منذ إصدار شات جي بي تي العام الماضي، أصبح سام أولتمان الوجه البشري لثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي. حتى 16 نوفمبر الماضي، دأب المدير التنفيذي لشركة أوبن إيه آي على مدح الذكاء الاصطناعي أمام المديرين وقادة العالم في القمة الاقتصادية لآسيا والمحيط الهادي بسان فرانسيسكو. لكن في اليوم التالي، أُقيل من منصبه دون سابق إنذار.

وفقًا لتدوينة على موقع أوبن إيه آي، فإن مجلس إدارة الشركة لم يعد لديه ثقة في قيادة أولتمان للشركة، لأنه لم يعد يحافظ على نزاهته في التواصل مع المجلس. بعد ساعات، حدثت صدمة أخرى. إذ أعلن غريغ بروكمان رئيس المجلس وأحد المؤسسين، استقالته ردًا على إقالة أولتمان.

ما يعظم من المفاجأة أن أولتمان بدا في أوج قوته وتأثيره حينها، إذ أنهى لتوه جولة حول العالم وكان الجميع يتهافتون على لقائه، من إيمانويل ماكرون إلى نارندرا مودي. وقد أعلن في 6 نوفمبر إطلاق سلسلة من الأدوات الجديدة في يوم المُبرمج الذي نظمته أوبن إيه آي، ما دفع البعض لتشبيهه بستيف جوبز مؤسس شركة آبل، وهي مفارقة مثيرة للسخرية، إذ إن جوبز أقيل هو الآخر سنة 1985 من الشركة التي أسسها.

يقول رئيس إحدى الشركات الناشئة أن رحيل أولتمان وبروكمان له وقع مهم، كما لو أن لاري بيج وسيرجي برين طُردا من غوغل في سنواتها المبكرة، ثم إن موظفي شركة أوبن إيه آي ومُستثمريها استُبعِدوا من هذه الخطوة، إذ صرح بروكمان في تغريدةٍ له أنه وأولتمان لم يكونا على علم بما حدث حتى دقائق قليلة قبل الإقالة.

حسب موقع أكسيوس الإخباري، فإن مايكروسوفت -التي تملك 49% من أسهم الشركة- لم تكن على علم بالأمر هي الأخرى حتى اللحظة الأخيرة. وقد انخفضت قيمة سهم مايكروسوفت بنسبة 2% بعد هذا الحدث، غالبًا لأن طموحات الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي تعتمد بدرجة كبيرة على تكنولوجيا شركة أوبن إيه آي، ويشمل ذلك المحرك المساعد الذي تنتظر بفارغ الصبر أن تستعمله في خدمات أوفيس التي توفرها.

تطرح الإقالة ثلاثة تساؤلات كبرى: ما الذي قاد إلى هذه الإقالة المفاجئة؟ وما الذي يعنيه ذلك لشركة طالما كانت تُعد رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ وما الذي يعنيه الأمر لمستقبل التكنولوجيا ذاتها؟

سيكون تجاوب موظفي أوبن إيه آي وعالم التكنولوجيا -والمجتمع على نحو أشمل- مع هذا الوضع مُحددًا وحاسمًا لما سيحدث في المستقبل.

على مجلس الإدارة أن يقدم تفسيرًا مُفصلًا لقراره. النظرية الأقرب للصحة، التي قدمتها كارا سويشر لمجلة نيويورك، تقول إن بقية أعضاء مجلس الإدارة، الذين اجتمع بهم كبير العلماء إيليا ساتسكفر، اختلفوا مع أولتمان حول كيفية التنسيق بين تحقيق الأرباح وإصدار نماذج الذكاء الاصطناعي.

يصف أحد الموظفين ما حدث صراحةً بأنه انقلاب. نفى ساتسكفر هذا الوصف في اجتماع عُقد مع الموظفين بعد مدة قصيرة من الإعلان، قائلًا إن المجلس كان يؤدي واجبه فحسب.

عام 2015، أسس ساتسكفر، الباحث الرائد في الذكاء الاصطناعي -رفقة أولتمان وبروكمان وآخرين- شركة أوبن إيه آي بوصفها منظمة غير ربحية. لكن في 2019، نظرًا إلى احتياجهم إلى المال اللازم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المُتطلبة لمزيد من الطاقة للحوسبة، أشرف أولتمان على تأسيس شركة ربحية، وحصل على مليار دولار من مايكروسوفت. عام 2021، بسبب تركيز الشركة أكثر على الأعمال، غادرت مجموعة من موظفي الشركة القدامى ليؤسسوا شركةً منافسة هي أنتروبيك. إن إطلاق شات جي بي تي هو فقط خطوة من مساعي أولتمان لتحويل ما كان يومًا مختبر أبحاث صغير إلى شركة ذكية موجهة للانتاج.

ماذا يعني عزل أولتمان من شركة أوبن إيه آي؟

الأثر المباشر هو انتشار الفوضى. إضافةً إلى بروكمان، غادر ثلاثة من كبار المهندسين الشركة. وربما يسير آخرون على خطاهم، لا سيما إن العزل كان نتاج خلاف استراتيجي. قد توجد عواقب مالية أيضًا، إذ وصف أحد المُستثمرين أولتمان بأنه الوحيد الذي لا يُمكن تعويضه في هذه الشركة الناشئة، نظرًا إلى قدراته الفائقة في التوظيف ومهاراته في جني الأرباح.

لكن ربما لم تعد أوبن إيه آي تحتاج إلى أولتمان لتعيين الموظفين أو جمع الأموال، لا سيما أن الشركة صارت معروفة وتحظى بدعم مايكروسوفت. لذلك فإن رحيل بروكمان -الذي يعده الكثيرون العقل المهندس للشركة الناشئة- أشد أثرًا.

إن شركة أوبن إيه أي حاليًا في مفاوضات لجمع تمويلات تقارب 90 مليار دولار، ما سيجعلها إحدى شركات التكنولوجيا الأعلى قيمةً في العالم. وفقًا لوسيط تجاري في الأسواق المالية الخاصة، فإن الطلب على أسهم أوبن إيه آي كان هو الأعلى قبل الإعلان، لكن هذا التقييم في موضع الاختبار الآن.

أما التأثير في القطاع عمومًا فهو أقل وضوحًا. إذ دفع أولتمان شركة أوبن إيه آي لشحن منتجاتها الجديدة حول العالم، ما جعلها تحظى بميزة الخطوة الأولى. وقد أُجبر منافسوها على التحرك بوتيرة أسرع كي يقدروا على مجاراتها. لو ركزت أوبن إيه آي أكثر على السلامة المعلوماتية، فستُبطئ من تقدم القطاع عمومًا، ما سيُمكن المنافسين من اللحاق بها.

إن الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي كانت تستعين بتكنولوجيا شركة أوبن إيه آي في صناعة منتجاتها، قد تفكر الآن مرتين قبل أن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بشركة واحدة. أما أولتمان فقد أعلن في تدوينة على موقع إكس أن لديه المزيد ليقوله عما سيحدث لاحقًا.

إن كان يعني تأسيس شركة جديدة، فإن التشويق قد بدأ للتو.

اقرأ أيضًا:

خمسة وعشرون عامًا على إطلاق محرك بحث غوغل، هل سيصمد أمام الذكاء الاصطناعي؟

يوتيوب يستعد لإضافة أدوات الذكاء الاصطناعي في الموقع

المترجم: زياد نصر

تدقيق: باسل حميدي

المصدر