: «إن فهم الأسلحة النووية للدول الأخرى يتطلب منا امتلاك فهم واضح لبرامج تجاربهم النووية. نحن عادةً نحلل الحطام والغازات المشعّة لفهم كيفية صنع الأسلحة، أو المواد التي تحتوي عليها ولكنّ هذه البصمات تتحلل. يمكن أن تخبرنا شبه البلورات التي تشكّلت في موقع الانفجارات النووية بأنواعٍ جديدةٍ من المعلومات؛ تلك التي لا يمكن أن تزول أبدًا».

اقرأ أيضًا:

تعرف على الروديوم: أندر المعادن على وجه الأرض وأغلاها

ما هو معدن الزنجفر؟

ترجمة: أحمد عضيم

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر